وزير الداخلية يريد استعادة هيبة الدولة بمنع برنامج تلفزيوني!

استسهال ملاحقة الصحافيين ووسائل الإعلام وانتهاك الحقوق والحريات (علي علوش)
استسهال ملاحقة الصحافيين ووسائل الإعلام وانتهاك الحقوق والحريات (علي علوش)


بتاريخ 22 كانون الثاني الجاري، تقدّم وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال، القاضي بسام المولوي، بوثيقة إلى النيابة العامة التمييزية، يطلب فيها تدخل القضاء اللبناني ووقف عرض برنامج تلفزيوني كوميدي، يُعرض على إحدى الشاشات اللبنانيّة، "لأنه يمس بهيبة الدولة وبمؤسساتها".

ووفقًا لمعلومات "المدن" فإن النيابة العامة التمييزية لم تستجب بعد لهذه الوثيقة ولم يتم اتخاذ أي إجراءات قضائية حتى كتابة هذا التقرير.


المس بـ"هيبة الدولة"!

أراد المولوي في هذه الوثيقة أن تتدخل النيابة العامة التمييزية، لوقف عرض برنامج "مرحبًا دولة" الكوميدي على قناة "LBCI"، ومنع تداوله عبر أي وسيلة. بل وأكثر من ذلك، طالب بملاحقة وتوقيف كل من هو على علاقة بهذا البرنامج بجرم الإساءة إلى الدولة اللبنانية برموزها ومؤسساتها لاسيما قوى الأمن الداخلي.

في بادئ الأمر، المعلوم أن الجزء الأكبر من البرامج التلفزيونية اللبنانية وتحديدًا الكوميدية منها، خُصصت لنقل الواقع اللبناني بأسلوب "فُكاهي" (علمًا أننا لا نُخفي تقصد بعض البرامج الكوميدية تحويل الواقع اللبناني المرير إلى نكتة "سمجة" وبأسلوب مبالغ فيه). مع العلم أن البرامج الساخرة تحظى بمتابعة كبيرة من شريحة لا يُستهان بها من أفراد المجتمع، لكونها مساحة واسعة لعرض الأوضاع السياسية والأمنية والاجتماعية للمواطنين بأسلوب مختلف.

وإن توسعنا أكثر، فإن "السخرية السياسية" أو طرح القضايا اليومية للمواطنين بشكل كوميدي ليست حالة جديدة، بل هي تقليد قديم لنقد الشخصيات السياسية. إن هذه البرامج وبالرغم من حساسية مضمونها، إلا أنها تمكنت من كسر "التابوهات". كما أن البرامج اللبنانية الساخرة نجحت في الإضاءة على العيوب والشوائب الحاصلة في مؤسسات الدولة اللبنانية، إضافة إلى تخفيفها إلى حدٍ ما الاحتقان الشعبي الناتج عن الأجواء السياسية اللبنانية.

والسخرية السياسية الحاصلة في البرامج التلفزيونية اللبنانية امتزجت فيها الجدية مع الصبغة الكوميدية. وفي بعض الأحيان ساهمت في تغيير الواقع المأساوي، ومعالجة المشاكل التي سبق وتم طرحها سابقًا.


الواقع المرير!

وواقع الحال، والمفارقة التي يمكن ملاحظتها من خلال هذه الوثيقة أنها تقع ضمن إطار تبدل الأحوال عما كانت عليه سابقًا، فلو أمعنا النظر في مضمون "الكتاب" أو "الوثيقة" التي تقدم بها المولوي إلى النيابة العامة التمييزية، والذي اتهم فيها البرنامج المذكور بالإساءة إلى الدولة اللبنانية ومؤسساتها ورموزها، لا سيما قوى الأمن الداخلي، فإننا نلاحظ أن هذا النمط من "الإساءة" المزعومة لا يتوقف على البرامج التلفزيونية أو المقالات اليومية المنشورة في الصحف وغيرها، بل إنه بات ثقافة سائدة في المجتمع اللبناني المنهار والمتفكك منذ أكثر من 5 سنوات؛ المجتمع المُستاء من تدهور أحوال مؤسساته العامة المفلسة، التي لم تعد قادرة على تأدية واجباتها بالصورة المطلوبة، أكان نتيجة الفقر المسيطر على كوادرها البشرية أو للفساد المستشري فيها. وإن كانت الإساءة قد وقعت في تلميح الممثلين إلى أن عناصر قوى الأمن الداخلي يقبلون "الرشوة"، فإن النكتة "السمجة" هي ما يرددها المواطنون بصورة يومية أساسًا، خصوصًا أن النسبة الأكبر من عناصر قوى الأمن الداخلي تعيش في كابوس الفقر المدقع منذ عام 2019، وتحولت أوضاعهم المعيشية إلى أوضاع مأساوية وتدهورت أحوالهم، ولا تزال الأزمة تستفحل أكثر فأكثر. وفي هذه المؤسسة تحديدًا بلغ عدد العناصر "الفارين" منذ بداية الأزمة الاقتصادية حوالى الألف، ناهيك عن حالات الانتحار التي حصلت خلال الفترة الماضية والناتجة عن الوضع الاقتصادي المتردي للعناصر. فمن المسيء هنا لمؤسسات الدولة؟ البرنامج التلفزيوني الفكاهي أم النظام السياسي العاجز والفاسد؟


انهيار مستمر

وعليه، كان من الأجدى للوزير أن يتلفق هذه الإساءة ويدرك أن حال العناصر الأمنية بالفعل لم يعد طبيعيًا. بل إن هذه "النكتة" يتداولها المواطنون والإعلام. وهنا تقع الحاجة إلى تسوية أمورهم ومعالجة أحوالهم، وتحسين أوضاع معيشتهم بدل الدفاع عنهم لدى المحاكم التمييزية التي لن تفيد هذه العناصر على المستوى العملي و"المادي" والملموس، لأنها لا تقع ضمن واجباتها. وهذا ما ينطبق على باقي الملفات التي كان نجمها الوزير المولوي طيلة العام الماضي أكان بمنعه لتظاهرات وتجمعات لمواطنين، ومنع أنشطة مجتمع مين-عين. وأهم من ذلك، كان من الأجدى أن يلجأ الوزير من حرصه على هيبة الدولة، إلى محكمة المطبوعات لكون البرنامج يعرض على وسيلة إعلامية لبنانية، ولعل هذه الوثيقة تستدعي التذكير مجددًا بأن الوسائل الإعلامية يجب أن تمثل أمام محكمة المطبوعات فقط، وهنا تطرح تساؤلات أخرى وأهمها "هل ملاحقة وسائل الإعلام هي من صلاحيات وزير الإعلام زياد مكاري أم وزير الداخلية؟

أما اليوم، ونتيجة ما لمسناه في الفترة الأخيرة من ملاحقة للصحافيين ووسائل الإعلام والانتهاكات للحقوق والحريات في الدستور اللبناني قبل القوانين مرعية الإجراء، يبقى الخوف من إعادة عقارب الزمن إلى الوراء، إلى زمن الدولة البوليسية وقمع الحريات وتكميم الأفواه وفرض الرقابة والسيطرة على البرامج التلفزيونية لمنع حرية التعبير والنقد.

وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال، القاضي بسام المولوي
وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال، القاضي بسام المولوي


تعليقات: