المستشفيات السورية تقدم للبنانيين عروضاً مغرية (Getty)
تلتقي مجموعة من الرجال والنساء داخل قاعة الانتظار لإحدى العيادات الطبية الكبيرة في طرابلس، يجمعهم الألم والمرض والسعي للعلاج، الذي تحول إلى مشقة للبنانيين، ماديًا وجسديًا ونفسيًا.
وبينما ينتظر كل واحد منهم دوره لأكثر من ساعة، بهدف الدخول إلى غرفة طبيبه، يتسامر هؤلاء لكسر الملل حول الكلفة الباهظة للعلاج في لبنان، ثم ترمي إحداهن فكرة تؤجج النقاش.
قصص العلاج في سوريا
إنها سيدة خمسينية، تعاني من مشاكل في قلبها، تقول بصوت مرتفع: "والله شكله ما لنا إلا أن نتعالج في سوريا". لم تكن فكرتها غريبة، بل أيدها الجميع بالنقاش، حيث تبين أن لكل منهم قصة أو قريب يتجه للعلاج وإجراء العمليات في سوريا، ولا سيما في طرطوس، بكلفة تقل عن 85% من مثيلها في لبنان.
تحكي السيدة عن قريبها الذي توجه إلى طرطوس، عند "أفخم حكيم" كما تصفه، لمعاينة قلبه، مقابل كشفية تعادل 3 دولارات فقط. وتتابع ساخرة: "مش عارفة شو عم أعمل هون، لأنطر ساعات، وفوت عند الحكيم ربع ساعة، وأدفع 40 دولاراً أنا وطالعة". تتابع جارتها التي ترافقها: "يجب أن نسأل محمد (أحد معارفهما)، حتى يعطينا رقم الشوفير (منظم الرحلات الطبية)، يحجز لنا موعد، ويأخذنا على طرطوس".
سريعًا، تقاطعهم سيدة أخرى تجلس قبالتهن، لتخبرهم بأن شقيقها من الضنية، ذهب إلى طرطوس لإجراء عملية "ديسك" لظهره مقابل ثلاثة آلاف دولار، بينما بلبنان كانت تكلفه نحو 10 آلاف دولار. وتتابع بحماس: "نجحت العملية، وهو ينط ويمشي وكفى حياته عادي".
يتدخل رجل اهتم بالنقاش، ليعبر عن مخاوفه من تسليم صحته لأطباء لا يعرفهم، ثم يقول آخر: "مش أحسن من أنك تبقى بلبنان مش قادر تتحكم، والناس كلها عم تتعالج بسورية؟". يرد عليه بـ"معك حق"، ثم يسعى للاستفسار عن سبل الذهاب للمستشفيات السورية. وهنا، تفصح سيدة أخرى عن قصة ابنها الذي أجرى تقويم لأسنانه بسوريا بربع الكلفة في لبنان، فدفع 300 دولار بعدما كانت بلبنان ستكلفه نحو 1200 دولار، وأن شقيقتها تتسوق باللاذقية لشراء الأدوية التي تحتاجها بأسعار رخيصة. تقول: "أشترت أختي مجموعة أدوية لها ولزوجها لم تتجاوز 10 دولارات، وتجولت وتسوقت مع أجرة الطريق ذهابًا وإيابًا، ولم تصرف أكثر من 30 دولار".
السياحة العلاجية
وواقع الحال، هذه عينة من قصص آلاف اللبنانيين الذين باتوا يلجؤون إلى سوريا للعلاج وإجراء العمليات، بعد ما كانت قبل سنوات مقصدًا فقط للسيدات اللبنانيات غير المقتدرات، اللواتي يرغبن بإجراء عمليات تجميل بأسعار زهيدة، مقابل مجيء السوريات المقتدرات إلى لبنان لإجراء العمليات التجميلية عينها.
شمالًا، ومثلما يذهب آلاف المرضى عبر معبر العريضة الرسمي إلى طرطوس السورية، هناك لبنانيون آخرون يذهبون عبر معبر المصنع لتلقي العلاج في دمشق، ومعابر أخرى رسمية لتلقي العلاج في حمص وغيرها.
هذا الأمر، خلق نوعاً من "السياحة الطبية"، من لبنان باتجاه سوريا، بعد ما كان لبنان لعقود مقصدًا استشفائيًا لمختلف أبناء المنطقة العربية. وفيما تكاد تنعدم التغطية الصحية في لبنان، إلا لفئة محدودة جدًا من الميسورين أو من يعملون مع جهات خارجية توفر لهم بطاقات تأمين صحية، اتسع نشاط السياحة الطبية نحو سوريا بعدما خسر أكثر من 80% من اللبنانيين نسبة كبيرة من مختلف أشكال الضمان والتأمين الصحي.
وأما ذريعة الأطباء اللبنانيين والمستشفيات اللبنانية، بأن المواطنين قد يخاطرون بحياتهم حين يتجهون للعلاج في سوريا، فلم تعد تلقى صدى، لأن الناس يتناقلون تجاربهم الناجحة. وحتى الفئة الواسعة التي لا تنجح تجربتها العلاجية في سوريا، وتتعرض لمخاطر صحية، لم تشكل رادعًا للآخرين، طالما أن الهدف هو: تلقي العلاج بكلفة زهيدة.
وهذه الظاهرة لا تقتصر على العمليات الطارئة، بل تشمل أيضًا عمليات الترميم والتجميل، وهو ما أدى لتنظيم رحلات طبية دورية، كما يخبرنا أحد أبناء المناطق الحدودية في عكار.
ويرى كثيرون أن ثمة حالة فوضى ومخاطرة تضرب هذا المجال، بعدما بات سائقو سيارة الأجرة عند المعابر الحدودية الرسمية بين البلدين، يتولون مهمة توجيه المرضى إلى الطبيب السوري، وإلى مستشفيات عدة، من أبرزها مستشفى تشرين في طرطوس.
وتشير معلومات "المدن" إلى أن المستشفيات السورية تقدم للبنانيين عروضاً مغرية جدًا وبأسعار زهيدة لتشجعيهم على العلاج وإجراء العمليات. هذا ناهيك عن شراء آلاف اللبنانيين للأدوية السورية، سواء من سوريا، أو تلك التي تغزو الأسواق والصيدليات بصورة غير شرعية.. وهذه قضية أخرى.
تعليقات: