من غير الواضح حتى اليوم، متى تنتهي الحرب، لكنّ المؤكد أنّ حياة سكّان بلدة الوزّاني الحدوديّة بدّلتها الحرب، وربّما بدّلت أو ستبدّل خياراتهم في نهج حياتهم وأعمالهم، إذ شلّت القطاعات الحيويّة التي يعتمدها الأهالي في معيشتهم: الزراعة وتربية الماشية. وسجّلت خسائر بآلاف الدولارات فيها، وبالرغم من كلّ هذه المعاناة، بقيت الدولة بمسؤوليها ووزاراتها وعيونها خارج التغطية.
لم يترك سكّان الوزّاني بلدتهم، برغم كلّ ما يتعرّضون له من تمشيط يوميّ بالرشاشات الثقيلة يطال منازلهم ويلحق الضرر بممتلكاتهم وأرزاقهم والمرافق الخدماتيّة، من طاقة شمسيّة وخزّانات المياه، ناهيك عن ملاحقة رعاة الماشية في الحقول وقصفهم، إذ يهدف العدو دفع أهالي البلدة نحو النزوح، غير أن كلّ محاولاتهم باءت بالفشل، ولسان حال الناس فيها يردد: “لن نترك أرضنا مهما حصل، ولن نعطي العدو فرصة لتهجيرنا وتمرير مخطّطه الجهنّمي في إقامة منطقة عازلة لأمن مستوطنيه”.
لم يترك سكّان الوزّاني بلدتهم، برغم كلّ ما يتعرّضون له من تمشيط يوميّ بالرشاشات الثقيلة يطال منازلهم ويلحق الضرر بممتلكاتهم وأرزاقهم والمرافق الخدماتيّة، من طاقة شمسيّة وخزّانات المياه.
صمت يقطعه القصف والرشاشات
في الطريق نحو الوزّاني التي تبدأ من تلّ الحمامص جنوبي الخيام، وتتعرّض يوميًّا للقصف المباشر، تتوجّه بعمق نحو ثلاثة كيلومترات بمحاذاة الحدود مع فلسطين المحتلة، على طريق باتت خطرة نتيجة تمشيط العدو لها، بالكاد تجد سيارة تعبر. وطرق الإمداد الغذائيّة التي كانت تصل إلى البلدة عبر الموزّعين توقّفت بسبب الخطر، ما أدّى إلى نقص كبير فيها، غير أنّ سكّانها استعاضوا عنها بالمؤن البيتيّة والزراعيّة تارة، وبالنزول نحو محيط الخيام مرّة كلّ يومين أو ثلاثة لشراء الحاجيات.
تصل إلى البلدة، كلّ سكّانها فيها، لم ينزح أحد، فكلفة النزوح “باهظة” كما يعبّرون، أضف إلى أنّ المواشي التي يربونها دفعتهم إلى البقاء قربها، فهي مصدر أساس لحياة أكثر من ستّين في المئة من الأهالي إلى جانب الزراعة.
بحذر يعيش هؤلاء، إذ يواجهون عدوًّا “مجرمًا”، يلاحقهم بشكل يومي. سقط شهيدان من أبناء البلدة الرعاة وجرحى آخرون مع بداية الحرب، ومع ذلك لم يترك أحد منزله، يقول مختار الوزّاني أبو علي الأحمد لـ”مناطق نت”: “إنّ الاعتداءات والاستفزازات بحقّنا لا تتوقّف، يلاحقون رعاة الماشية في المراعي، قرب المنازل، قبل أسابيع استهدفوا رئيس البلديّة الأسبق وأصيب في أثناء رعيه الماشية، كذلك أصيب عسكري في البلدة وقصفوا مزرعة للماشية، ما أدّى إلى إصابة ونفوق عشرات الرؤوس”.
وفقًا للمختار أبو علي “يحاول العدو تهجيرنا، يستفزّه بقاؤنا في أرضنا بثبات، يحاول القضاء على الماشية التي نعتاش منها، القطاع سجّل خسائر كبيرة، سواء بنفوقها أو توقّف الإنتاج أو غياب المراعي، لا يمكن إحصاء حجم الخسائر، فقدان المراعي وحدها كارثة، نضطر لشراء طنّ العلف بـ 500 دولار، قد يحتاج الراعي إلى طنّ في كلّ شهر أو طنّين اثنين، وهذا ينعكس على إنتاج الحليب، فالعلف لا يدرّ الحليب كما المراعي الطبيعيّة”.
مشاريع بمبادرات فرديّة
تغيب مؤسّسات الدولة ومشاريعها عن بلدة الوزّاني منذ ما بعد التحرير، والمشروع الوحيد الذي نُفذ تبعًا للأحمد هو “مشروع محطّة الوزّاني في العام 2002، وبعدها غابت الدولة ولم تعد قريتنا تشهد أيّ نهضة إنمائيّة وحتّى سياحيّة بالرغْم من وجودها في منطقة هي الأجمل على حفاف نهر الوزّاني، أحد أهمّ روافد المياه اللبنانيّة”.
ثمّة منتجعات سياحيّة أقيمت على ضفتي مجرى النهر وكانت بمساع فرديّة، يقول المختار أبو علي: “كنّا نتوقع أن تساعدنا دولتنا في تنفيذ مشاريع ضخمة هنا، نظرًا لأهمّيّة المنطقة، ولكن حتّى مع قصف محطّة الوزّاني المائيّة التي تغذّي 70 بلدة وقرية في قرى الوزّاني ومرجعيون وصولاً إلى بنت جبيل، لم يأتِ أحدٌ لمعاينة الأضرار فيها وإعادة تشغيلها لضخّ المياه”.
لم تغيّر الحرب من قناعات صمود أهالي بلدة الوزّاني المواجهة لقرية الغجر المحتلّة في قسميها اللبنانيّ المتنازع عليه والسوريّ. بقي سكّان البلدة الذين يقارب عددهم 600 نسمة داخل البلدة، فالنزوح بالنسبة إليهم ليس واردًا في حساباتهم، مع كلّ القصف اليوميّ الذي يتعرّضون له”.
يتكئ المختار الأحمد على عصاه ويسرح بقطيع ماشيته قرب منزله في وسط الوزّاني، يحرص على إخراج قطيعه إلى الهواء الطلق كلّما سنحت له الفرصة، فالعدو “لا يسمح لنا بالخروج بقطعان الماشية، وقد تعرّض الرعيان من أبناء الوزّاني لأكثر من اعتداء، كان أخرها الأسبوع الفائت حيث استهدفت مزرعة نفقت فيها خراف وماعز”.
خسائر بآلاف الدولارات
تبلغ ثروة أبناء الوزّاني من الماشية، على أنواعها نحو 5000 رأس غنم وماعز، يضاف إليها حوالي 700 رأس بقر. “مني هذا القطاع بنكسة العمر” يؤكّد رئيس بلدية الوزّاني أحمد المحمد ويضيف: “إنّ خسائر رعاة الماشية كبيرة، تبدأ بحاجتنا الملحّة إلى الأعلاف منذ انطلاق الحرب كبديل عن الرعي الطبيعي الذي كان يكفينا لولا اعتداءات الإسرائيليّين علينا كلما سرحنا في القطعان”.
تجاوزت خسائر مزارعي الوزّاني الـ80 في المئة كما يقول رئيس البلدية أبو زياد الأحمد لـ “مناطق نت”، ويضيف: إنّ الإنتاج معدوم حاليًا، وبيع الحليب للسوق شبه متوقّف بسبب خطورة الطرقات واستمرار الحرب التي انعكست على أسعار الحليب فانخفض سعر الكيلوغرام الحليب بشكل كبير، والتجّار للأسف يستغلّون المزارعين ويفرضون أسعارًا مجحفة. كنا نبيع كلّ 5 كيلوغرامات حليب قبل الحرب بـ 350 ألف ليرة لبنانيّة، اليوم لا يتجاوز سعرها 200 ألف ليرة، وهو سعر أقلّ من الكلفة، ويرتّب خسائر على مربّي الماشية.”
الأرض بالنسبة إلى أبناء الوزّاني هي “الحياة والأمان، ناهيك عن أنّ كلفة النزوح تفوق قدرتنا، لذا نفضّل البقاء قرب المواشي والأرض” يقول المحمد.
ما فتئ العدو يدمّر المحطّة
أغارت مسيّرة إسرائيليّة فجر السادس من شباط/ فبراير الفائت على محطّات الضخّ في مشروع الوزّاني ما أدى إلى تدمير المحطّة وانقطاع المياه نهائيّا عن 70 بلدة وقرية في القطاعين الشرقيّ والغربيّ، تتغذّى بشكل مباشر من محطّة الوزّاني التي تجَّمع بحدود 11 مليون متر مكعب من المياه سنويًّا من نهر الوزّاني، بعدما جرى افتتاحها في العام2002 بحضور رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة آنذاك إميل لحود.
لقد شكّل مشروع استفادة لبنان من حصته في مياه الوزاني مصدر قلق دائم للعدو الإسرائيليّ الذي لوّح مرارًا وتكرارًا بقصفها، في إطار حرب السيطرة على المياه الساعي لها، ولا ينسى رئيس بلدية الوزّاني أبو زياد التهديد الذي أطلقه رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي آرييل شارون آنذاك، في سنة 2002 “بأنّ استمرار لبنان في تحويل مياه نهر الحاصباني سيشكّل سببًا للحرب”، ويضع الأحمد استهداف المحطّة اليوم في سياق الردّ الانتقامي، وتدمير المشاريع المائيّة الحيويّة”.
ووفق أبو زياد فإنّ “المحطة تعّد شريانًا حيويًّا للمنطقة، وهي المشروع المائيّ الأول والأخير الذي ينفّذ على نهر الوزّاني منذ دولة لبنان الكبير، ويأسف رئيس البلدية المحمد أنه “بعد مرور نحو شهر على استهداف المحطّة، لم تتحرّك أجهزة الدولة ومصلحة المياه للكشف على الأضرار في داخل المحطّة المتوقفة نهائيًّا عن الضخ بسبب تلك الغارة اللعينة، وهذا يشكّل كارثة بحدّ ذاته”.
أغارت مسيّرة إسرائيليّة فجر السادس من شباط/ فبراير الفائت على محطّات الضخّ في مشروع الوزّاني ما أدى إلى تدمير المحطّة وانقطاع المياه نهائيّا عن 70 بلدة وقرية في القطاعين الشرقيّ والغربيّ.
لم يأخذ لبنان حصّته الكاملة من مياه الوزّاني، وأعادت الحرب اليوم الصراع إلى الواجهة، ويندرج ضرب المحطّة في هذا السيّاق وهنا يستغرب الأحمد “كيف أنّ الدولة تهمل هذه المنطقة الجميلة، من دون أعذار، وجاءت الحرب لتدمر كلّ شيء. حاليًّا المياه مقطوعة و بالطبع سيترك انقطاعها أثره البالغ على الحياة في البلدة، فالحياة بلا مياه لا تصلح”. ويتساءل: “لا نعرف كيف سنتدبر أمرنا، إن لم ترسل الدولة فرق الصيانة سريعًا لمعاينة الأضرار واصلاحها؟”.
الزراعة مؤجّلة حتّى انتهاء الحرب
ويعقّب الأحمد: “إنّ البلدة تغذّى حاليًّا من مضخّة صغيرة ما زالت تعمل، وهي ليست كافية، ويفترض معالجة المحطّة في أسرع وقت، فعدا عن الشرب نحتاجها في الزراعة وسقاية الماشية، وتبلغ المساحة الزراعيّة فيعندنا ما يدنو على 8 آلاف دونم، تزرع بشتّى أنواع الزراعات التي ترفد السوق المحلّيّة وتحافظ على استقرار الأسعار”. ويشير إلى أنّه منذ بداية الحرب في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 والزراعة شبه متوقّفة، ما انعكس على أسعار الخضار في السوقّ اللبنانيّة التي شهدت ارتفاعات كبيرة”.
يُقرّ الأحمد بنكسة الزراعة، غير أنّه يلفت إلى “أنّ تجّار الزراعة الذين يستثمرون حقول سهل الوزّاني بغالبيتهم من خارج البلدة، وقد توّقفت ورشهم نهائيًّا وخسائرهم لا تقدّر، في حين يشكّل مزارعو الوزّاني نسبة أقل، فأكبر مزارع فيها يزرع ما يقارب 40 دونمًا من الخضار وبساتين الفاكهة المتنوّعة”. ويردف: “إنّ خسارة هذا القطاع كبيرة وتقدّر بمئات الآلاف من الدولارات، والمزارعون لم يخسروا الموسم الشتويّ فحسب، بل أيضًا الصيفيّ، فالزراعة متوقّفة حاليًا إلى حين انتهاء الحرب”.
مستوصف متوقّف منذ عامين
على الصعيد الصحّي في داخل الوزّاني، يوجد مستوصف متوقّف عن العمل من قبل الحرب بنحو سنتين، وهذا ما يثير القلق لدى سكّان الوزّاني، إذ إنّ أقرب مستشفى يبعد 3 كيلومترات عن البلدة، وهو مستشفى مرجعيون، والانتقال إليه يعرّض حياة الأهالي للخطر.
ويضرب الأحمد مثلًا على ذلك إصابة عسكريّ في الجيش اللبنانيّ برصاص العدوّ، “بقي ينزف حتّى الصباح إلى أن تمكّنت فرق الإسعاف من الوصول إليه ونقله إلى المستشفى، وهذا يعني أنّ المصاب يموت قبل أن يصل إلى المستشفى؛ لو كان عندنا مستوصف على الأقلّ، مجهز بلوازم الطوارئ لما كان الخوف سيساور الناس هنا، ولكن المستوصف متوقّف منذ عامين تقريبًا، وهذا يضعنا أمام كارثة صحّيّة”.
بالطبع تغيب مراكز الإسعاف والدفاع المدني عن “بيئة” الوزّاني، “ووزارة الصحة نأت بنفسها عمّا يحصل، ولم تفكّر حتّى في دعم المستوصف، برغم أهمّيّته القصوى في الحرب، لكن نقول: الحمدلله الكهرباء متوافرة وهي تسمح لنا بضخّ المياه نحو البلدة”.
إمدادات الحياة
تتوقّف إمدادات الحياة في البلدة، التي تقع عند خطوط النار، بالكاد تصل بعض الإمدادات الغذائيّة إليها، فغالبيّة الباعة يؤثرون عدم المجيء إليها بسبب خطورة الطريق، فيعمد أهلها إلى النزول كلّ يومين أو أكثر إلى أقرب بلدة للحصول على بعض المؤن الضروريّة.
مع بداية الحرب توقفت مدارس الوزّاني، واتّبعت نظام التعليم عن بعد، وهو نظام يراه الأحمد “غير مجدٍ ويؤثر على المستوى التعليميّ، بسبب سوء الإنترنت من ناحية والوضع النفسيّ للتلامذة من ناحية ثانية، ونقول: لا يتّفق التعليم مع صوت الطائرات، فالوضع النفسي للتلامذة بات في الحضيض”.
* المصدر: manateq.net
رئيس بلدية الوزاني السابق إثر تعرّضه للإعتداء أثناء رعيه الماشية
القصف على الوزاني
رئيس بلدية الوزاني أبو زياد الأحمد
نجية المحمد من أهالي منطقة الوزاني
تعليقات: