انتحار طفلة سورية بسبب تدني علاماتهاالدراسية.. «أبي وأمي أحبكما»


تداول ناشطون سوريون رسالة مؤثرة تركتها طفلة سورية لأهلها في مدينة تفتناز شمالي البلاد، قبل انتحارها بتناول "حبة غاز"، في مشهد بات متكرراً في مختلف مناطق سوريا على اختلاف الجهة الحاكمة.

وأشار "المرصد السوري لحقوق الإنسان" إلى أن طفلة تبلغ من العمر 11 عاماً، وأقدمت على الانتحار عبر تناولها حبة غاز داخل منزلها في بلدة تفتناز بريف إدلب، وأوضحت وسائل إعلام محلية إلى أن السبب المعلن للحادثة كان "الضغط النفسي وخوفها من ذويها، بسبب تدني علاماتها في امتحانات المدرسة".

وتركت الطفلة كاترين جعفر رسالة لعائلتها، أعربت فيها عن حبها لوالدها وأمها وإخوتها، وطلبت منهم أن يسامحوها ويزوروا قبرها بعد وفاتها. وكتبت: "إلى أمي الغالية، لطالما رغبت أن أكون من المتفوقين، وشكراً لك على جهودك وأدعيتك، لكني لا أعلم إذا كانت من قلبك، أمي أرجوكِ سامحيني على الذي صدر مني. أمي أحبك جداً جداً، وأتمنى أن تزوري قبري وتدعي لي".

وأضافت الطفلة في رسالتها: "إلى أبي العزيز، أحبك يا أبي وشكراً لك على كل ما قدمته لي من حنية ودفء ولم تحرمني من شيء، لكني أنا حرمتك من فرحتك، وأتمنى أن تكون صابراً لأن قهر الرجال سيء. أبي الغالي أحبك جداً جداً"، خاتمةً رسالتها بـ "التعبير عن حبها لجميع أفراد عائلتها، طالبةً منهم السماح".

وبعد ذلك بساعات، فارق الحياة فتى آخر، يبلغ من العمر 17 عاماً، متأثراً بإصابته نتيجة إقدامه على الانتحار في قرية مشمشان بريف جسر الشغور الشرقي، بعدما أطلق النار على نفسه بمسدس حربي، ونقل إثرها إلى المستشفى حيث توفي.

وسجلت مناطق سيطرة المعارضة السورية، شمال غربي سوريا، منذ كانون الثاني/يناير 2023 حتى كانون الأول/ديسمبر 2023، 62 حالة انتحار بينها 34 حالة باءت بالفشل، بحسب إحصاءات نقلتها وسائل إعلام محلية. فيما سجلت المنطقة العام 2022، 88 حالة انتحار، لكن تلك الأرقام ربما تكون أكبر من ذلك مع صعوبة التحقق منها بشكل مستقل.

و"حبة الغاز"، هو الاسم الشائع لمركب "فوسفيد النتروجين"، ويمكن الحصول عليها بسهولة من الصيدليات والبقاليات، وباتت الوسيلة الأكثر انتشاراً للانتحار في شمال سوريا الخارج عن سيطرة نظام الأسد، رغم التعليمات بعدم بيعها إلا في الصيدليات الزراعية وللبالغين فقط، إذ يفترض استخدامها كمبيد حشري.

هذه النوعية من الحوادث تلقي الضوء على التفكك والانهيار الاجتماعي في البلاد، رغم أنها ليست طارئة على المجتمع السوري الذي يفرض ضغوطاً شديدة على الطلاب في المدارس مع إعطاء قيمة لـ"التفوق". ولا يختلف الأمر بين مناطق سيطرة المعارضة أو الأكراد أو مناطق سيطرة النظام السوري التي شهدت العام 2020 على سبيل المثال حادثة انتحار طالب رسب في امتحانات الشهادة الثانوية في طرطوس.

وطوال عقود كان التفوق ضمن نظام التعليم في سوريا الأسد، قيمة سامة ومرهقة تؤدي إلى فرض ضغوط على الأفراد ضمن عائلاتهم ومحيطهم الاجتماعي منذ سن صغيرة. وفيما قد تتراوح تلك القيمة في حضورها بين مكان وآخر ضمن البلد نفسه، فإنها كانت تقسم الناس إلى طبقات اقتصادية واجتماعية وتعطي أهمية للناس حسب مهنهم اليومية التي يتم تحديدها وفقاً للأداء الدراسي. ويُنظر إلى أصحاب المهن التي توصف بالأفضل، كالهندسة والطب، باحترام، فيما تُحتقر المهن الأخرى الأقل شأناً، وحتى ضمن الاختصاصات نفسها يتم خلق تصنيفات مماثلة أيضاً.

وفيما تتوافر إحصائيات في مناطق شمال سوريا عن حالات الانتحار، فإن النظام السوري من جانبه يعمد بشكل رسمي إلى إخفاء الإحصائيات المتعلقة بحوادث الانتحار في البلاد منذ العام 2021 عندما تحول الأمر إلى قضية رأي عام.

وإن كانت سوريا تأتي في المرتبة 176، كواحدة من أقل دول العالم تسجيلاً لحوادث الانتحار ضمن مؤشر منظمة الصحة العالمية العام 2019، فإن المنظمة تشير بوضوح إلى أن محاولات الانتحار في البلاد غير قانونية ويعاقب عليها بالسجن أو عقوبات أخرى، ما قد يؤدي إلى عدم الإبلاغ عن حالات الانتحار. ويثير ذلك التفصيل التساؤلات حول موثوقية الإحصائيات الرسمية المتعلقة بالانتحار.

وتقول منظمة "World Population Review"، وهي منظمة أميركية مستقلة غير ربحية تقدم الإحصاءات والتحليلات، أنه من المدهش أن العديد من الدول الأكثر اضطراباً، تمتلك معدلات انتحار منخفضة نسبياً، ومن بينها سوريا. وليس من الواضح ما إذا كانت إحصاءات الانتحار هناك، تعكس حالات الانتحار التي ارتكبت بسبب مشاكل الصحة العقلية والأمراض المزمنة (وهي الأسباب الرئيسية للانتحار في معظم أنحاء العالم) أو تشمل حالات الانتحار المرتكبة كجزء من النزاعات المستمرة والحروب.


تعليقات: