صبحي القاعوري: عبس وتولّى

الكاتب الحاج صبحي القاعوري
الكاتب الحاج صبحي القاعوري


عبس وتولى

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2)


درر السنية

أُنْزِلَ: عَبَسَ وَتَولَّى في ابنِ أمِّ مَكْتومٍ الأعمى، أتى رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فجعلَ يقولُ: يا رسولَ اللَّهِ أرشِدني، وعندَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ رجلٌ من عُظماءِ المشرِكينَ، فجعلَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يُعرضُ عنهُ ويُقبلُ على الآخَرِ، ويقولُ: أترى بما أقولُ بأسًا؟ فيقولُ: لا، ففي هذا أُنْزِلَ

الراوي: عائشة أم المؤمنين

المحدث: الألباني

المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم : 3331 | خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح


هناك شبه اجماع من المجتهدين من علماء المسلمين على اختلاف مشاربهم في تفسير ما وردفي السورة الكريمة "عبس وتولى" بأن المقصود الرسول (ص) حسب الحديث .

من سياق الآيات نستنتج ان الوحي نزل على الرسول (ص) ليوحي اليه بأن شخصh ما في المجلس استاء من دخول ابن ام مكتوم بالقول عبس وتولى بصيغة الماضي اي ما يعني بأنهناك من عبس وبعد ذلك انتقل الوحي لصيغة الحاضر وقال وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) ، ولوكان الرسول (ص) المقصود لقال : عبست وتوليت.


وحتى نكون على بينة مما نقول من الانصاف ان نذكر نبذة صغيرة عن حياة الرسول (ص) قبل الرسالة :

محمد بن عبدالله قبل الرسالة كان محموداً في بيئته ومجتمعه ذو سيرة عطرة وحسن الاخلاق ومحل احترام الجميع للكياسة واللباقة في معاملته الناس ، كان متسامحا، صادقاً اميناً ،لذلك اطلق عليه " الصادق الامين " .

مما تقدم فإن الحديث عن اسباب انزال "عبس وتولى" لا يتفق لا بالشكل ولا بالموضوع مع سيرة النبي (ص) قبل الرسالة لما كان يتمتع به من اخلاق عالية وكان محلتقدير الجميع في بيئته فكيف بعد الرسالة .

والظاهر بان هناك شخصا آخر قد يكون داخلاً في الاسلام حديثاً او من المشركين استطاب لهحديث الرسول وابن ام مكتوم قطع عليه التمتع بحديث الرسول (ص)

والظاهر ايضاً انه عندما دخل ابن مكتوم لم يكن دخوله مواجهاً الرسول (ص) بل كان بوجهالمشركين الذي "عبس".

"اذاً العبس" من قبل الرسول (ص) يكون مستحيلاً ل طبيعة الاجتماع ، ولو حصل ذلك منالرسول (ص) لتدخل من كان مجتمعا به وهو من دواهي

المشركين وقال اذا كانت هذه صفات من تدعونا لعبادته ونهج الاسلام ، نحن لسنا بحاجة الىهذا الإله والى هذا الدين ، ولكن هذا لم يحصل وبقي الاجتماع مستمرًا.

وعبس في وجهه وتوّلى، وكره كلامه، وأقبل على الآخرين؛ وهذا لا يتوافق مع قول الله سبحانهوتعالى

وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) اي ادب القرآن الذي أدّبه الله به، وهو الإسلام وشرائعه.

أكدت هذه الآية بـ(إن) واللام، وهما تفيدان التوكيد الذي يُشعِر برسوخ قدم رسول الله صلى اللهعليه وسلم في أرض الأخلاق النبيلة .

لقد وقع المفسرون في خطأ جسيم عندما قالوا إن الله يعاتب الرسول (ص) على الاستياء وعدمالرضا من وجود ابن ام مكتوم في مكان الاجتماع، حيث انهم ذهبوا في التفسير مخالفين فيذلك طبيعة الاجتماع "التعريف بالاسلام " وبما انزل الله من آياتٍ تدل على خلق الرسول (ص).

.وفي آيات كثيرة وصف الله نبيه في القرآن الكريم بحسن الخلق ومنها انا ارسلناك رحمةللعالمين ومنها وصفه بنفسه مخاطبا المسلمين يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ .

لقد تجلت عظمة الله في اظهار مكانة ومقام وقدر نبيه(ص) في سورة التكوير

حيث بدأ قوله بالقسم :

إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾: وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ﴾ واذا .. الى آخر الآية (13) واذا هنا ليست اداة شرطوقد جاءت هنا للتوكيد لتكرارها ولما سبقته عن نفس القصد ،

وما جاء في الآيات السابقة من تعزيز مكانة الرسول (ص) ومقامه جاءت الآيات 15-16-17 و18 تبدأ بالقسم::

﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ ، الى آخر آيات القسم وجواب القسم جاء في الآية : (19): ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾: هذا جواب القسم ، وهل يعقل من كانت هذه صفاته بشهادة الله عز وجلان يستاء من مؤمن او يمل او يضجر ؟

نرجو الله ان يلهمنا دائمآ التوفيق في اظهار إلحق والحقيقة.

* الحاج صبحي القاعوري

تعليقات: