محنة موظّفي الخليوي ستطول: احتمال توقُّف الخدمات وبطاقات التشريج؟

يصرّ الموظّفون على حقوقهم وعلى رأسها دولرة الرواتب (علي علوش)
يصرّ الموظّفون على حقوقهم وعلى رأسها دولرة الرواتب (علي علوش)


تمرّ الدولة بقطاعاتها ومؤسّساتها وشراكاتها مع القطاع الخاص، بمحنة لا يُعرَفُ موعد الخروج منها. لذلك يحاول المتّصلون بعلاقة مع الدولة، النجاة بما يمكن تحصيله من مكتسبات جديدة أو الحفاظ على مكتسبات موجودة. وهو حال موظّفي شركتيّ الخليوي تاتش وألفا الذين يرتبطون مع الدولة والقطاع الخاص من خلال امتلاك الدولة لقطاع الخليوي وتشغيل إدارته عبر القطاع الخاص. ويحدّد عقد العمل الجماعي مكتسبات موظّفي الشركتين، خصوصاً لجهة قبض الرواتب بالدولار النقدي (الفريش).


الإضرابات المتكرّرة

لم يوقِّع وزير الاتصالات جوني القرم عقد العمل الجماعي بعد. ما يترك موظّفي شركتيّ الخليوي أمام ما يشبه الفراغ التشريعي، بفعل عدم توقيع المستند القانوني الذي يحمي مكتسباتهم. والحماية هنا، هي العودة إلى صيغة العقد الذي كان يوقَّع قبل الأزمة الاقتصادية وانهيار الدولة وسعر صرف عملتها، واضطرارها إلى البحث عن تمويل إضافي كيفما اتَّفَق، لتأمين إيرادات لنفقاتها. فكان أن حاولت وزارة الاتصالات تقليص مكتسبات الموظفين عبر تعديل بعض بنود عقد العمل الجماعي، لكن الموظّفين خاضوا، وما زالوا، معارك لتثبيت حقوقهم وعدم إجراء أي تعديل على العقد من شأنه تقليص مكتسباتهم.

ويطالب الموظّفون وزير الاتصالات بتوقيع عقد العمل كما هو، في حين يحاول القرم توفير أموال لصالح الدولة عن طريق تقليص التقديمات، ومنها عدم إعطاء كامل الرواتب بالدولار، بسبب عدم توفُّر الأموال. علماً أن تاتش وألفا تحسمان بعض الأكلاف من عائدات الخليوي، ومنها رواتب الموظّفين، قبل تحويل فائض تلك العائدات إلى حساب الوزارة كواردات للخزينة من قطاع الخليوي. وبالتالي، فإن إصرار الموظفين على تقاضي رواتبهم كاملة بالدولار النقدي، تراه الوزارة بعين التبذير، طالما يمكنها تقليص التقديمات للموظفين وتوفير الأموال للخزينة. فالرواتب تُدفَع اليوم بين دولار نقدي ودولار يُدفَع بالليرة وفق سعر 15000 ليرة.

وعلى ضوء رفض الموظّفين الوعود المتكررة للوزير بإيجاد حلّ للأزمة، ورفض المماطلة بتوقيع عقد العمل الجماعي، فإن نقابة موظّفي شركتيّ الخليوي دخلت بإضرابات متكررة على مدى 7 أشهر، وفي كلّ مرّة تتوعَّد بالتصعيد وصولاً إلى عدم إجراء أعمال الصيانة في المحطات التي تخرج من الخدمة أثناء الإضرابات، وأيضاً عدم بيع بطاقات شحن الهاتف المسبقة الدفع.. وغير ذلك. فتتأثَّر خدمة الاتصالات والانترنت لفترة، ثم يعود الجميع إلى مراكزه وقراراته بتسوية.

وآخر التحرّكات أعلنتها نقابة موظّفي الخليوي، يوم الاثنين 5 شباط، قرّرت فيها "التوقّف التام عن العمل بدءاً من ظهر اليوم الإثنين حتى تصحيح رواتب الموظفين واستيفائها كاملة بالدولار الفريش، إلى جانب توقيع عقد العمل الجماعي".


الآتي أعظم

حتى اللحظة، الموظّفون ملتزمون بالإضراب، والوزارة لم توقِّع عقد العمل. والرابط بين الطرفين هو "الاجتماعات والاتصالات التي ما زالت قائمة بين جميع المعنيين للوصول إلى تحقيق مطلبين، هما القيمة الفعلية للرواتب وإمضاء عقد العمل الجماعي"، وفق ما يقوله لـ"المدن" رئيس نقابة موظفي الخليوي نبيل يوسف، الذي يلفت النظر إلى أن تحقيق المطالب "يجنّب أي تأثير سلبي على القطاع والمواطنين". ويؤكّد أن "ما من أحد يريد حصول تأثير سلبي، واليد ممدودة كما العادة للوصول إلى نتيجة إيجابية".

التأثير السلبي للإضراب يرتبط، حسب يوسف، بالمهلة الزمنية. فكلّما امتنعت الوزارة عن التوقيع سريعاً، زاد خطر التأثير السلبي الذي قد يبدأ من انقطاع التخابر والانترنت عن الأجهزة الخليوية. ويتمنّى يوسف أن "لا يمتدّ الإضراب ويتصاعد".

الانعكاسات الأولى للإضراب تمثّلت، حسب ما تقوله مصادر في قطاع الخليوي، بـ"تراجع خدمات الاتصالات والانترنت في الكثير من المناطق، سيّما في الجنوب والشمال وبيروت". وتضيف المصادر في حديث لـ"المدن" أن استمرار الوزير بعدم توقيع العقد يعني استمرار توقُّف الموظّفين عن العمل، وبالتالي "من المتوقَّع في اليومين المقبلين نفاد كميات بطاقات التشريج مسبقة الدفع، من السوق، وقد يتحوّل بيعها إلى السوق السوداء وترتفع أسعارها".


الهروب إلى مجلس الوزراء

تأسف المصادر للوصول إلى هذا الحدّ من ردود الفعل، إذ "لم يعد أمامنا ما نفعله إلاّ الإضراب. فنحن ارتضينا بعدم تطبيق بعض بنود العقد كما هي، ومنها تخفيض مستوى الاستشفاء وعدم استطاعتنا التوجّه نحو مستشفيات معيّنة، واستثناء بعض العمليات الاستشفائية من التغطية، رغم أن العقد يعطينا أفضل مستويات التغطية الصحية ولا يحدد المستشفيات التي يمكن التوجّه إليها ويغطّي كافة العمليات الاستشفائية، لكن ارتضينا التنازل لأننا نعرف وضع البلد. وكذلك ارتضينا عدم أخذ الزودات على الرواتب منذ العام 2021 وكذلك العلاوات".

التنازل الذي يقدّمه الموظّفون مقارنة بما ينصّ عليه عقد العمل الجماعي، وصل إلى حد القبول بدولرة الرواتب كمطلب أساسي. إذ "من غير المنطقي أن تحتسب موازنة العام 2024 الضريبة على المداخيل بسعر صرف الدولار في السوق، أي ما يعني دولرة الضريبة، في حين أن جزءاً كبيراً من رواتبنا بالليرة على سعر 15 ألف ليرة، ويخضع الجزء الآخر منها للضريبة بالدولار. فإذا كانت الضريبة بالدولار، فليكن الراتب بكامله بالدولار".

وتستغرب المصادر كيف أن الوزير يريد عرض عقد العمل على مجلس الوزراء لاتخاذ قرار حول توقيع أو عدم توقيعه "في حين أن لا علاقة للمجلس بهذا الأمر. ووزراء الاتصالات المتعاقبين قبله وقّعوا العقد بكل سهولة. علماً أن وزير الاتصالات السابق محد شقير وقّع العقد في ظل بدء الأزمة الاقتصادية وانهيار سعر صرف الليرة".

وهذا التوجّه نحو مجلس الوزراء ليس من قبيل الصدفة، بنظر المصادر، التي تعتبر أن "عرض العقد على مجلس الوزراء هو محاولة أخرى للمماطلة في التوقيع ولرمي المسؤولية على المجلس. علماً أن العقد يتجدّد تلقائياً من دون الحاجة إلى توقيع الوزير نفسه، لكننا نصرّ على توقيعه ليكتسب قوة إضافية، ولكي لا نصطدم مع الوزير في أي شيء. فنحن نواصل إعلان شكرنا وتقديرنا للوزير ونتمنى منه التوقيع، وفي المقابل يتناولنا هو بكلام غير لائق على شاشات التلفزة، ويرسل تهديدات غير مباشرة للنقابة بطرد بعض الموظّفين، لكن لا أحد منّا يخاف، بل هناك التزام كبير بالإضراب".


رفض المقارنة بالعسكر

عوض التهديد والمماطلة، تتمنى المصادر على الوزير الإسراع في توقيع العقد لكي تهدأ الأمور، وكذلك "عدم المبالغة في عرض تكاليف عقد العمل، إذ يقول الوزير أن العقد يكلّف 10 مليون دولار سنوياً، وهو رقم مضخَّم جداً. وفي الخلاصة، على الوزير توقيع عقد العمل والتوقّف عن التصرّف باستنسابية لجهة ترفيع بعض الموظفين ورفع رواتبهم. علماً أن مَن أفادهم الوزير يقفون معنا بالإضراب، لأن رواتبهم وإن تحسَّنَت، فهي غير مستدامة لأن الأمور قد تنقلب في أي لحظة".

ومن الأمور التي يرفضها الموظّفون، هي مقارنة أوضاعهم بأوضاع موظّفي الدولة، سيّما القطاع العسكري. وهنا تقول المصادر أن "المقارنة لا تجوز لأن قطاع الخليوي يدرّ أموالاً بالدولار للدولة. وموظفو القطاع العام يستفيدون من الطبابة ورواتب بعد انتهاء خدمتهم، فيما نحن لا نستفيد سوى من تعويض الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي".

ما تحمله النقابة من مظلومية للموظّفين، هو أمر مثبَت طالما أن هناك عقد عمل جماعي بين أطراف ارتضت الدخول بنوع من الشراكة تحت مظلة بنود واضحة وصريحة. لكن إلى أي مدى يمكن للنقابة الاستمرار بالضغط في هذا الملف قبل أن يصل تأثيره إلى الخدمات التي يتلقّاها المواطنون الذين لا ناقة لهم بعقد العمل ولا جمل؟.

تعليقات: