هل ستشمل تعويضات الدولة الشهداء من مقاتلي حزب الله؟ (Getty)
مرة جديدة، تكشف تداعيات الحرب في الجنوب، أزمة لبنان في غياب نظام تعويضات عادل يحفظ حقوق المتضررين والضحايا وعوائل الشهداء. وإذا كان أصل الأزمة هو بإفلاس الدولة وعجزها عن توفير مصادر تمويل للتعويضات، كرس العدوان الإسرائيلي على الجنوب انقسامًا لبنانيًا جديدًا، حول الأحقية في التعويض وقيمته.
ففي جلسة الحكومة الأخيرة، أثار ما سُرب عن رئيسها نجيب ميقاتي، بصورة غير رسمية، سجالًا واسعًا، رغم أنه عاد ونفاه بعد أيام. إذ أفيد أن ميقاتي طرح بدء وضع آلية تعويض للجنوبيين، تمهيدًا لمرحلة ما بعد وقف العدوان الإسرائيلي. وحسب التصور الأولي بين مجلس الجنوب والحكومة، فإن قيمة التعويض ستتراوح بين نحو 40 ألف دولار لأصحاب البيوت التي دمرت بالكامل، ونحو 20 ألف دولار لعوائل الشهداء اللبنانيين، من دون تحديد ما إذا ذلك سيشمل الشهداء العسكريين في صفوف مقاتلي حزب الله.
ميقاتي يتنصل؟
لكن ميقاتي، وكعادته، نفى بطريقة غير مباشرة ما نُقل عنه لاحقًا، بفعل موجة الاعتراض، مشيراً إلى أن الحكومة لم تتخذ قرارات بشأن التعويض للمتضررين وذوي الضحايا بالجنوب.
توازيًا، يؤكد مصدر مطلع من مجلس الجنوب لـ"المدن"، بأن التعويضات جرى بحثها وفق ما سُرب عن الحكومة، ومن المفترض أن تشمل لاحقًا سائر اللبنانيين في الجنوب، سواء مدنيين أو مقاتلين. كما سيتم العمل على وضع آلية تقديرية للتعويض للجرحى وفق درجة وطبيعة الإصابة، إضافة للتعويض لأصحاب المنازل المدمرة جزئيًا، ولأصحاب المصالح التجارية والمزارعين وغيرهم.
وهنا، مثار الانقسام بين من يعتبر أن الدولة هي المسؤولة عن إغاثة شعبها، وبين من يريد تحميل حزب الله مسؤولية التعويض، على قاعدة أن قرار الحرب بيده وليس بيد الدولة.
في المقابل، ذهب بعض النواب المعارضين لحزب الله إلى تأجيج الرأي العام، عبر إثارة مسألة التعويض لضحايا تفجير مرفأ بيروت. وهو ما دفع مثلًا النائب نديم الجميل إلى الدعوة لعصيان مدني، في حال قررت الدولة التعويض على الجنوبيين ووقف دفع أي ضرائب ورسوم للدولة، على قاعدة "حزب الله يجلب الخراب وعلى الدولة التعويض"، وفق وصفه. واعتبر أن على الدولة أن تعوض أولًا لضحايا تفجير المرفأ.
غياب التمويل
عمليًا، لم تقر الحكومة حتى الآن أي آلية لتأمين مصادر تمويل لإعادة الإعمار في القرى الجنوبية المتضررة والتعويض لذوي الضحايا، رغم تشكيلها للجنة طوارئ لمتابعة أوضاع الجنوب والجنوبيين في مطلع الحرب. وحتى الأضرار التي رصدها مجلس الجنوب في عملية المسح الوحيدة التي أجرها عقب الهدنة في 24 تشرين الثاني الفائت، والتي قدرت قيمتها الإجمالية نحو 10 ملايين دولار حينها، لا يوجد مصادر لتمويلها.
وهنا، يشير المصدر المطلع في مجلس الجنوب، بأن قيمة الخسائر المباشرة تجاوزت في تقدير أولي، 500 مليون دولار على الأقل، وقد تصل لأكثر من مليار دولار مع الخسائر غير المباشرة، وقد تتجاوز ذلك بكثير بعد إجراء مسح رسمي ونهائي.
وفي تقدير أولي أيضًا لمجلس الجنوب، فإن أكثر من 10 آلاف وحدة سكنية تضررت من القصف الإسرائيلي في القرى الحدودية وبينهم نحو 700 وحدة دمرت كليًا، لا سيما في بلدتي الضهيرة وبليدا.
وما يعزز السجال أيضًا، أن ثمة توجهاً لرصد قيمة التعويضات بالدولار حتى توازي قيمتها الفعلية في السوق، ولتعادل بالدولار ما دفعته ورصدته الدولة للمتضررين في حرب تموز 2006. وهو ما قد يدفع الحكومة لاحقًا، وفق مصادر مطلعة، إلى طلب عقد مؤتمر للمانحين للجنوب والجنوبيين.
ويرى كثيرون أن مسألة التعويض ستبقى رهن التجاذبات والخلافات إلى ما بعد وقف الحرب، وقد تأخذ القضية مسارًا طويلًا يمتد لأشهر وأكثر، قبل الاتفاق على صيغة تعويضات واضحة وتوفير مصادر تمويلها.
خسائر فادحة
في المقابل، كشفت أحدث أرقام لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، عن فداحة الخسائر في الجنوب، وذلك في آخر تقرير صدر في 21 آذار الماضي.
وحسب التقرير، بلغ عدد النازحين في الجنوب، 90,491 نازحاً، نحو 52% منهم إناث، وفقا لمنظمة الهجرة الدولية، ومن بينهم نحو 1452 نازحاً، يتوزعون على نحو 18 مركز إيواء.
كما تجاوز عدد الشهداء اللبنانيين 316، بينهم نحو 54 مدنيًا وفق وزارة الصحة.
كذلك، بلغت مساحة الأراضي المتضررة في الجنوب أكثر من 790 هكتار وفقًا لوزارة الصحة، وهناك نحو 340 ألف حيوانات زراعية (من طيور ودواجن وخلايا النحل) نفقت، وفقاً لوزارة الزراعة. كما دمر القصف الإسرائيلي 9 مرافق للمياه، يتغذى منها حوالى 100 ألف من سكان الجنوب. كذلك خسر نحو 72% من المزارعين مصدر دخلهم وفقًا لمنظمة الفاو. في حين أقفلت 6 مراكز رعاية صحية أولية في مرجعيون وبنت جبيل، إضافة إلى إغلاق 72 مدرسة رسمية وخاصة جزئيًا أو كليًا في القرى الجنوبية المتضررة.
تعليقات: