لم يفاجأ اللبنانيون بالتعميم 166 القاضي بتسديد 150 دولاراً شهرياً للمودعين من "لولاراتهم" المحتجزة في المصارف، فإصداره كان مؤكداً، وما تأخر إخراجه لبضعة أسابيع إلا بسبب التريّث الذي اعتمده الحاكم بالإنابة وسيم منصوري، لتحصين القرار بالمزيد من المشاورات والتوافق مع المعنيّين وخصوصاً المصارف "شريك النص" في تسديد الدفعات الشهرية.
لكن المفاجأة أتت في صدور التعميم 167 برفقة التعميم 166، وهو ما كان يعتبر المصرفيون والمحللون الاقتصاديون، مبكراً جداً التطرّق إليه والسير به، لكن قبطان "المركزي" حسم أمر إخراج ميزانيات المصارف من التأرجح غير المجدي بين أسعار الصرف المتعددة، مفاضلاً لها الأرقام الواقعية على مرارتها، من الأرقام الوهمية على حقيقتها.
التعميم 166 خطوة في رحلة الألف ميل إذا أحسن اللبنانيون الإفادة منها، وشقيقه التعميم 167 خطوة في طريق إعادة ترتيب التقييم المالي والملاءة لدى المصارف، ويساعدها للخروج من مستنقع "معي وما معي" و"عندي وما عندي" أو "عندي بس عا الورق". وكذلك يعيد ترميم الوضعية المحاسبية لميزانيات المصارف، التي تآكلت عملياً وصار مجموعها يقلّ واقعياً عن مليار دولار، خلافاً لما تعلن المصارف عنه فصلياً وسنوياً مجبرة وفق القانون، لكنه غير واقعي وأشبه بـ"الوهمي" بسب التزام سعر صرف 15 ألف ليرة.
لا تنكر مصادر مصرفية تأثر المصارف بالتعميم 167 الذي يلزم المصارف والمؤسسات المالية كافة، عند إعداد الوضعيات المالية، مراعاة مبادئ المعيار الدولي للمحاسبة (IAS21) وتحويل حسابات الموجودات والمطلوبات النقدية المحررة بالعملات الاجنبية والموجودات غير Monetary Assets and Liabilities)) النقدية (Non - Monetary Assets) المصنفة بالقيمة العادلة (Fair Value) أو المقيّمة وفقاً لمنهجية الحقوق الصافية (Equity Method) الى ما يوازي قيمتها بالليرة اللبنانية على أساس السعر المعلن على المنصة الإلكترونية المعتمدة من #مصرف لبنان بتاريخ إعداد البيانات المالية.
ولكنها تؤكد أن الضربة القوية التي أصابت ميزانيات المصرف بالشق المتعلق بالليرة اللبنانية، هي عندما ارتفع سعر الصرف من 1500 الى 15 ألف ليرة، بما أدّى الى أن تصبح ميزانياتها نحو 10% من قيمتها، أما شق الدولار فبقي بقيمته.
وإذ تلفت الى أن "التأثير لن يكون كبيراً"، توضح أن المشكلة في الميزانيات هي في حجم الأموال الخاصة التي تحتاج إليها المصارف، إذ إن بعضها يحتاج الى زيادة الأموال الخاصة، خصوصاً أن المصارف لا تزال تسجّل الودائع كأنها لا تزال موجودة، فيما الواقع أن جزءاً منها سيذهب الى صندوق استرداد الودائع، وتالياً ستصبح خارج الميزانيات على شكل أسهم في الصندوق. من هنا ترى المصادر أنه كان الأفضل معالجة موضوع الودائع في مصرف لبنان وإنشاء صندوق استرداد الودائع قبل الطلب من المصارف تصحيح وضع ميزانياتها التي يُفترض أن يصبح حجمها نحو 20 مليار دولار بدل 95 مليار دولار. وكشفت المصادر أن "حاكم مصرف لبنان أبلغ جمعية المصارف، أنه لن يفرض عليها زيادة الأموال الخاصة"، مؤكداً أن "المطلوب حالياً تسعير الميزانيات من دون تكوين رساميل قبل معالجة الفجوة في مصرف لبنان".
الوزير السابق عادل أفيوني أكد لـ"النهار" أن التعميم 167 الذي يفرض على المصارف اعتماد سعر صرف للدولار على سعر 89 ألفاً و500 ليرة في ميزانياتها هو خطوة إيجابية وجريئة وأساسية لأي خطة إنقاذ، لكنها خطوة طبعاً جاءت متأخرة سنوات عدة، ولا بد من أن تصاحبها رزمة شاملة من القوانين والإصلاحات الضرورية التي طال انتظارها. وركز أفيوني على نقاط عدة أولاها أن "الميزانيات الشفافة الصادقة أساس العمل المصرفي ومن البديهيات المالية والمصرفية، فما قيمة المصرف بدون ميزانية شفافة وبدون مصداقية". وسأل "كيف نعالج أزمة المصارف ونعيد رسملتها ونعيد بناء القطاع ونستعيد الثقة ونستقطب مستثمرين ومودعين، إن لم تكن الميزانيات صادقة وشفافة وواقعية، وإن لم يكن هناك تقييم علمي ودقيق للأصول والمطلوبات والسيولة؟ لكن للأسف في لبنان منذ أكثر من 4 سنوات تجاهلت المصارف والسلطات هذه البديهيات وفضلت الاستمرار في بنوك "الزومبي"، إذ إنه حتى الأمس القريب كانت المصارف لا تزال تستخدم في ميزانياتها سعر صرف اصطناعياً لا يمت الى السوق أو الواقع بصلة بغية تغطية خسائرها الفعلية بسبب انهيار سعر الصرف ووضعها المالي الفعلي، ولتصدر ميزانيات غير واقعية، وهذه هرطقة مالية واقتصادية فاقمت من تداعيات الأزمة وعطلت الحلول". واعتبر أن "استخدام سعر صرف اصطناعي غير واقعي كان جزءاً من سياسة أكبر هي سياسة نكران ممنهج وتعطيل اعتمدها المعنيون منذ اندلاع الأزمة في مختلف المجالات، بما فاقم من خطورة الأزمة وتداعياتها وعطّل دور المصارف وأجّل الحلول، فيما دفع ثمن هذه السياسة المودع العادي والمواطن، والاقتصاد".
ويشير الى أن "اعتماد سعر صرف واقعي وحده، خطوة على أهميتها لا تكفي لإصدار ميزانيات شفافة وواقعية في المصارف، ولا تكفي لتقييم شفاف لوضع المصارف المالي الفعلي، إذ إن الثغرة الأخرى الكبرى في ميزانيات المصارف الحالية هي في غياب أي تقييم واقعي لموجودات المصارف لدى البنك المركزي، وغياب أي تحديد واقعي لقيمة المؤونة التي على المصارف أن تعتمدها مقابل هذه الموجودات أي مقابل شهادات الإيداع التي تحملها المصارف لدى البنك المركزي، وهذا يشكّل الجزء الأكبر من موجوداتها. فالمؤونة الحالية أقل من 2%، وهذا رقم غير واقعي ومضلل وهذه كذلك هرطقة مالية ومحاسبية أخرى تؤدّي بدورها الى تغطية خسائر المصارف من جراء استثماراتها لدى البنك المركزي، وتسهم تالياً في إصدار ميزانيات افتراضية غير واقعية وغير شفافة ومضلّلة للواقع المالي الفعلي للمصارف".
وبرأي أفيوني فإن "الوصول الى تقييم واقعي لسندات الإيداع لدى البنك المركزي يمرّ باتفاق على إعادة هيكلة البنك المركزي بكامله، وباتفاق شامل على إعادة هيكلة كل الدين العام، فيما الدولة لم تتخذ حتى الآن أيّاً من هذه الخطوات الضرورية، ويبدو أنها لا تزال بعيدة المنال للأسف، علماً بأن تصحيح سعر الصرف لا يكفي لتقديم صورة كاملة لوضع المصارف".
ما هو تأثير التعميم على المصارف في الوضع الحالي؟ التعميم وفق أفيوني، يضع المصارف أمام مسؤولياتها وسيفرض عليها أن تنشر ميزانيات تعترف فيها بخسائرها الحقيقية من جراء انهيار سعر الصرف. وهذه الخسائر، وإن كانت لا تشكل إجمالي الخسائر، بل جزءاً منها، فإنها معلومة مهمة وضرورية".
ويرى أن القرار "سيسمح ولو جزئياً بتقييم مدى حاجات المصارف الى إعادة الرسملة ومدى قدرتها على الاستمرار أو عدمه، وسيكشف من هي المصارف المفلسة العاجزة عن إعادة الرسملة، وتلك التي لا يزال في إمكانها تغطية خسائرها، وتعيد رسملتها وتستقطب رساميل جديدة. كما يشكل خطوة أولية ضرورية لإعادة الانتظام المالي، وإنقاذ الودائع، وإعادة بناء القطاع المصرفي، فيقصي تلقائياً بعض المصارف عن القدرة على الاستمرار".
ويخلص أفيوني الى أن "تعميم مصرف لبنان الجديد على أهميته يحب أن يكون جزءاً من حلّ شامل وسريع يتضمّن الاتفاق على إعادة هيكلة الدين العام وإعادة هيكلة المصرف المركزي، وخطة لتوزيع الخسائر وتعويض المودعين وتحمّل المسؤوليات، وإقرار سريع لقانوني إعادة الانتظام المالي و"الكابيتال كونترول" القابعين في أدراج مجلس النواب. كما يتطلب الحلّ الشامل إقرار قانون إعادة هيكلة المصارف حتى تتسنّى معالجة المصارف المفلسة بطريقة منتظمة وقانونية وإلا ففوضى في السوق وفراغ خطير".
من يستفيد من التعميم 166؟
توازياً مع التعميم 167 أصدر الحاكم بالإنابة، بعد طول انتظار، التعميم 166 عدّل من خلاله التعميم 151، ووفق المعلومات فإن تعديل التعميم جاء بناءً على شكاوى الموظفين وخصوصاً موظفي القطاع العام الذي حصلوا على تعويضاتهم ويسحبونها "لولار" وهم لا يستفيدون من التعميم 158. أما شروط التعميم فوضعت بعد اجتماع بين الحاكم بالإنابة وجمعية المصارف، بغية التخفيف من وطأته على المصارف وخصوصاً تلك التي تعاني من شح في السيولة. فالحاكم بالإنابة وضع شروطاً عدة للإفادة من التعميم الجديد حاصراً الموضوع بأشخاص محدّدين تنطبق عليهم الشروط التي وضعت، وتالياً لن يكون عدد المستفيدين كبيراً. والمعلوم أن الأشخاص الذين يحق لهم الإفادة من التعميم 166 هم الأشخاص الذين لديهم حسابات بالدولار مفتوحة بعد 31/10/2019 حتى 30/6/2023، مع التأكيد على موافقة المودع على رفع السرية المصرفية عن الحساب المعنيّ، والإفادة من حساب واحد فقط، وإن كان يملك حسابات في مصارف أخرى، وأن لا يكون مستفيداً من التعميم 158 الذي يخوّله سحب بين 300 و400 دولار شهرياً. أما المودعون الذي لا يحق لهم الإفادة من التعميم فهم الأشخاص الذين تضهر حساباتهم حركة شيكات مصرفية تدل على عملية تجارة الشيكات بعد تاريخ 31/10/2019، أو الأشخاص الذين حوّلوا أموالاً من حساباتهم من الليرة الى الدولار بمبلغ يوازي أو يزيد عن 300 ألف دولار، أو أولئك الذين أفادوا من شراء ما يزيد عن 75 ألف دولار عبر منصّة صيرفة. ويجيز التعميم للمودع أن يسحب المبلغ كاملاً أو يبقيه في الحساب الذي سيفتحه البنك له والخاص بالتعميم.
وعلم أن "المبالغ التي ستدفعها المصارف للمودعين ستؤمن مناصفة من خلال سيولة المصرف والتوظيفات الإلزامية بالعملات الأجنبية العائدة للمصارف في مصرف لبنان، فيما تقدّر الكلفة الإجمالية بين 360 الى 450 مليون دولار سنوياً تتقاسمها المصارف مع مصرف لبنان. أما كلفة التعميم 158 المشتركة بين لبنان والمصارف، فبلغت منذ حزيران 2021 حتى نيسان الماضي ملياراً و780 مليون دولار".
وفيما يجتمع الرئيس نجيب ميقاتي مع جمعية المصارف اليوم للبحث في موضوع الدولار المصرفي وأمور أخرى تتعلق بالقطاع، انتقدت المصادر عدم الشروع في معالجة مشكلة الودائع وعدم المبالاة في إصدار الـ"كابيتال كونترول" أو تحديد الدولار المصرفي الذي يعتقد البعض أنه أصبح على سعر 89 ألفاً و500 ليرة بعدما أعلن مصرف لبنان أنه عمد الى توحيد سعر الصرف، بما يضع المصارف في مواجهة المودعين.
وأكدت المصادر عينها أن "لا مشكلة لدى المصارف إذا قرروا اعتماد الدولار المصرفي على سعر 89 ألفاً و500 ليرة، ولكن المشكلة أن مصرف لبنان لن يوافق على تحويل الدولار للمصارف على هذا السعر بل على سعر قريب من الـ15 ألف ليرة تجنباً للتضخم وتدهور سعر العملة اللبنانية، على أن يصدر ذلك بقرار من الحكومة أو بقانون من مجلس النواب".
أنقر هنا لقراءة نصّ التعميمين 166 و167
تعليقات: