البلد اليوم يحتاج إلى إعادة الهيبة لقوانينه وأنظمته (خليل حسن)
في تقريرٍ لها نُشر قبل أشهر، عنوانه: "حواجز "طيارة" في الشوارع: العنف ضدّ اللاجئين سينفلت"، استشرفت "المدن" العودة القسريّة لحقبةٍ أمنيّة مضمخة بالأحكام العرفيّة الميدانيّة، في سبيل تحقيق مآرب المنظومة السّياسيّة اللّبنانيّة، التّي نصبت معضلة اللجوء السّوريّ كشماعة للخروج عن القواعد الدستوريّة والقانونيّة، وبالتالي الهروب من المأزق الشعبيّ الذي أقحمت نفسها فيه. في آخر فصول انحلال الدولة، وفساد أطوارها الديمقراطيّة والحقوقيّة.
اليوم، تحوّلت هذه الحواجز "الطيارة"، وبصورةٍ ملتبسة، إلى حواجزٍ مُقوننة يديرها فوج حرس بيروت من دون أي سند قانونيّ، وفقط تحت ذريعة الأزمة الاقتصاديّة والمؤسساتيّة. وفيما تُهدر بسببها أرواح الأفراد وتُسفك دماؤهم، تتهافت التبريرات الرسميّة لإقامة هذه الحواجز التّي وُضعت كحلٍّ انفعاليّ وغير عمليّ، لحلّ ظاهرة "التفلت الأمنيّ والاكتظاظ غير الشرعيّ" في العاصمة بيروت.
من هو "فوج حرس بيروت" وما هي صلاحياته؟
حاليًّا، وبعدما باتت أعداد ضحايا هذه الحواجز من القتلى في تراكمٍ مُطرّد، أكان من الشرطيين أنفسهم كالرقيب أول حسن العاصميّ الذي قتل على يدّ أحد المارين بحاجز في محلة الجميزة، مطلع العام الجاري (راجع "المدن"). ومن المارين كمقتل الشاب السّوريّ محمد زايد عبد الحميد الحريري (22 سنة)، وتعرض الشاب ربيع عدنان (17 سنة) لإصابة بليغة في الجمجمة، بعد أن قام الشرطي علي مشيك، بركل دراجتهما الناريّة أثناء سيرهما. بات التساؤل عن صلاحيات فوج حرس بيروت وحقّه القانونيّ في إقامة الحواجز الأمنيّة في الشوارع العموميّة في العاصمة، مشروعًا ومُلّحًا.
فما هي صلاحيّات حرس بيروت، "الجهاز الأمنيّ" العتيد، المفتقر للتجهيزات الأمنيّة واللوجيستيّة والمُتهم بـ"القتل على الهويّة"؟ ونظرًا لكون لفوج ليس ضابطةً عدليّة بل جهاز تابع لبلديّة بيروت، وبالتّالي لا يحقّ له تسطير المحاضر، ولا إقامة الحواجز الأمنيّة، بل هو حقّ محصور بقوى الأمن الداخليّ ذلك سندًا للقانون رقم 17 - قانون تنظيم قوى الأمن الداخليّ، في المادة 220 منه، فما هو المسوّغ القانونيّ الذي طُرح لإقامة هذه الحواجز؟ ومن يضع حدّ للانتهاكات الأمنيّة والعنف السّلطويّ المقرون بالحلول العقيمة والترقيعيّة؟
في حديثه إلى "المدن" يُشير المحامي والخبير القانونيّ، جاد طعمه، أن هناك أموراً عدّة يجب أن تُأخذ بالحسبان عند التعليق على الحادثة التّي وقعت عند حاجز فوج حرس بيروت في محلة الأونيسكو، قائلًا: "إن عمليات السّرقة والسّلب في ازدياد مستمر (وتحديدًا بما يتعلق بالدراجات الناريّة) وهذه الظاهرة لا بد من تضافر الجهود لإيجاد الحلّ لها بين الأجهزة الأمنيّة وبلديّة بيروت، لكن لا يُمكن معرفة جنسيّة راكب الدراجة قبل استجلاب هويته، وبالتّالي كان من الممكن أن تكون الضحيّة من التّابعيّة اللّبنانيّة. وفي النهاية، فإن هناك إنساناً قُتل نتيجة مخالفة مروريّة كونه لم يُضبط في حالة جرم مشهود، وشرطيّ آخر قُتل نتيجة هذه الحواجز مطلع العام". مستطردًا بالقول: "إن نظام فوج حرس بيروت لا يبيح لهذا الجهاز التابع للبلديّة إقامة الحواجز، بل إن مهمته محصورة بحماية المؤسسات والممتلكات العامة ومنع السّرقات وإبلاغ قوى الأمن الداخليّ عن أي جريمة يعلمون بها أو تحصل أمامهم".
الحواجز غير الشرعيّة
فمن أعطى الجهاز الضوء الأخضر لإقامة نقاط تفتيش وحواجز أمنيّة؟ يشرح مصدر في بلديّة بيروت (بعد تعذر التواصل مع محافظ بيروت القاضي مروان عبود)، أن التحرّك بدأ تفاعلًا مع الكتابيين الصادرين عن وزير الداخليّة في حكومة تصريف الأعمال، الموجهين لكل من قوى الأمن الداخليّ بموضوع الدراجات الناريّة، والثاني لمحافظ بيروت بموضوع التسوّل. وهنا كانت نقطة التحول، إذ سمح المحافظ للفوج بإقامة نقاط تفتيش لخدمة هذه الغاية، وتكثيف الدوريات الأمنيّة بالتنسيق مع قيادة شرطة بيروت، ومؤازة قوى الأمن لإزالة ظاهرة التسوّل، ويقول المصدر: "منذ حينها قام الفوج بنشر عدّة حواجز في عدّة أجزاء من العاصمة، تهدف للتدقيق بأوراق المارين القانونيّة والثبوتيّة الشخصيّة وللدراجات الناريّة".
ويتابع طعمه، في هذا السّياق وتحديدًا بما يتعلق بتجاوز الصلاحيات، بالقول: "إما أن هناك قانوناً لا بد من احترام نصوصّه وإما أننا نعيش في الفوضى؛ الاختباء بين السّيارات على مسافة من الحاجز للانقضاض على أصحاب الدراجات الناريّة التّي تحاول الهروب من الحواجز وصدمها، لا يخدم الغاية التّي وضعت بحجتها هذه الحواجز، وهذا الأداء ليس مُستحدثاً بل كانت تعتمده عناصر من قوى الأمن الداخليّ سابقًا، لكننا اليوم أمام حالة نتج عنها وفاة وهي جريمة قتل يتوافر فيها القصد الاحتماليّ". ويؤكد: "والفوضى تمتد إلى ما بعد توقيف أصحاب الدراجات المخالفة، فعلى أي أساس يتمّ تحرير محضر ضبط لمصلحة بلديّة بيروت بقيمة 5 ملايين ليرة لبنانيّة، يُضاف إليها مبالغ بدل نقل الدراجة وبدل مرآب؟ وما الحديث عن كون هذه المحاضر أوامر تحصيل لمصلحة البلديّة إلا هرطقات قانونية، وهي ظاهرة تجد مبرراتها في الانهيار الاقتصادي. هذا وناهيك عن الحديث المنتشر عن تقاضي عناصر فوج حرس بيروت مبالغ تتراوح بين 80 و 100 دولار أميركيّ لتحرير الدراجة وترك المخالفين من دون اتخاذ أي إجراء بحقهم".
ختم طعمه، ما حصل في الأونيسكو جريمة لا بد من محاسبة مرتكبها، بعيدًا عن العراضات. البلد اليوم يحتاج إلى إعادة الهيبة لقوانينه وأنظمته. وهذا يبدأ من القيمين على مرفق العدالة مروراً بالأجهزة الأمنية والبلديات ومختلف إدارات الدولة، لأن في كل ما يحصل تعدياً صارخاً على صلاحيات المجلس النيابي والقاعدة القانونية التي تعلن أن "لا ضريبة ولا رسم من دون نصّ تشريعي". معتبرًا أن القضاء هو المولج اليوم لإنهاء حقبة العنف السلطوي هذا.
إضراب فوج حرس بيروت
وبين التّظاهرات الداعمة والتضامنيّة مع البلديّة والحرس، التّي ترفدها حملة سياسيّة من قبل بعض نواب بيروت، كالنائب غسان حاصباني، الذي اعتبر أن "أمن بيروت وحرسها خطّ أحمر"، وكان قد دعا سابقًا إلى تسليح الفوج، من دون الالتفات لكون هذه العناصر غير مُدربة ولا مجهزة لوجستيًّا لاستلام مثل هذه المهام، التّي تعرض حياة المواطنين وحياة أفرادها أنفسهم للخطر.. وبين وموقف وزير الداخليّة، بسام المولوي، الأخير الذي أشار فيه ضمنيًّا لتمسك الوزارة بالفوج، قائلًا: "بيروت التّي تجمع العالم لا تُتهم بالعنصريّة ونحن نرفض هذا الاتهام".
لم تستطع هذه المواقف السّياسيّة والرسميّة من إحباط المساعي القضائيّة لمعرفة حقيقة ما حصل، ومساءلة ومعاقبة المتورطين بمقتل الشاب السّوريّ، فيما لا يزال الشرطي المتسبب بالموت موقوفاً بأمر من قاضي التحقيق الأوّل في بيروت، وبانتظار القرار الظنيّ بحقه. الأمر الذي دفع بفوج حرس بيروت إلى إعلان الإضراب بانتظار إلى ما قد تؤول إليه قضية توقيف علي مشيك، بالرغم من وجود إدعاء من الضحيتين (ضحيتان مقابل دراجة لا تتجاوز قيمتها 500 دولار)، أو ذويهما، فيما تروج معلومات عن تحرك مزمع لحرس بلدية بيروت، في الشارع، في حال لم يُطلق سراح مشيك.
يُذكر أن بعض الصحف والمواقع الإخباريّة اللّبنانيّة قد أفادت عن انحسار جزئي للحواجز ونقاط التفتيش التّي أقامها فوج حرس بيروت. وحسب مصدر في البلديّة، فإن هذا الواقع مرده إضراب العناصر هذه، فضلًا عن الخضّة التّي أثارتها القضيّة، ولا يرتبط مباشرةً بأمر من أي سلطات رسميّة، حتّى اللحظة.
المفوضيّة السّامية لشؤون اللاجئين
ونظرًا لكون الحادث (جريمة القتل) الذي راح ضحيته شاب من التابعيّة السّوريّة، ساءلت "المدن" المفوضيّة السّاميّة لشؤون اللاجئين، عن موقفها إزاء ما حصل، وإن كان ينم عن ظاهرة متكرّرة أو حادثٍ فرديّ (وطبعًا الحادث هو جزء من سلسلة حوادث مقصودة ومنهجيّة لا يمكن إهمالها)، فضلًا عن الخطوات والتوصيات للجانب اللّبنانيّ، في خضم ما يجري حاليًّا.
وعليه، أشارت الناطقة باسم المفوضيّة، ليزا أبو خالد بالقول: "على مدى السّنوات الثلاث عشرة الماضيّة، أظهر لبنان وشعبه سخاء لا مثيل له في استضافتهم للاجئين السّوريين. من المهم اليوم، أن تسود روح التضامن التّي لطالما تمتع بها لبنان وشعبه، على الرغم من المصاعب المتعددة التّي يمرّ بها البلد. ونأمل جميعًا أن تكون الحلول الدائمة والعودة الآمنة ممكنة في المستقبل، ولكن لا ننفي أن التحديات لا تزال قائمة".
وتضيف أبو خالد، "تكرّر المفوضيّة أنها لا تدخر جهدًا في إيجاد حلول طويلة الأجل للاجئين السّوريين، بما في ذلك إعادة توطين اللاجئين في بلدان ثالثة وعودة اللاجئين إلى سوريا. تعمل الأمم المتحدة وشركاؤها مع جميع المعنيين، بما في ذلك الحكومة السّورية والبلدان المضيفة والمجتمع الدولي لمعالجة المخاوف التي يشير إليها اللاجئون كعقبات أمام عودتهم بأعداد كبيرة، وكذلك لزيادة الدعم الذي تشتد الحاجة إليه داخل سوريا. في غضون ذلك، من الضروري الحفاظ على ظروف مناسبة في لبنان حتى لا تزداد نقاط الضعف لدى جميع المجتمعات، وتتم حماية الحماية، والاستجابة للاحتياجات الأساسية للضعفاء اللبنانيين واللاجئين".
تعليقات: