ميقاتي والقوانين الإصلاحيّة الموعودة: بيع الوهم للمودعين

لم تحمل تصريحات ميقاتي أي جديد (Getty)
لم تحمل تصريحات ميقاتي أي جديد (Getty)


من دافوس، وعلى هامش مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي، قرّر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أن يعد المودعين باقتراب لحظة استردادهم للودائع، وفي "أسرع وقت" كما ذكر في تصريحه حرفيًا. وهذا الوعد، جاء معطوفًا على بشرى سارّة أعلنها في التصريح نفسه، مفادها أن الحكومة "بصدد" دراسة مشروع قانون يؤمّن "استرداد الودائع". بالنسبة لغالبيّة المودعين، الذين سئموا من تتبّع المراوحة في تنفيذ الإصلاحات الماليّة الموعودة، والذين توقفوا تاليًا عن متابعة أخبار مشاريع القوانين المرتبطة بها، بدا وكأن ميقاتي يعلن عن مسألة جديدة تستحق عناء البحث والمتابعة، طالما أن الرجل يتحدّث عن مشروع جديد –أو فكرة مستجدّة- لإعادة الودائع. قد لا يكون مشروعاً منصفًا، على ما تقول تجربة المودعين مع الخطط السابقة، لكن التصريحات توحي بجديد ما، على الأقل.

غير أنّ العارفين والمتابعين لآخر تطوّرات القوانين الإصلاحيّة، وخصوصًا تلك التي تُعنى بملف الودائع، يدركون جيّدًا أن ما يتم الحديث عنه لا يتجاوز حدود بيع الوهم، في تكرار رتيب لوعود "استراداد الودائع"، التي تم تكرارها مرارًا وتكرارًا على مرّ السنوات الأربع الماضية. أمّا رزمة القوانين الإصلاحيّة، التي ستُرسلها الحكومة دفعة واحدة إلى المجلس النيابي كما وعد ميقاتي في التصريح نفسه، والتي ستضع لبنان على "سكّة التعافي الكامل"، كما أشار ميقاتي أيضًا، فما زالت تراوح مكانها، تمامًا كما كان الحال منذ العام 2020، وللأسباب نفسها التي عرقلت سابقًا إقرار هذه القوانين.


وهم مشروع القانون الذي يؤمّن "استرداد الودائع"

مشروع القانون الذي يتحدّث عنه ميقاتي، بوصفه مسارًا جديدًا لإعادة الودائع، لا يرتبط بإعادة الودائع بالفعل، بقدر ما يرتبط بعمليّة إعادة هيكلة القطاع المصرفي. وهو ليس مشروعًا جديدًا، بقدر ما هو إعادة تدوير للمسودّة نفسها التي تراوح مكانها ما بين فريق عمل الحكومة ومصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، منذ عامين.

وللعلم، كان آخر ما طرأ على المسودّة هو طرحها على طاولة مجلس الوزراء في تشرين الثاني الماضي، قبل أن يتقاعس المجلس عن إقرارها كمشروع قانون في كانون الأوّل، بسبب اعتراضات جمعيّة المصارف والوزراء الواقعين تحت تأثيرها. ومنذ ذلك الوقت، ظلّت الحكومة "بصدد" دراسة مشروع القانون، حسب تعبير ميقاتي.

إذًا، هو التلاعب على الكلمات، والمناورة في المساحة الرماديّة، بما أننا لسنا أمام فكرة جديدة لاسترداد الودائع، ولسنا أمام خطوة مستجدة ستقوم بها الحكومة. لكن الأهم هنا، هو التمييز بين فكرة "رد الودائع"، التي تحدّث عنها ميقاتي، والتي لا يشملها مشروع القانون هذا، وجوهر القانون الفعلي، أي إعادة هيكلة القطاع المصرفي. وهذا التمييز ضروري، كي لا يقع المودع فريسة أمام الوعود العشوائيّة، أو أمام خلط المصطلحات وإساءة استعمالها.

فجوهر قانون إعادة الهيكلة، الذي يتحدّث عنه ميقاتي في تصريحه، يرتبط بوضع لجنة لتقييم وضعيّة المصارف اللبنانيّة، واتخاذ القرار المناسب بخصوص المصارف التي ستُحال إلى التصفية، وتلك التي يمكن أن يتم "إصلاح وضعها". وهذا القانون، هو ما سيحدد معايير هذا التصنيف، وتحديدًا تلك المرتبطة بالملاءة وكفاية الأموال الخاصّة والسيولة والقدرة على تسديد المطلوبات عند استحقاقها، بالإضافة إلى قدرة المصارف على تحقيق الربحيّة بشكل مستدام على المدى البعيد. كما يحدد مشروع القانون الخطوات التي سيتم السير بها، قبل الوصول إلى مرحلة التصفية أو إصلاح الوضع.

بصورة أوضح: القانون متمّم وأساسي، بل ولا غنى غنه، في عمليّة إصلاح وضع القطاع المصرفي. غير أنّ هذا القانون لا يعد، ولا يتعاطى، بمسألة هامش الودائع المضمونة، وكيفيّة التصرّف بالودائع التي يصعب ضمان سدادها على المدى القصير. مع الإشارة إلى أنّ مشروع القانون سُحب عن طاولة مجلس الوزراء، بعدما رفضت المصارف بشكل قاطع المواد التي يمكن أن تمس بأسهم أصحابها، أي بملكيّة أصحاب المصارف لمصارفهم. كما رفضت المصارف مبدأ تكريس مصرف لبنان كمرجعيّة في عمليّة إعادة الهيكلة، وهو ما كان مستغربًا، لكون المصرف المركزي هو الوصي الطبيعي والقانوني على القطاع.

في الوقت الراهن، لم تُذيّل الحكومة بعد مشكلتها مع جمعيّة المصارف، ولا مع لوبي المصارف النافذ داخل مجلس النوّاب، وداخل الحكومة نفسها أيضًا. ولهذا السبب، لا يوجد ما يكفل أن يمر مشروع القانون قريبًا في مجلسي الوزراء والنوّاب معًا، طالما أن وضعيّتهما الراهنة لم تختلف عن وضعيّتهما طوال السنتين الماضيتين. وعلى أي حال، وكما أشرنا أعلاه، لن تكون مسألة ضمان أو رد الودائع موضوع الاختصاص الأوّل لهذا القانون.


وضعيّة القوانين والمشاريع الإصلاحيّة الأخرى

مشروع القانون الآخر، الذي يفترض أن يختص بتنظيم سداد الودائع، هو مشروع قانون إعادة التوازن للنظام المالي، الذي قدّمته الحكومة بالفعل إلى المجلس النيابي منذ أكثر من سنة من خلال النائبين جورج بوشيكيان وأحمد رستم.

غير أن المسودّة المطروحة لم تحظَ حتّى اللحظة بفرصتها بأي نقاش جدّي في لجنة المال والموازنة، بالنظر إلى غياب التصوّر الواضح –في المشروع المطروح- لكيفيّة التعامل مع فجوة الخسائر الموجودة في القطاع المالي. فحتّى هذه اللحظة، يقتصر التصوّر الحكومي على تأمين سداد الودائع التي تقل عن 100 ألف دولار أميركي، مقابل إحالة سائر الودائع إلى "صندوق استرداد الودائع"، الذي لا يضع آليّة واضحة لتأمين السيولة للمودعين. وبما يخص هذه الإشكاليّة، لم يقدّم ميقاتي في مقابلته الأخيرة أي حل لمعالجة هذه الثغرة، في خطّة حكومته.

سائر القوانين والمشاريع الإصلاحيّة التي تحدّث عنها ميقاتي، والتي وعد بطرحها ضمن رزمة متكاملة، ما زالت عالقة مكانها منذ توقيع الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي، باستثناء الشق المتعلّق بتوحيد أسعار الصرف وتدقيق ميزانيّات مصرف لبنان.

فموازنة العام 2024 ما زالت في المجلس النيابي، ومن غير الواضح ما إذا كانت صيغتها النهائيّة –بعد التصويت عليها في الهيئة العامّة- ستنسجم مع الشروط الإصلاحيّة التي طرحها الصندوق (بل وهذا مستبعد حتّى الآن). فيما لم تبادر الحكومة لوضع استراتيجيّة إعادة هيكلة الدين العام، ولا إلى إنجاز التدقيق في ميزانيّات أكبر 14 مصرفًا، كما لم تنجز جميع التعديلات المطلوبة على قانون سريّة المصارف (وخصوصًا بالنسبة إلى صلاحيّات لجنة الرقابة على المصارف).

في خلاصة الأمر، لم تحمل تصريحات ميقاتي أي جديد بالنسبة إلى قضيّة الودائع في المصارف اللبنانيّة، بمعزل عن هدف ميقاتي من هذه التصريحات الغارقة في التفاؤل. الأكيد حتّى هذه اللحظة، هو أن جميع القوى السياسيّة الوازنة في المجلس النيابي باتت بعيدة اليوم عن أولويّات التصحيح المالي، في ظل الانشغال بأولويّات الملف الأمني ومسألة الشغور الرئاسي. كما بات من الواضح أن الحكومة تفتقد إلى القيادة السياسيّة –وربما الإرادة؟- اللازمة للدفع باتجاه الإصلاحات التي تتحدّث عنها، والتي وعدت صندوق النقد بتنفيذها منذ نيسان 2022. باختصار، نحن في حال مراوحة لا أكثر.

تعليقات: