نائب رئيس مجلس الوزراء عصام أبو جمرا خلال إلقاء كلمته في العشاء السنوي للتيار في مرجعيون
عندما تنقلب الأكثرية أقلية وتستعاد المقاطعة أداة إنتخابية للتعبير..
كان ممكناً ان يشكل العشاء السنوي الذي نظمه "التيار الوطني الحر" في مرجعيون منبراً لاعلان لائحة حاصبيا - مرجعيون فهو جمع كل الحلفاء الذين يفترض ان يخوضوا دورة 2009، لكن الواضح ان الاتفاق لم يتبلور بعد واعلان اللائحة مؤجل الى حين استكمال التشاور بين مختلف الاطراف والاتفاق على اسماء المرشحين الذين تكثر اسماؤهم وتتنوع وتتشابك على امتداد مساحة الدائرة التي خضعت مع غيرها من انحاء الجنوب لمدحلة "قانون انتخابات غازي كنعان" الذي حصد المقاعد النيابية برمتها لمصلحة الاكثرية الطائفية وهمش اي خيار للطوائف الاقل عددا.
تبدو الانتخابات في حاصبيا – مرجعيون مبدئياً، شبه محسومة النتائج في الدائرة التي تشكل خليطاً طائفياً مع غلبة للطائفة الشيعية. واستناداً الى احصاء التوزع الطائفي والمذهبي لناخبي لبنان 2009 الذي نشره الباحث يوسف شهيد الدويهي في عدد "النهار" 4 آب 2005 (الإحصاء منشور في أدنى هذه الصفحة) يتوزع الناخبون في حاصبيا - مرجعيون على الشكل الآتي: شيعة: 81404، سنة 24878، مسيحيون (ارثوذكس وموارنة وكاثوليك) 21105، دروز 15000 الى اعداد من الطوائف الاخرى. ويستنتج من هذه الاعداد ان الثنائية الشيعية وكتلة الناخبين المؤيدة لها قادرة على حسم الامور لمصلحتها بالتحالف مع رموز من الطوائف الاخرى، وهذا ما يجد ترجمته عملانياً في فوز اللائحة التي تدعمها مما يدفع شرائح واسعة من الطوائف الاخرى الى الاستنكاف عن المشاركة في الانتخابات على قاعدة ان النتيجة محسومة ولا مفر من فوز لائحة الاكثرية على الاقليات اياً تكن نتائج اقلام اقتراع حاصبيا وشبعا ومرجعيون والهبارية والقليعة وغيرها من البلدات والقرى غير الشيعية.
في الاصل لم تكن حاصبيا – مرجعيون دائرة واحدة لكنهما دمجا في انتخابات 1960 بعد نقل المقعد الدرزي في المنطقة الى دائرة اخرى مما ترك مقعداً وحيداً للسنّة في حاصبيا، وكان تعليل الدمج ضرورة عدم مخالفة القانون القاضي بأن يكون للدائرة نائبان على الأقل. وعلى رغم رفع عدد النواب الى 128 مطلع التسعينات وتخصيص مقعد درزي لحاصبيا يؤهلها لتعود دائرة انتخابية مستقلة استمرت ملحقة بقضاء مرجعيون لتذوب في بحر الاكثرية، مما يولد شعوراً كبيراً بالغبن.
واعتبر منسق "تيار المستقبل" في المنطقة بسام حمدان في كلمة خلال احد الافطارات الرمضانية "ان دمج القضائين في دائرة واحدة ولد استياء عارماً في قضاء حاصبيا". والمقصود طبعاً استياء السنة والدروز وتالياً المسيحيين الذين يرون ان اصواتهم لن تعدل كثيراً في النتائج. ويقول احد المسؤولين في حزب "القوات اللبنانية" انه كان الاولى بمن ادعوا استعادة حقوق المسيحيين في مؤتمر الدوحة المطالبة بمقعد للمسيحيين في دائرة حاصبيا اسوة بغيرهم من الطوائف. وتذهب دراسة اعدها احد الاحزاب المسيحية الفاعلة الى المطالبة بإعادة ترسيم الحدود الادارية والجغرافية في حاصبيا - مرجعيون في شكل يؤمن صحة التمثيل لجميع الطوائف بعيداً من منطقة غلبة الاكثرية على الاقليات.
استفتاء لا انتخابات
ولكن على رغم اجواء الاستياء والمقاطعة تنشط القوى والاحزاب لاستنهاض قواعدها ومناصريها لتتحول المعركة تلقائيا استفتاء على الخيارات الشعبية بين قوى 8 آذار وحليفها "التيار العوني" من جهة وقوى 14 آذار من الجهة الاخرى. وفي طليعة من يقوم بالاستعدادات النواب الحاليون الذين يملكون رصيداً من تأييد الناخبين تراكم بفعل سنين طويلة من الخدمات المباشرة والتواصل مع القواعد الشعبية، اضافة الى ان النواب في معظمهم يحظون بدعم مؤسسات حزبية تملك حضوراً تاريخياً في المنطقة خصوصاً لدى الطائفة الدرزية وبين المسيحيين، وفي مقدم هؤلاء رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب عن المقعد الارثوذكسي اسعد حردان الذي يحظى بتأييد كوادر حزبه ومناصريهم اضافة الى الانشطة الخيرية التي يقوم بها بواسطة "مؤسسة نور" الرديف الاجتماعي للحزب في الجنوب. لكن حردان يواجه امكان ترشح نائب رئيس الحكومة اللواء عصام ابو جمره للمقعد الارثوذكسي ايضاً، ذلك ان العونيين وعلى خلفية "وثيقة التفاهم" الموقعة مع "حزب الله" والشعبية التي يحظى بها النائب العماد ميشال عون بين مناصري الحزب يمنون النفس بالفوز بمقاعد نيابية خارج المناطق ذات الغالبية المسيحية في جبل لبنان والشمال والبقاع، وفي طليعتها المقعد الارثوذكسي في حاصبيا – مرجعيون. ويبرر العونيون رغبتهم هذه بأنهم يمثلون غالبية المسيحيين (استناداً الى نتائج انتخابات 2005) وانهم يحظون بدعم شرائح واسعة من الشيعة وبدليل استطلاعات الرأي الاولية التي قاموا بها في المناطق. كما يردون على المتسائلين عن "الهجمة العونية" على مقاعد مسيحيي الاطراف بأن "الاوان حان لإراحة هؤلاء من عبء التمثيل الحزبي". لكن حسم الامر في هذه المسألة يبقى معلقاً في انتظار نتيجة التشاور بين القوميين والعونيين والاهم قرار "حزب الله".
حسابات بعيدة
والمقعد الدرزي الذي يشغله النائب انور الخليل هو مدعاة للتساؤل ايضا على رغم ثبات شاغله على نهج واضح من جميع القوى السياسية وانتمائه الى كتلة "التنمية والتحرير" التي يرأسها الرئيس نبيه بري. فالقرار في شأن هذا المقعد ايضاً يبقى في نهاية المطاف مرتبطاً بموقف الرئيس بري والقيادات الدرزية، علماً ان التسريبات المتداولة تتحدث عن رغبة قيادات بارزة في الترشح في حاصبيا الى جانب جملة من المرشحين المستقلين الذين لا يملكون اي حظ في تسجيل نقاط متقدمة خارج دائرة التجاذب بين "الآذاريين" باتجاهاتهم المختلفة. اما المقعد السني الذي يشغله النائب البعثي قاسم هاشم فيخضع تلقائياً لقرار "حزب الله" الذي يشكل الرافعة لأي مرشح على اللوائح المؤيدة له، على رغم موقف غالبية الناخبين السنة في انحاء حاصبيا الذين يؤيدون "تيار المستقبل" ويتفاعلون معه. وهذا يفتح الباب واسعاً على جملة من الاحتمالات والحسابات المرتبطة بمدى رغبة الثنائية الشيعية في الاستمرار في تحدي "تيار المستقبل" ودعم ترشيح هاشم للندوة البرلمانية، خصوصاً ان "المستقبل" لا يخفي نيته خوض المعركة الانتخابية لتثبيت قيادته لجمهور السنة في انحاء حاصبيا، ذلك ان البديل المطروح على المستوى الشعبي هو مقاطعة العملية الانتخابية ترشيحاً واقتراعاً، او التصويت لمرشحين مستقلين يستعدون لتقديم ترشحهم.
على المقلب الشيعي تبدو الامور محسومة سلفاً لثنائية "حزب الله" وحركة "امل" وكل كلام خارج هذا التحالف يقود الى مواجهة تحتاج الى الكثير من الجهد لتظهير موقف رافض لهذه المحدلة، وهذا ما يصح على حركة مرشحي الحزب الشيوعي اللبناني و"اليسار الديموقراطي" و"التيار الاسعدي"، اذ لا يخفي السيد احمد الاسعد نيته الترشح لاحد المقعدين الشيعيين وخوض المعركة التي يراها صعبة، لكنه يعتبر ايضا ان الاستحقاق يستحق معركة وانه سيحمل مفاجآت في الواقع الشيعي، وهو اعلن تكراراً انه سيخوضها على قاعدة تحالفات "مبنية على اسس متينة واضحة وصريحة لا سيما مع تيار المستقبل وقوى 14 آذار".
وفي حسابات الاسعد تشكيل ائتلاف يضم مختلف قوى 14 آذار في المنطقة بدءاً من "تيار المستقبل" الى حزبي "القوات" والكتائب وانتهاء بالحزب التقدمي الاشتراكي، لكن خطته تفترض قراراً من قيادات هذه الاحزاب بخوض غمار الانتخابات في مواجهة لائحة قوى 8 آذار، مع ما يعنيه ذلك من انعكاسات على مسار الانتخابات في المناطق الاخرى.
وما يصح في حاصبيا – مرجعيون قد لا يكون مناسباً في قضاء بعبدا ولا في البقاع الغربي وغيرها.
-------------------------
احصاء التوزع الطائفي والمذهبي لناخبي لبنان 2009 الذي نشره الباحث يوسف شهيد الدويهي في عدد "النهار" 4 آب 2005:
الحكومة لن تدافع عن قانون انتخاب لم تناقشه
نواب لن يتحمسوا لقانون طراز 1960 قد يسقطهم
يعود اتفاق الدوحة اليوم الى مجلس النواب من خلال مشروع القانون الذي يناقشه النواب في الجلسة الاشتراعية. وبعض هؤلاء النواب او كثر منهم، قد يصوت عليه واثقا ان الفرصة قد لا تسنح للعودة الى البرلمان عبر تقسيمات انتخابية لم تكن لتمر لولا تداعيات حوادث 7 ايار وارتداداتها الاقليمية التي استوجبت تسوية انتخابية على عجل.
وبعد انتظار طويل لقانون عصري، يحط في مجلس النواب اليوم قانون انتخاب طراز 1960، مزودا الحد الادنى من الاصلاحات، ولا يلائم تطلعات المشرعين والخبراء والراغبين في نقل البلاد من مرحلة الى اخرى.
ومفارقة المناقشة انها ستكون بين النواب انفسهم، وليس بين النواب من جهة والحكومة من جهة اخرى. فالحكومة براء من هذا المشروع، وهذا امر حرص على تأكيده وزراء منهم الوزير ابرهيم شمس الدين، الذي عبر صراحة عن موقفه الرافض قانون 1960، في حين ان رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، كان واضحا في اعلان موقفه وهو ان الحكومة لم تحل المشروع على مجلس النواب، بل ان رئيس المجلس هو من أحال على لجنة الادارة والعدل اقتراح القانون الذي تقدم به النائبان غسان تويني وغسان مخيبر ويتبنيان فيه مشروع "الهيئة الوطنية لقانون الانتخاب" برئاسة الوزير السابق فؤاد بطرس.
وفي اعتقاد الوزراء المعنيين ان هذا الاقتراح اعاد تنشيط الحركة النيابية، واختصر كثيرا من الاشكالات ووضع قانون الانتخاب على السكة، بعد اتفاق الدوحة، وان عبر تجاوز الحكومة.
وبهذا المعنى يصبح المشروع من دون اب، ولن يتطوع احد للدفاع عنه، ويستطيع الوزراء التبرؤ منه بمعزل عن التضامن الوزاري، لان معظمهم يرغب في قانون عصري على ما قال الوزير طارق متري امس، في حين يعلن وزير الداخلية زياد بارود، الذي شارك في اجتماعات اللجنة، اولا بصفته عضوا في الهيئة الوطنية، وثانيا بصفته وزيرا للداخلية، مواقفه المؤيدة للنسبية ولاقتراح مهلة ستة اشهر لرؤساء البلديات للتقدم باستقالتهم، ولكثير من البنود الاصلاحية التي اقرتها الهيئة الوطنية. وكان بارود وزع على مجلس الوزراء اول من امس تقريرا اعده عما افضت اليه مناقشات لجنة الادارة والعدل، وعرض فيه موجزا لابرز البنود الواردة في المشروع وما انجز من اصلاحات وما لم ينجز، مع ملاحظات طفيفة حول البنود المطروحة. علما ان مناقشات مجلس الوزراء جاءت بعد ساعات قليلة على انتهاء لجنة الادارة والعدل من طباعة مشروع القانون وتوزيعه، ولم يكن تسنى لجميع الوزراء درسه تفصيلا.
ولا يستطيع النواب حتى ان يناقشوا رئيس لجنة الادارة والعدل النائب روبير غانم، الذي أدار جلسات اللجنة مدى اسابيع لانجاز القانون باقل قدر من الاضرار السياسية، مع العلم ان اللجنة تمثل مختلف التيارات والشرائح السياسية، التي سبق لممثليها ان ناقشوا غانم في تفاصيل المشروع.
بذلك تدور المناقشة اليوم حول قانون "هجين" على ما وصفه احد الوزراء المعنيين، وتتحول مبارزة انتخابية بين النواب تحضيرا لمعاركهم، انطلاقا من قاعات المجلس، في ظل محاولة كل فريق اظهار قدرته على حماية حقوق طائفته او فريقه السياسي، لامرار هذا البند او ذاك، من البنود الاصلاحية.
فحوادث ايار بتت بسرعة التقسيمات الانتخابية وجعلتها ممكنة، وهذا الامر الابرز الذي ارضى السياسيين، فانصرفوا الى التحضير لمعاركهم الانتخابية، منذ اسابيع. اما البنود الاصلاحية فأقر بعضها ووضع بعضها الاخر المهم، كاقتراع المغتربين وخفض سن الاقتراع والنظام النسبي، في عهدة المستقبل غير المنظور. مع ان هذه البنود التي نادى بها الخبراء في القوانين الانتخابية والجمعيات المختصة، واقرتها "الهيئة الوطنية لقانون الانتخاب"، ستأخذ حيزا مهما من المناقشات التي يخشى ان تستمر الى الاثنين المقبل، اذا نوقش المشروع مادة مادة. والخشية الكبرى ان تصبح هذه البنود عرضة للمزايدات السياسية في ظل الانقسام الحاد بين فريقي المعارضة والموالاة حول حق رؤساء البلديات في الترشح الى النيابة بعد تقديم استقالتهم خلال مهلة ستة اشهر او سنتين. والواضح ان الفريقين يريدان تقصير المهلة او تمديدها وفقا لحسابات سياسية تتعلق بترشيح موالين لهما، فيما العلم والمنطق السياسي يعطيان الحق استنادا الى مبدأ المساواة لرؤساء البلديات كمنتخبين، مع غيرهم من الموظفين، في الترشح للنيابة، تماما مثل جميع موظفي الفئة الاولى الذين يحق لهم في الترشح لرئاسة الجمهورية من دون حصرهم بمهل محددة لتقديم استقالتهم.
ويلاحظ ان اهم بند اصلاحي وهو خفض سن الاقتراع غاب عن نص المشروع، على رغم ان "الهيئة الوطنية" اقرته. وفي ظل التجاذب السياسي والطائفي حول هذا البند الذي يفترض تعديلا دستوريا لاقراره يرجح ان يمر قانون الانتخاب مع ابقاء الشباب ما دون سن الـ21 عاما، محرومين حق الاقتراع، في اكثر الضربات قساوة للديموقراطية، ولعمل الناشطين في مجال الحقوق المدنية الذين ابدوا استياءهم لعدم خفض سن الاقتراع.
وللتذكير كانت "النهار" نشرت دراسة للباحث يوسف شهيد الدويهي في 20 حزيران الماضي اشارت الى ان خفض سن الاقتراع يدخل الى قوائم الناخبين 232963 ناخبا (مسيحيون: 58260 ناخــــبا أي 25٫01 في المئة ومسلمون: 174695 ناخبا اي 74,99 في المئة) فيصبح عدد الناخبين 3469523 ناخبا (مسيحيون: 1347667 ناخبا أي 38،84 في المئة ومسلمون: 2115726 ناخبا اي 60,98 في المئة) بدل 3236560 ناخبا (مسيحيون: 1289407 ناخبين، اي 39,84 في المئة ومسلمون: 1941031 ناخبا اي 59,97 في المئة).
واورد سلسلة ملاحظات على تأثير خفض سن الاقتراع على انتخابات عام 2009، وهي الآتية:
1 – سيزداد عدد الناخبين بنسبة 7,20 في المئة (مسيحيون 4,52 في المئة، مسلمون 9 في المئة).
2 – تراوح الزيادة عند ناخبي المذاهب المسيحية الكبرى بين الموارنة 4,97 في المئة والارمن الارثوذكس 2,80 في المئة.
3 – تراوح الزيادة عند الناخبين المسيحيين في الدوائر الانتخابية بين بعلبك – الهرمل 6,28 في المئة وبيروت الثانية 2,71 في المئة، وعند الناخبين المسلمين بين عكار 11,59 في المئة وعاليه 6,60 في المئة.
4 – زيادة ناخبي السنة هي 8,82 في المئة، اما عند الشيعة فهي 9,69 في المئة وستبقى هذه الزيادة لمصلحة الناخبين الشيعة حتى انتخابات 2017 قبل ان تعود وتنقلب لمصلحة السنة بناء على دراسة مفصلة للاحوال الشخصية.
5 – تراوح الزيادة في الدوائر الانتخابية بين المنية – الضنية 10,11 في المئة وبيروت الاولى 3,85 في المئة.
6 – تراوح الزيادة في المحافظات بين الجنوب 8,66 في المئة وجبل لبنان 5,53 في المئة.
هيام القصيفي
تعليقات: