ملفّ العسكريين الفارّين وتسريحهم: تطويع الجدد يفيد الدولة مالياً

أزمة التسريح تتركّز في عديد قوى الأمن الداخلي (Getty)
أزمة التسريح تتركّز في عديد قوى الأمن الداخلي (Getty)


وصلت قضية العسكريين الفارّين والذين يطلبون تسريحهم من الخدمة، إلى ذروتها. خصوصاً في ظل انكشاف فضائح تسريح عسكريين محظيين في قوى الأمن الداخلي، على حساب زملاء السلاح غير المحظيين، ممَّن لا يملكون سوى الرهان على الوقت لقضاء 5 سنوات خارج السلك العسكري ليُحالوا حكماً إلى خيار عدم قبول عودتهم وإن أرادوا ذلك.

لم يحسم المدير العام لقوى الأمن الداخلي، اللواء عماد عثمان، قرار تسريح العسكريين الفارّين بفعل انهيار القدرة الشرائية لرواتبهم. بل جرى البحث عن صيغة تساعد في تسريحهم بصورة غير مباشرة، فكان طلبه تطويع 800 عنصر في قوى الأمن الداخلي. وعليه، جُمِّدَت القضية إلى حين بدء التطويع الذي سيقابله تسريح الفارّين. وتُعتَبَر هذه المعادلة مقبولة بالنسبة للعسكريين "سيّما وأن التسريح ينطوي على إفادة اقتصادية للدولة"، وفق ما تقوله مصادر عسكرية متابعة للملف.


في انتظار الوقت

رفضَ عثمان تسهيل أمور العسكريين الذين ما عادوا يطيقون البقاء في سلك قوى الأمن الداخلي، ويريدون تأسيس أعمالٍ تؤمّن معيشتهم. وبعضهم سافرَ إلى أوروبا وأسَّسَ عملاً هناك. والتركيز على عناصر قوى الأمن الداخلي في هذه الأزمة، يعود إلى تسهيل باقي الأسلاك العسكرية عملية التسريح، كالجيش والأمن العام على سبيل المثال. لكن وصول القضية إلى حائط مسدود لم يعد بالإمكان تخطيه والاستمرار بتجاهل التسريح، فجاء الحل بطلب وزارة الداخلية تطويع 800 عنصر في قوى الأمن الداخلي.

وبهذا الطلب، تشير المصادر إلى أن "باب التسريح سيُفتَح قريباً". إذ أن العناصر التي ستلتحق بالخدمة ستخلف مَن يطلبون التسريح. وتلفت المصادر النظر في حديث لـ"المدن"، إلى أن التسريح "كان مفروغاً منه، ولا يمكن رفضه، لكنه كان مسألة وقت يدخل فيها العناد. وكان العسكريون يعلمون بواسطة ما يُحكى في أروقة مديرية قوى الأمن الداخلي، أن التسريح سيبقى عالقاً لحين طلب تطويع بين 600 إلى 800 عسكري. ولهذا كان يطلب بعض الضبّاط الصبر من ذوي العسكريين الفارّين".


حلّ اقتصادي

لم تصل مديرية قوى الأمن الداخلي بعد إلى مرحلة اتخاذ إجراءات التسريح بشكل عمليّ، لكن ترجّح المصادر أن لا تكون عملية التطويع والتسريح سهلة وسريعة، لأن "عملية التطويع قد تعرقلها قلّة الأعداد المتقدّمة للالتحاق بالخدمة، فضلاً عن إيجاد التوازن الطائفي بين المتطوّعين خصوصاً لدى العناصر المسيحية التي غالباً ما تكون أعدادها قليلة مقارنة بأعداد العناصر المسلمة".

هذه المشكلة قد تحلّها الدولة "بمزيد من الوعود في تحسين أوضاع العسكريين. وبالتأكيد هناك الكثير من الشبّان العاطلين عن العمل والذين توفّر لهم الخدمة العسكرية ملاذاً آمناً، وإن في المستقبل وليس في الوقت الراهن". وتضيف المصادر أن الدولة "لن تخسر شيئاً في عملية التطويع وتسريح الفارّين، لأنها ستكون عبارة عن مقايضة بشكل أو بآخر، تستفيد الدولة في بعض جوانبها". وتشرح المصادر أن "رواتب العناصر الجديدة ستكون أقل من رواتب العناصر المسرَّحة، بفعل أقدمية الخدمة لصالح العناصر المسرَّحة، ناهيك بالتعويضات التي سيتنازل عنها المسرَّحون، وبالتالي توفّر الدولة رواتب عناصرها الجديدة وتحتفظ بالتعويضات غير المدفوعة والمعاشات التقاعدية وبونات البنزين".

يقول العُرف -حسب المصادر- أنه "إذا هرب العسكريّ لشهر أو شهرين، يُحال تلقائياً إلى المجلس التأديبي الذي يصدر قراراً بطرده. لكن العسكريين الفارّين من قوى الأمن الداخلي بسبب الأوضاع الاقتصادية، لم يصدر بحقّهم أي قرار من المجلس التأديبي أو المحكمة العسكرية، لأن ملفّاتهم لم تُحَل إلى المجلس أو المحكمة، وذلك لتفادي بدء احتساب مدّة الشهرين من تاريخ إحالة الملف. وبذلك يكون هؤلاء بحكم المستمرّين بالخدمة، وإن لم يزاولوها". لكن بعد موافقة مجلس الوزراء على تطويع 800 عنصر في قوى الأمن الداخلي، يصبح ملفّ الفارّين بحكم المنتهي، ليبدأ معه ملفّ متطوّعين سيطالبون بتحسين رواتبهم وأحوالهم المعيشية وعلى الدولة "التفكير منذ الآن بحلول لهذه المعضلة، حتى لا تصطدم بعمليات فرار إضافية في المستقبل. فالمتطوّعون الجدد قد يتركون الخدمة عند أي فرصة تؤمّن لهم شروط عيشٍ أفضل في لبنان أو الخارج".

لا فرق في النظرة إلى الوظيفة العامة، سواء كانت مدنية أو عسكرية. فهي في أحسن أحوالها ملاذٌ آمن واستقرار مضمون، يبحث عنه الشبّان إلى حين إيجاد الأفضل. وفي الظروف الراهنة للبلاد، تراجع اهتمام الشبّان بالالتحاق بالسلك العسكريّ، إلاّ مَن لا سبيل آخر أمامه.

تعليقات: