فكرة إنتاج نظام سياسي جديد سقطت (علي علوش)
هناك دائماً حاجة للتفكير خارج الصندوق. منذ أشهر، ولبنان يقبع في استعصاء سياسي طرأت عليه تطورات الوضع في الجنوب. تجمّدت كل المسارات بانتظار الوصول إلى صيغة حلّ، لكن كما يبدو مطروحاً، لا يزال داخل صندوق الاستعصاء، انطلاقاً من انقسام القوى السياسية والكتل النيابية. وهذا الانقسام لا يمكن أن يؤدي إلى انتاج حلّ أو تسوية إلا بتغيير طرف سياسي وازن موقفه والانتقال إلى ضفة مختلفة. وهو ما لا يبدو متوفراً حتى الآن، في ظل الخلاف بين التيار الوطني الحرّ وحزب الله، من جهة. وفي ظل موقف القوى المسيحية الأخرى الرافض لتقديم أي تنازل قد يستفيد منه الحزب سياسياً.
الحاجة إلى رئيس
أمام هذا الواقع، يبدو كل الكلام مؤجلاً، إلى ما بعد إعادة الاستقرار إلى الجنوب. فيما كل الموفدين الدوليين، وآخرهم المبعوث الأميركي آموس هوشكتاين، يؤكدون ضرورة انتخاب الرئيس لمواكبة كل الاستحقاقات المقبلة. طبعاً، أي تفاوض بشأن وقف المواجهات في الجنوب، أو نشر الجيش لا يحتاجان إلى رئيس للجمهورية. ولكن استكمال تطبيق القرار 1701 وإعادة تثبيت الحدود، بحاجة إلى رئيس كي يكون مواكباً ومشرفاً على هذا الأمر. خصوصاً أن القرار 1701 يشمل معالجة وضع كل النقاط الحدودية العالقة ومزارع شبعا. هنا يبرز مقترح أميركي حول تبادل "الأراضي". وهذا اقتراح تم تقديمه مسبقاً خلال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، كتنازل لبنان عن نقطة b1 مقابل حصوله على مساحة في مناطق أخرى. وهذا الأمر سيطرح أيضاً في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. لبنان يرفض مبدأ تبادل الأراضي، ولكنه يسعى لأن يكون لديه سلطة أصيلة، أي معاد تشكيلها، بدءاً من انتخاب الرئيس إلى تشكيل الحكومة لمواكبة أي مسار لمعالجة الوضع الحدودي.
انتخابات مبكرة؟
لم تكن تساؤلات هوكشتاين عن الاستحقاق الرئاسي، ونصائحه لقوى المعارضة بالذهاب إلى الحوار، مسألة عبثية. وهي ليست المرة الأولى التي يتطرق بها هوكشتاين إلى ملف رئاسة الجمهورية. فعلى الرغم من كلامه الديبلوماسي حول تأييد عمل اللجنة الخماسية، إلا أنه في الواقع أصبح الربط قائماً بين الجنوب والرئاسة، خصوصاً أن هناك رأياً داخلياً وخارجياً، يشير إلى ضرورة عدم حشر حزب الله أو الضغط عليه أو تحديه رئاسياً، مقابل أن لا يتم انتخاب الشخص الذي يرشحه، بل البحث عن نقاط مشتركة تتوفر في شخصية يطمئن لها الحزب وتوافق عليها القوى الأخرى. وهذا لا يزال متعثراً حتى الآن.
لذلك هناك من يعود إلى طرح فكرة الانتخابات النيابية المبكرة، بعد الوصول إلى تهدئة في الجنوب، لإعادة انتاج سلطة تتغير بموجبها الأكثرية على وقع التغير في التحالفات. خصوصاً أن كل الكلام يشير إلى أن المفاوضات الجدية لوقف المواجهات، ومعالجة الوضع الحدودي، ستبدأ في شهر رمضان. من هنا، يتجدد طرح فكرة الانتخابات النيابية المبكرة، لتجاوز الاستعصاء القائم الذي يمنع إنجاز الاستحقاق الرئاسي وإعادة تشكيل السلطة. فأي حل نهائي أو شامل سيكون بحاجة إلى وجود رئيس وحكومة.
تغيير التحالفات؟
الهدف من إثارة مسألة الانتخابات المبكرة، هو تشكيل عنصر ضغط على القوى المسيحية، لأن التغيير الأساسي في نتائج الانتخابات لا بد أن يحصل عند القوى المسيحية، في ظل الخلاف بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ. فعندما سئل رئيس الجمهورية ميشال عون عن احتمال عدم التحالف انتخابياً مع الحزب أجاب: "مش رح ننتحر". فأي تغيير في التحالفات سيؤدي إلى تغيير في النتائج، وسط تساؤلات كبيرة تطرح حول ما ستفرزه هذه الانتخابات. فبحال تقلصت كتلة التيار الوطني الحرّ، من هي القوى التي ستستفيد؟ هل قوى 14 آذار سابقاً والقوات اللبنانية، أم أن حزب الله سيعزز حصته المسيحية بنواب من 8 آذار؟
هناك من يخلص إلى وجهة نظر تفيد بأن إنجاز الاستحقاق الرئاسي قد يكون بحاجة إلى إعطاء الأكثرية للقوى السياسية التي تمثل اتفاق الطائف، بناء على تقاطعات في ما بينها، لا سيما أن فكرة "إنتاج" نظام سياسي جديد قد سقطت، بالمعنى الواقعي والموضوعي حالياً. وهي تبقى فكرة مؤجلة.
تعليقات: