ليس خافياً أن مئات الشبكات المنتشرة في أحياء المدن والقرى، وتزوّد المنازل والشركات ب#الإنترنت غير الشرعي هي بشكل أو بآخر عند فحص "جيناتها المالية" موصولة بالدعم السياسي والحزبي الذي غطى لعشرات السنوات ولما يزل، عملها غير القانوني وأثرى من أرباحها الطائلة، وعائداتها "المعفاة" بحكم قوة وفاعلية حكام الأمر الواقع من جميع الضرائب والرسوم.
أكثر من 600 ألف مشترك يفيدون من خدمات #الإنترنت غير الشرعي في لبنان وفق وزارة الاتصالات يسدّدون فواتيرهم بالدولار الفريش، فيما لا تستفيد الدولة منهم بأيّ عائد، ولا يخضعون لأيّ إجراءات أو ضوابط قانونية متسلحين بحجة غياب الدولة عن تأمين هذه الخدمة الضرورية عن مناطقهم إما كلياً أو جزئياً بما لا يفي بما هو مطلوب.
حاول وزراء اتصالات عدة التوصل إلى حل لهذه المعضلة لكنهم جميعاً كانوا يصطدمون بقوة الأمر الواقع وقوة تحكمه بالقرار السياسي المطلوب لتغطية أي تجرؤ على إقفال "مزراب الذهب" هذا الذي يغذي سياسيين وأحزاباً وموالين وأتباعاً في المناطق اللبنانية كافة. كما صدر عن ديوان المحاسبة تقرير مفصل حول الموضوع، إلا أن ما تطبّقه وزارة الاتصالات حالياً يتناقض مع مضمون هذا التقرير.
يقول وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال جوني القرم إن "تنفيذ قرار ضبط شبكات الإنترنت غير الشرعي سيؤدّي إلى تغذية خزينة الدولة بإيرادات تقارب 60 مليون دولار سنوياً، وذلك عبر تنفيذ المرسوم الذي صدر في شهر حزيران 2022 ضمن مرسوم رفع التعرفة في الفقرتين 16 و17 من القسم الرابع. وهذا المرسوم وُضع خلال ولايتي لقوننة وتنظيم قطاع الإنترنت."
وإن كان وزير الاتصالات يرى أن هذه الإجراءات قد تدرّ على الخزينة نحو 60 مليون دولار، فإن مصادر متابعة تحذر من خطورتها لكونها تصبّ في نهاية الأمر في مصلحة شركات الانترنت الخاصة على حساب المشغل الوطني "ليبان تلكوم" وخزينة الدولة. ففي حال تطبيق المرسوم رقم 9458/2022 وخصوصاً المادتين 16 و17 منه وفقاً لقرار الوزير رقم 544/1 الصادر في شهر أيلول 2023 سوف تتم عملية نقل "ترانسفير" للمشتركين من شبكات الانترنت غير الشرعية الى شبكات إنترنت القطاع الخاص المرخص وعددهم يناهز 700 ألف مشترك، فيما ستتقاضى وزارة الاتصالات مبلغ 550 ألف ليرة عن كل مشترك ستدفع منها 60% أي 330 ألف ليرة كبدل صيانة لموزعي الأحياء، أما شركات الإنترنت الخاصة فستقوم بتحصيل الايرادات الإجمالية لحسابها الخاص". صحيح أن المرسوم المذكور لحظ قيام وزارة الاتصالات و"#أوجيرو" باستثمار هذه الشبكات، إلا أن "قيام الوزارة وأوجيرو بجباية الفواتير وإعادة دفع 30% من قيمتها كبدلات صيانة لموزعي الأحياء دونه عقبات قانونية كبيرة"، وفق ما تؤكد المصادر، لذلك تسعى وزارة الاتصالات الى توقيع عقد مع "أوجيرو" تدفع بموجبه مبلغاً مالياً مقطوعاً للهيئة التي بدورها ستتعاقد مع موزعي الأحياء لدفع أكلاف الصيانة، و"ذلك أيضاً يشكل مخالفة للقوانين بما قد يعرّض الوزارة وأوجيرو للمساءلة من الهيئات الرقابية".
تتابع المصادر أن ما يُطبّق يدق مسماراً كبيراً في نعش "ليبان تلكوم" قبل أن تولد، فقانون الاتصالات رقم 431/2022، يقوم على حماية وتقوية المشغل الوطني "ليبان تلكوم" لجهة الخدمات التي سيقدّمها وحصّته من عدد المشتركين في السوق اللبنانية، فيما نرى وزارة الاتصالات تنقل 700 ألف مشترك في الإنترنت من القطاع غير الشرعي الى القطاع الخاص بجميع إيراداته، دون أن يرفّ جفن لمسؤوليها. وتالياً تعتبر المصادر أن "مقولة تحصيل خزينة الدولة 60 مليون دولار سنوياً هي لذرّ الرماد في العيون، لنه احتُسب مبلغ 550 ألف ليرة شهرياً لـ700 ألف مشترك، بينما في الحقيقة إن المبلغ الباقي وهو 40% من رسم الـ550 ألف ليرة لن يكفي وزارة الاتصالات لكلفة القيام بالأعمال اللوجستية وفقاً للمرسوم المذكور.
هذا المرسوم يتضمّن الكثير من الأخطاء والشوائب. على سبيل المثال، لم يتم تحديد رسم الـbitstream بـ550 ألف ليرة، فالمرسوم يعطي تعريفاً للـBitstream دون تحديد الرسم. ثمة رسوم شهرية واردة في المادة 12 من المرسوم ومتوجبة على شركات الـISPs، ولكن لم يتمّ تحديد رسم للـBitstream. كذلك اللغط الدائر حول نص المادة 16 من المرسوم، ففي حال تطبيق النص كما هو سوف تدفع وزارة الاتصالات مبالغ طائلة لكون النسبة المذكورة في الجدول يجب أن تُطبق على الفواتير، إذ ورد أن النسبة هي "من" رسوم الفواتير "عن" اشتراكات الـbitstream، أي من فواتير الاشتراكات وتُطبّق عن شريحة المشتركين التي تُعرَّف بالنسبة للوزارة/أوجيرو "اشتراكات الـbitstream" وما هي إلا مشتركو الـISPs، تماماً كما باللغة الإنكليزية "percentage of" أي "نسبة من" أما "on" فهي "عن" أي تطبّق عن هذه الشريحة أو الفئة on that category من الواضح في نص المادة 16 المذكورة أن احتساب نسبة الـ50% والـ10% يجب أن يطبق على رسوم الفواتير الشهرية عن اشتراكات الـbitstream التي يدفعها المشترك لصالح الـISPs خلافاً لما نص عليه قرار وزير الاتصالات رقم 544/1، إذ احتسب النسبة من "رسم الـbitstream" غير الموجود في نص المرسوم! وتالياً، عند تطبيق المادة 16 كما وردت في المرسوم رقم 9458/2022 تسدّد وزارة الاتصالات مبالغ طائلة لكلفة صيانة شبكة تديرها وتستثمرها شركة خاصة وهذا إجراء لا يجوز إطلاقاً، ويمكن أن يرتب تبعات ودعاوى قانونية في مراحل لاحقة، قد تطال وزير الاتصالات في ماله الخاص، في حال الاستمرار في تطبيقه خلافاً للنص.
أمام ما سبق شرحه، ترى المصادر أنه "يجب على وزير الاتصالات، قبل البدء بتنفيذ هذا المرسوم، رفع مشروع تعديل المادتين 12 و16 منه الى مجلس الوزراء، إضافة الى ضرورة تعديل المادة 17 لتتوافق مع تقرير ديوان المحاسبة حول الموضوع، وذلك بعد عرض مشروع التعديل على مجلس شورى الدولة وديوان المحاسبة".
خطورة الوضع تكمن في ما نُقل عن وزير الاتصالات الأسبوع الماضي عن أن مداخيل موزعي شبكات الإنترنت غير الشرعي (يقول الوزير حرفياً) "... تتحدّد بنسبة 30% من الرسم الذي تتقاضاه الوزارة. إلا أن ذلك لم يلق أيّ تجاوب، لذا سيصدر تكليف نهاية الشهر الجاري يفرض على موزعي خدمة الإنترنت دفع مبلغ 550 ألف ليرة لبنانية شهرياً عن كلّ مشترك على الشبكة المضبوطة، أما موزعو الأحياء فسيتقاضون 330 ألف ليرة عن كل مشترك..." بكلام آخر يقول وزير الاتصالات إن "أوجيرو" لن تتسلم شبكات الإنترنت غير الشرعية لكون نسبة 30% من الرسم الذي تتقاضاه الوزارة/أوجيرو "لم يلق أي تجاوب"، لذلك سيصدر الوزير تكليفاً نهاية الشهر الجاري يفرض على الـISPs مبلغ 550 ألف ليرة عن كل مشترك على الشبكة المضبوطة، أي إن الوزير استبعد تماماً استثمار "أوجيرو" لهذه الشبكات غير الشرعية، والسبب المضحك المبكي أن ذلك "لم يلق تجاوباً"، وبدءاً من نهاية آذار الجاري سوف يباشر بعملية نقل "ترانسفير" لـ700 ألف مشترك من القطاع غير الشرعي الى القطاع الخاص، ووزارة الاتصالات/أوجيرو لن تكتفي بالتفرج على ذلك بل ستدفع أيضاً مبلغ 330 ألف ليرة شهرياً عن كل مشترك كبدل صيانة الشبكة فيما تستوفي شركات الـISP الخاصة كل الإيرادات.
وأمام أهمية هذا الموضوع وخطورته، تناشد مصادر متابعة الهيئات الرقابية ولا سيما ديوان المحاسبة لوقف هذا الإجراء الذي سيقوم به وزير الاتصالات في نهاية الشهر الحالي، واعتبار ما يُنشر في وسائل الإعلام عن الموضوع بمثابة إخبار لدى النيابة العامة المالية لما فيه من وقوع الضرر الجسيم على أصول الدولة وخزينتها المالية. بالاضافة الى ضرورة مقاربة لجنة الإعلام والاتصالات النيابية الموضوع من خلال وضع الإصبع على الجرح للولوج الى مكامن الضرر الحقيقي، والطلب الى وزير الاتصالات وقف إصدار التكليف في نهاية الشهر الجاري الذي سيفرض بموجبه مبلغ 550 ألف ليرة شهرياً عن كل مشترك على الشركة المضبوطة، لأن هذا المبلغ سيُقتطع منه 60% لتذهب كبدل صيانة للشبكات المخالفة، فيما تتقاضى خزينة الدولة هذا المبلغ كاملاً دون نقصان عن المشتركين في الشبكات المرخصة.
في المحصّلة، الخراب سيقع على أوجيرو ومستقبلها كمشغل وطني "ليبان تلكوم" لأن الـ700 ألف مشترك الذين تُطبّق بحقهم عملية "الترانسفير" للقطاع الخاص يفوق عددهم بأضعاف عدد مشتركي "أوجيرو".
ختاماً، يبدو أن المرسوم رقم 9458/2022 جاء ليضفي الشرعية على العلاقة العضوية التي لطالما ربطت شبكات الإنترنت غير الشرعي بكارتيلات الشركات الخاصة، لأن الأخيرة كانت ترفد الأولى منذ البداية بخطوط الاتصال. ومن خلال هذا المرسوم، ينتقل مئات آلاف المشتركين من "ديك الحيّ" الى "حيتان الإنترنت" التي ستبتلع الجميع من دون استثناء.
تعليقات: