تعويضات حرب الجنوب: خسائر لا تقيسها الدولة ولا الحزب

التعويضات التي قد تدفع لا تغطّي الكلفة الفعلية للخسائر (Getty)
التعويضات التي قد تدفع لا تغطّي الكلفة الفعلية للخسائر (Getty)


تغيّرت كثيراً مجريات ما يحصل على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلّة. انتقلّ مؤشّر الأحداث من ضربات محدودة إلى إطلاق العنان لآلة القتل الإسرائيلية. فكانت الحصيلة فتح عدَّاد تدمير الحجر وتهجير البشر. ووصل الأمر إلى حدّ استعادة مشاهد التدمير الكلّي للكثير من القرى اللبنانية والفلسطينية، وهو ما حصدته راهناً قرية بليدا الحدودية.

وزيادة مستوى الضربات وارتفاع حجم الدمار، نَقَلَ النقاش من ضرورة حصول المتضرّرين على تعويضات إلى حالة التشكيك بدفعها، رغم الوعود الرسمية وغير الرسمية. ولم تُحسَم بعد كلفة الدمار نظراً لاستمرار القصف الذي يُنبىء حجمه بضخامة المبالغ المطلوبة. لكن ما يحسمه المتضرّرون، هو أن التعويضات لن تتناسب مع الكلفة الفعلية للخسائر. فثمّة ما لا تأخذه الدولة وحزب الله في الحسبان، خلال تقييم الأضرار واحتساب كلفتها.


من خسائر الزراعة إلى الانهيار التام

في الأيام الأولى لاشتعال جبهة الجنوب، انحصر القلق على المواسم الزراعية التي خشيَ أصحابها خسارتها بفعل عدم قدرتهم على الوصول إلى الحقول المحاذية للشريط الحدودي، أو بفعل عدم توسيع نطاق تصريف الإنتاج وصولاً إلى تصديره. لكن مع بلوغ الحرب في قطاع غزّة وجنوب لبنان شهرها السادس، يدخل الكثير من الجنوبيين مرحلة الانهيار التام في مختلف القطاعات الإنتاجية ونواحي حياتهم اليومية، وليس فقط القطاع الزراعي.

والثابت حتى الآن، هو تعهّد الدولة بتأمين مبلغ 10 ملايين دولار، تدفعها عبر مجلس الجنوب للمتضرّرين. وسمعة هذا المجلس والحكومة غير مطَمئنة بالنسبة لكل اللبنانيين، وخصوصاً الجنوبيين الذين اختَبروا في حروب سابقة، التلاعب في دفع التعويضات. ونتيجة عدم الثقة، اقترحَ النائب الياس جرادة، قانوناً يرمي إلى "إعفاء المكلفين في محافظتي الجنوب والنبطية من الرسوم والضرائب المالية والبلدية ومن اشتراكات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. ورأى أنّ "ماليّة الدولة لا تُنفق على دعم الجنوبيّين وصمودهم في مواجهة همجيّة العدوان الإسرائيليّ اليوميّ، ولأنّها أعجز من أن تقوم بالتعويض عليهم وتحمّل كلفة خسائرهم، فإنّ أقلّ ما عليها القيام به أن تعفيهم ممّا يترتّب عليهم من أعباء الرسوم والضرائب لصالح الخزينة العامّة".

وعلى عكس جرادة، يبيِّن النائب حسن فضل الله تفاؤله، في أن الدولة لديها الاعتمادات المرصودة لمجلس الجنوب، كما أن الحزب يدفع بشكل مباشر للعائلات المتضرّرة.

لكن ملايين الدولارات الموعودة وما قد تتنازل عنه الدولة من عائدات الضرائب والرسوم لصالح الجنوبيين في حال أقرَّ قانونٌ بذلك، لا تقفِل ملفّ التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لهذه الحرب التي تتكامل مع الأزمة الاقتصادية التي يمرّ بها لبنان، لتضع الجنوبيين أمام الانهيار التام.

ولا يدفع الجنوبيون وحدهم الثمن، فمَن أُجبِرَ تحت وطأة القصف على الخروج من منزله نحو مناطق الداخل، لم يعد بمقدوره البقاء عند أصدقائه أو أقاربه لأسباب كثيرة، منها أن العائلات المستضيفة باتت تشعر بثقل الاستضافة الطويل، وهو ما تنقله الكثير من العائلات الجنوبية عند الحديث عن مصاعب النزوح. وبعض تلك العائلات يسكن حالياً في عدد من المؤسسات السياحية الصيفية، كالمسابح، التي بادرَ أصحابها لتقديم المساحات المتوفّرة للنازحين. لكن المؤسسات تقترب من التحضير لموسم الصيف، ما سيترك العائلات النازحة أمام خيارات صعبة جداً.


الزمن لا يُعوَّض

يُدرك الجنوبيون أن ما يمرّون به كارثيّ بكل المقاييس. وإذا دفعَت جهة ما تعويضات مادية لقاء خسائر في المزروعات والبيوت والمواشي، فمن سيعيد الوقت الذي لا يُعوَّض "والذي يُحتَسَب كخسائر اقتصادية إذا ما أضفنا عامل الوقت على كل سلعة ومؤسسة"، وفق ما يقوله أحد أصحاب المشاتل الزراعية في بلدة عيترون الحدودية، خلال حديث لـ"المدن".

ويوضح أنّ أي تعويض من الدولة أو حزب الله أو أي جهة أخرى، للشتول المتضرّرة في المشتل "لن يسدّ الفجوة التي تتركها مهلة انتظار تربية أفواج جديدة من الشتول، وإعادة تفعيل المشتل وإيجاد سوق لتصريف الإنتاج.. وهذا كلّه أكلاف لا تحتسبها الدولة ولا الحزب. أليس للعمر الضائع قيمة؟". وما لن يُعوَّض حسب صاحب المشتل، هو "هجرة الكثير من الشباب إلى الخارج، ناهيك بطلبات الهجرة المكدّسة لدى السفارات. وهي كلّها أكلاف بزوايا اقتصادية يدفعها البلد وأهالي القرى الحدودية". وما يُحتَسَب مع الوقت والعمر أيضاً، هو "اضطرار أصحاب البيوت المدمّرة للسكن في بيوت جاهزة قد تقدّمها الدول كمساعدة للعائلات، بانتظار تشييد منازل اسمنتية.

الكثير من الاعتبارات لم تعِرها الدولة ومعها حزب الله، أهمية، بل يتعامل الطرفان مع ملف التعويضات بشكل سطحي وكأن الاقتصاد اللبناني واقتصاد الجنوبيين خصوصاً، أصيب بحادث عابر ويسهل تخطّيه. أو أن عاصفة ثلجية ضربت المنطقة، وستتحرّك الجهات المعنية لإحصاء الأضرار ودفع التعويضات لتغطية تضرّر المنازل والسيارات والأشجار المثمرة والمعمِّرة والمواشي وألواح الطاقة الشمسية.. إلى ما هنالك.

تعليقات: