(علي حشيشو)
أهل الحدود تراجعوا خطوة إلى الوراء: الدولة غائبة كالعادة و«الناس لبعضها»
مع قرب انقضاء الشهر الرابع على العدوان الإسرائيلي، تتعزّز الإدارة المحلية لأزمة النزوح من جنوب الجنوب إلى البلدات الخلفية لخط المواجهة الحدودي. آليات تنظيمية على مستويات مختلفة لتسيير شؤون النازحين والصامدين على السواء، تعتمد أولاً على معادلة: «الناس لبعضها»
تقيم فاطمة قطيش مع بناتها وأحفادها في «شاليه»، عند أطراف بلدة مجدل سلم، منذ أكثر من شهر بعد نزوحهم عن حولا. المشروع السياحي الذي لم ينجزه صاحبه، وضعه مجاناً في تصرّف لجنة استقبال النازحين التي أنشئت في بلدته. عارضت «أم وهيب» فكرة النزوح قبل أن تنزل عند إلحاح أبنائها بعد استشهاد جارتها نصيفة مزرعاني ونجلها محمد مزرعاني، بقذيفة إسرائيلية استهدفت منزلهما في البلدة. الأسيرة المحرّرة والأم لأربعة أسرى سابقين في معتقل الخيام والناجية من مجزرة حولا عام 1948، تعيش حالياً التجربة «الأهون» في حياة ابنة الـ 84 عاماً. في الثامنة من عمرها، فرّت من المجزرة حافية سيراً على الأقدام مع عمّتها وأطفال آخرين في اتجاه السلوقي ومنها إلى خربة سلم وصولاً إلى طيرفلسيه. خلال الاحتلال الإسرائيلي، اعتُقلت في الخيام. وفي عدوان تموز 2006، أُجبرت على النزوح وعادت لتجد منزلها متضرّراً. يهوّن عليها أن مجدل سلم «قاطع الوادي (وادي السلوقي) عن حولا». قرب المسافة «يجعلنا نشعر بأننا ما زلنا في الضيعة. نتابع بأمّ العين الغارات والقصف ونعرف فوراً أيّ منزل تضرّر»، ويسمح لأولادها بتفقّد منزلهم وإحضار حاجات ومؤن وسقي المزروعات. هذا أيضاً ما جعل معظم أهالي حولا وميس الجبل ومركبا وبني حيان وطلوسة... يلجأون إلى المجدل وشقرا وخربة سلم والصوانة وقبريخا وتولين التي تقع في الجهة المقابلة للبلدات الحدودية.بحسب عضو بلدية حولا زياد غنوي، فإن «40% من أهالي حولا نزحوا إلى مجدل سلم وشقرا» بسبب «وحدة الحال» بين البلدات الثلاث. فمنذ ما قبل الاحتلال الإسرائيلي، تستقطب مدارس شقرا والمجدل طلاب حولا والقرى الحدودية المجاورة. لذلك، اختار أهالي الطلاب الانتقال إلى جوار المدارس بدل المخاطرة بتنقّل أولادهم على خط التماس بين حولا والسلوقي. مجدل سلم وحدها تضم 160 عائلة نازحة، فيما تضم شقرا 120 عائلة. كما لجأت عشرات العائلات إلى مربع تبنين - صفد البطيخ - الجميجمة - خربة سلم. ضاعف النزوح عدد المقيمين في هذه البلدات، ما فرض حاجة إلى تنظيم شؤونهم. يستعرض غنوي مبادرات عدة لتخفيف وطأة النزوح على أبناء بلدات المواجهة والمجتمع المضيف. بعد الإقفال القسري لمستوصفات وعيادات حولا، بادر متطوّعون بالتعاون مع البلدية والهيئة الصحية الإسلامية، إلى ترتيب برنامج زيارات لأطباء لمعاينة المرضى مجاناً. وتولّت لجنة أخرى توفير الأدوية والفحوصات والتحاليل ولا سيما للمسنّين. ولفت غنوي إلى مبادرة أخرى لدعم المزارعين المتضررين بتصريف منتجاتهم مثل محاصيل المونة البيتية. أما المبادرة الأكثر تفاعلاً، فكانت دعم الطلاب النازحين بدروس تقوية إضافية. سعدية ياسين، المعلمة في مدرسة حولا الرسمية تشرف على الصفوف التي تفتح أبوابها ثلاث مرات أسبوعياً في قاعة في مبنى بلدية مجدل سلم. وتهدف من خلال متطوّعين من أساتذة ومعلمات حولا إلى «التعويض عن الطلاب، ولا سيما طلاب المدارس الرسمية، تأخرهم في تحصيل المنهاج، والضرر النفسي والاجتماعي واللااستقرار اللذيْن تسبب بهما العدوان والنزوح».
يحصي رئيس اتحاد بلديات جبل عامل علي طاهر ياسين حوالي 12 ألف نازح تنقّلوا ضمن بلدات الاتحاد من خط المواجهة في حولا ومركبا والعديسة ومحيبيب وبليدا والطيبة ورب ثلاثين وبني حيان وطلوسة والقنطرة والقصير ودير سريان (أعضاء الاتحاد)، إلى البلدات الخلفية. ويقول إن خطة المواجهة تعمل على ثلاثة مستويات، أولها بلديات المواجهة التي تتابع شؤون الصامدين ومن نزح عنها وحاجاتهم. وعلى المستوى الثاني، البلديات المضيفة التي تتابع حاجات المقيمين والنازحين وتؤمّن الخدمات العامة من كهرباء ومياه ونفايات بالتعاون مع الوزارات المعنية. وفي الآونة الأخيرة، زاد الضغط الأمني عليها بعد توسعة العدوان الإسرائيلي على بلدات الاتحاد التي كانت تُعد آمنة. أما المستوى الثالث، فهو التنسيق مع الإدارات الرسمية والمنظمات المحلية والدولية لدعم الصامدين والنازحين والشراكة مع المجتمع المحلي. ويجزم ياسين بأن الفضل في المواجهة يعود الى التكافل الاجتماعي والمبادرات الفردية ودعم المجتمع المدني، أما «الدولة فشبه مستقيلة. رغم حالة الطوارئ، لم تفرج عن المستحقات المالية للبلديات، فيما المساعدات العينية التي تُقدم من أدوات تنظيف وحصص غذائية وفرش وأغطية، لا تكفي 30% من النازحين».
البلدات الخلفية مُهدّدة بأزمة نفايات بسبب ضغط النازحين
أزمة النزوح تهدّد بأزمة نفايات في نطاق بلديات جبل عامل، إذ «انتقل ضغط إنتاج النفايات في البلدات الحدودية إلى المجتمعات المضيفة. في نطاق الاتحاد، ثلاثة معامل لفرز النفايات في ميس الجبل وقبريخا والطيبة، كان الاتحاد يغطي، بصعوبة، كلفة تشغيلها. أما في ظل الضغط المتزايد، فهي مهدّدة بالتوقف عن العمل، لولا الدعم الذي تقدّمه جمعية العمل البلدي في حزب الله».
وزير البيئة ناصر ياسين، منسّق لجنة الأزمة التي شكّلها مجلس الوزراء لمواجهة العدوان، استعرض التدابير التي اتّخذتها الإدارات المعنية لدعم النازحين. وقال لـ«الأخبار» إنه «مع إقرار الموازنة الجديدة، أقرّ مجلس الوزراء اعتماداً لمجلس الجنوب لصرف نفقات على إغاثة النازحين والصامدين». وفي المقابل، «كل وزارة تعمل وفق صلاحياتها. فقد فعّلت وزارة الصحة حالة الطوارئ مع المستشفيات الخاصة والحكومية لتعزيز جهوزيتها وفتح اعتماد من مجلس الوزراء لتغطية كلفة علاج المصابين. كما أنشئ نظام معلوماتية موحّد لدى المستشفيات ومراكز الرعاية الأولية لتسجيل الشهداء والجرحى واستقبال المرضى في أماكن نزوحهم». ولفت إلى أنه سيطرح في جلسة الحكومة المقبلة مقترحاً لدعم البلديات الحدودية التي تواجه أزمة النزوح بصناديق فارغة بـ«تحويلات مالية استثنائية».
تعليقات: