لم تهدأ عاصفة المرحلة الأولى من انتخابات نقابة المهندسين الأسبوع الماضي. كل الأطراف مشغولة بتحليل نتائج انتخاب 10 أعضاء في الفرعَين الأوّل والسابع، باعتبارها «بالون اختبار» لتحديد موازين القوى و«فئة دم» النقيب الجديد الذي سيُنتخب في 14 نيسان المقبل. الخُلاصة المُشتركة بين الجميع هي انتهاء «عصر تحالفات المُعارضة»، وعودة أحزاب السلطة لتقبض على النقابة بيدٍ من حديد. انتخاب «فلتة شوط» كالنقيب الحالي عارف ياسين يصعب أن يتكرّر؛ فلا تحالف المُعارضة الذي ارتدى مسمّيات عدة من «النقابة تنتفض» إلى «مصمّمون»، قادر على إعادة لمّ شمل المُعارضة في إطارٍ واحد، ولا تجربة ياسين نفسها كفيلة بشدّ العصب ورفع نسبة الحماسة بين الناخبين.وهذا يعني خروجاً مبكراً لقوى المعارضة من سباق انتخاب نقيب و5 أعضاء لمجلس النقابة بعد نحو شهر (بينهم اثنان من الفرعين الأول والسابع سبق أن فازا في المرحلة الأولى)، إضافة إلى عضو للجنة إدارة صندوق التقاعد وثلاثة أعضاء آخرين للجنة مراقبة الصندوق التقاعدي. ورغم خروج «مواطنون ومواطنات في دولة» و«تجمّع مهندسي صيدا والجوار» و«تجمّع مهندسي لبنان» من إطار «مصمّمون»، إلا أن مسؤولي الأخيرة لا يزالون يتمسّكون بالأمل، ويُرجّح أن يرشّحوا لائحة مكتملة يرأسها على الأغلب عضو مجلس النقابة السابق جوزيف مشيلح، وإن كان البعض يؤكّد أن الأخير لن يتمكّن من خرق «جدار الأحزاب» إلى منصب النقيب من دون تسوية من تحت الطاولة مع أحد تحالفات أحزاب السلطة، تماماً كما حصل مع مرشحي المعارضة إلى مجلس المندوبين ممّن فازوا بعد تمرير أسمائهم على لوائح الأحزاب.
«لعبة» الاشتراكي
بالتالي، لا يبقى في ميدان النقابة سوى أحزاب السلطة. وهذه، كان «جسّ النبض» الأوّلي الأسبوع الماضي ناجحاً إلى حدٍ ما بالنسبة إليها، وخصوصاً مع ارتفاع المشاركة إلى نسبة مشابهة لتلك التي تُشارك عادةً في انتخابات النقيب، إضافة إلى الحشد الذي تمكّنت الأحزاب المسيحيّة من إبرازه كإحدى أدوات الشغل لانتخابات النقيب. وإذا كان حزب القوات اللبنانية وحلفاؤه يصرّون على أنّ «النصر العوني» كان بفعل «عضلات» حزب الله وحركة أمل الذين صبّوا أصواتهم لمصلحة مرشحي التيار الوطني الحر، يؤكد ممثلو الأخير أنّهم اقتسموا المسيحيين «فيفتي فيفتي» مع القوات، وقاموا بعملهم على أكمل وجه تحضيراً ليوم «المبارزة» لاختيار النقيب الجديد.
أمل والاشتراكي لا «يهضمان» تبنّي مرشح من الدائرة اللصيقة لرئيس التيار الوطني الحر
خسارة القوات وحلفائه، الكتائب والأحرار وتيّار المستقبل، أحرقت أسهم مرشّحهم المفترض إلى منصب النقيب بيار جعارة، وجعلت «العونيين» قاب قوسين أو أدنى من إيصال مرشّحهم فادي حنّا، رغم خلوّ «غلّته» من أيّ عملٍ نقابي أو ثقلٍ شعبي. إلا أن هذا يتوقف حُكماً على دعم الثنائي. ويزيدهم اطمئناناً إمكانية التفاوض مع الحزب التقدمي الاشتراكي الذي أثبت في انتخابات المرحلة الأولى أنه يقبض على كتلةٍ ناخبة تتعدّى الـ 600 صوت، ورفض الانضواء في تحالف انتخابي واضح، موزّعاً أصواته بين القوات وحلفائهم وبين تحالف التيار والثنائي. وعليه، يعتقد المتابعون أن لعبة الاشتراكي واضحة بالبقاء على الحياد لتحديد وزن كل تحالف وقوّته، وأنه يمنّي النفس بالفوز في المعركة المقبلة عبر إعادة عضو مجلس النقابة المحسوب عليه، فراس أبو ذياب، إلى المجلس من جديد.
أزمة «حلف الثنائي»
ما يتوقّعه العونيون من «الاشتراكي» يسري أيضاً على الجماعة الإسلاميّة التي يتردّد أنها انضوت في تحالف الثنائي - التيار في انتخابات المرحلة الأولى، وستُعيد الكرّة في المرحلة الثانية لتمرير اسم مرشّحها، رعم حساسية الجماعة من وضع اسم مرشحها مع مرشح جمعية المشاريع الخيريّة الإسلامية في لائحةٍ واحدة، ولو كانت «بمعيّة حزب الله».
غير أن هذه الأجواء الإيجابيّة التي يبديها العونيون بوصول حنا إلى منصب النقيب، ينسفها من يتابعون أجواء «الثنائي» من الداخل. فقد يكون حزب الله قادراً على القفز على بعض تحفّظاته على اسم حنّا ربطاً بالأجواء السياسيّة العامة والعلاقة الحالية بين الطرفين، وإعطاء كلمة حاسمة للتيّار» بتبنّي اسم مرشّحه، إلا أن أجواء حركة أمل عكس ذلك تماماً. إذ يجهر بعض مسؤوليها برفضهم لحنّا باعتباره من الدائرة اللصيقة برئيس التيار جبران باسيل، ما «يُشكّل عقبة تشكيل لائحة موحّدة». والأمر نفسه يشيعه مقرّبون من الاشتراكي يقولون إنّ مسؤوليه يعتبرون تسليم زمام النقابة لحنا بمثابة تقديمها هدية لباسيل نفسه.
وعليه، تكثر التكهنات بين من يرجّح وقوع الطلاق بين حزب الله وحركة أمل وتشكيل الحركة لائحة مواجهة لن يكون الاشتراكي بعيداً عنها، وبين من يعتقدون بأن تنازل التيار عن بعض المناصب الأساسيّة داخل مجلس النقابة وقبوله بتقييد حركة نقيبه قبل وصوله، سيكون كفيلاً ببقاء أمل في حضن التحالف ورفع أسهم حنّا بالوصول إلى المنصب، وبالتالي إقناع الاشتراكي بالالتحاق بهم.
تعليقات: