استنسابية الحوافز المالية تعطل الإدارات وتدفع بالمتقاعدين إلى الشارع

متوسط راتب العسكري المتقاعد 100 دولار فقط
متوسط راتب العسكري المتقاعد 100 دولار فقط


باتت خريطة الزيادات والحوافز المالية للقطاع العام واضحة، لجهة استنسابية تطبيقها على الإدارات والمؤسسات وأحياناً على بعض الموظفين. فالمؤسسات والإدارات القادرة على "ليّ ذراع" الحكومة تمكّنت من تحسين مداخيلها المستحقة أصلاً، في مقابل عجز الفئات الأخرى من الموظفين عن تحصيل أي حوافز تمكّنهم من تأمين الحد الأدنى من معيشتهم. وإذا كانت الحكومة تميّز بين القطاعات وموظفيها، وفق مصالحها، فإن مصلحتها مع المتقاعدين من مدنيين وعسكريين انتهت بتقاعدهم، ولم تعد تأبه بمعيشتهم حتى أنها باتت تستثنيهم من أي طروحات لتحسين رواتب القطاع العام.

ونظراً لعدم قدرة المتقاعدين على مواجهة الحكومة وفرض مطالبهم على الطاولة من خلال تعطيل قطاعات حيوية، كما فعل موظفو القطاع التعليمي والسلك القضائي، لم يجدوا أمامهم سوى الشارع لطرح مطالبهم "العقلانية" (راجع "المدن"). فالمتقاعدون الذين افترشوا شوارع بيروت اليوم يطالبون الحكومة بوضع خطة شاملة لتصحيح الأجور بشكل عادل غير استنسابي.

مطلب عادل

لم نطالب الحكومة بزيادات بنسب خيالية، ولم نحدد أي زيادات. إنما نطالبها بأمر بديهي وهو وضع خطة واضحة للتصحيح المرحلي للأجور، وفقاً لتطور مداخيل الدولة، وليس بشكل عشوائي ومن خلال التمييز بين فئات القطاع العام. بهذه العبارات اختصر اندريه أبو معشر المتحدث باسم المنبر القانوني للدفاع عن حقوق العسكريين المتقاعدين مطالب المتقاعدين من الأجهزة العسكرية.

هذا المطلب يمثّل أيضاً حال المتقاعدين المدنيين من القطاع العام. فرواتبهم لا تزيد اليوم عن 130 دولاراً بأحسن الأحوال. وحسب مصادر "المدن"، فالحكومة تبحث حالياً في 3 طروحات للحوافز المالية للقطاع العام، يخلو اثنين منها من أي زيادة لمعاشات المتقاعدين، في حين يلحظ أحد الطروحات زيادة ضئيلة لا تزيد عن 6 أضعاف رواتب المتقاعدين على 3 مراحل زمنية.

وإذ يطالب أبو معشر بوقف كل العطاءات والتقديمات التي أقرت لجميع القطاعات، مهما اختلفت تسمياتها، وأن تتم مراجعة القيمة الفعلية للرواتب قبل عام 2019 وما يوازيها بالدولار.. يدعو إلى تحديد إقرار نسبة زيادة موحدة وعادلة من القيمة الفعلية للرواتب والمعاشات التقاعدية، وفق ما كانت عليه قبل الانهيار المالي للقطاعات والأسلاك والمؤسسات ومتقاعديها كافة، من دون استثناء أو تمييز.

ويوضح أبو معشر في حديثه لـ"المدن" بأن نسبة الزيادة غير مطروحة. إذ يجب أن ترتبط بقدرة الحكومة المالية. لكن مسألة العدالة بين فئات القطاع العام هي أمر جوهري. متساءلاً كيف يمكن أن يتقاضى موظف إداري أو أستاذ أكثر من 400 دولار، في حين تتقاضى عائلة شهيد بالجيش اللبناني نحو 100 دولار فقط.

لخطة تصحيحية

وخلافاً لما حصل عام 2017، حين أقرت سلسلة الرتب والرواتب بمعزل عن أي دراسة جدوى أو أسس علمية، يدعو العسكريون المتقاعدون إلى إقرار خطة لاستكمال التدرج في التصحيح المستدام للأجور، في مهل زمنية محددة وبنسب محددة، وفق تطور مداخيل الدولة وانتظام المالية العامة، بالإضافة إلى إقرار خطة للتصحيح المرحلي لقيمة التعويضات التقاعدية التي فقدت قيمتها بسبب انهيار سعر الصرف، إن لجهة ضم جزء من نسب التصحيح إلى أساس الراتب عند الإحالة على التقاعد، أو لجهة إعادة احتساب قيمة هذه التعويضات بمفعول رجعي وفقاً لمتوسط سعر صرف عادل للدولار.

وإذ ينتقد أبو معشر الحديث عن موازنة صفر عجز، وأحياناً عن فائض مالي، في حين تحرم الحكومة متقاعديها من حقهم البديهي بالعيش الكريم، يشدّد على ضرورة إجراء دراسة علمية لتصحيح الأجور تشمل كافة الفئات الوظيفية والمتقاعدين.

التمييز يعطّل القطاع العام

تلتقي رئيسة رابطة الإدارة العامة نوال نصر مع أبو معشر، بأن الحكومة تمارس التمييز بين فئات القطاع العام، وتفرض زيادات باستنسابية بين المؤسسات أحياناً، وبين الموظفين في الإدارة الواحدة أحياناً أخرى.

وتعلّق في حديثها لـ"المدن" على طرح الحكومة السابق للحوافز المالية والمقترح المرفوع من رئاسة مجلس الخدمة المدنية. وتصف الأخير بالطرح المعيب، لعدة أسباب: أولها، أنه صادر عن رئيس مجلس الخدمة المدنية، في حين تشوبه الكثير من العيوب والمغالطات.

وكانت "المدن" قد أضاءت في تقرير سابق على مقترح مجلس الخدمة المدنية، الذي يعتمد مضاعفة الرواتب بحسب الفئات الوظيفية، غير أن المغالطات التي تشوبه انعكست مضاعفة رواتب ذوي الفئات العليا في مقابل انخفاض قيمة رواتب ذوي الفئات الدنيا. الأمر الذي دفع برابطة موظفي الإدارة العامة إلى رفض المقترح جملة وتفصيلاً.

أما السيناريو الآخر الذي تبحثه الحكومة، فهو ما قد سبق أن طرحته في وقت سابق. ويقضي بزيادة الحوافز المالية بدءاً من مليون و600 ألف ليرة للفئة الخامسة، وصعوداً حتى مليونين و800 ألف ليرة للفئة الأولى. وتعلّق نصر على هذا المقترح بالتحفّظ التام، باعتباره كان مقبولاً لو أنه طُرح في وقت سابق لفورة التضخم الحاصلة ودولرة الضرائب والرسوم وعموم الخدمات. وتسأل نصر عن مصير المنح التعليمية والطبابة وبدلات النقل وغير ذلك من المتوجبات، التي لا تزال من دون تعديل ومن شأنها نسف أي حوافز مالية مقترحة.

وتقول نصر: لو أن الحوافز المالية ترافقت مع تقديمات أخرى، أو لو تم دمجها بأساس الراتب لتُضفي بعض الاستقرار الوظيفي، لكان من الممكن مناقشتها. لافتة إلى عقبة أساسية أيضاً تشوب مقترح الحوافز المالية وتدفع بالقطاع العام إلى رفضه، هو البند الذي يربط تقديم الحوافز المالية بعدم تغيّب الموظف بأي سبب، باستثناء حالات محددة بينها الوضع الصحي. وتكمن المشكلة بأن تغيّب الموظف ليوم واحد فقط يدفع إلى شطب كامل حوافزه المالية على مدار شهر كامل.

هذا الشرط ترفضه الرابطة رفضاً قاطعاً. وتؤكد في حال شطبه استعدادها لقبول الحوافز المالية المطروحة وإمهال الحكومة فترة زمنية محددة، في سبيل إعادة بناء سلم رواتب، يأخذ بالاعتبار حجم انهيار العملة والغلاء والرسوم والضرائب والتعويضات التي تُحتسب حتى اللحظة على 1500 ليرة، مع معالجة أوضاع الموظفين الذي تقاعدوا خلال سنوات الأزمة وخسروا تعويضاتهم.

ويبقى المطلب الأساس لكافة الفئات الوظيفية والمتقاعدين العسكريين والمدنيين هو معالجة الخلل بالتقديمات، والاستنسابية بالزيادات لموظفي القطاع العام والادارات، والعطاءات الاستثنائية لموظف دون آخر.

تعليقات: