الخطة الحكوميّة لتنظيم الوجود السّوريّ في لبنان: رعب التوطين

الخطّة غفلت عن كون الدولة اللّبنانيّة ليس بيدها إعطاء صفّة اللاجئ أو إسقاطها (دالاتي ونهرا)
الخطّة غفلت عن كون الدولة اللّبنانيّة ليس بيدها إعطاء صفّة اللاجئ أو إسقاطها (دالاتي ونهرا)


المعاين والمُراقب للمسار الذي مضى فيه أصحاب القرار، طيلة الأعوام الفائتة وحتّى اللحظة، على متن "معالجة أزمة النزوح السّوريّ" -وفق الأدبيات السّياسيّة اللّبنانيّة- فإنّه حتمًا وصل إلى مرحلةٍ يسهل فيها فعليًّا التنبؤ بالسّرديات والحجج الّتي يطرحها المعنيون لرفد خططهم المتعثرة. وللحصول أيضًا على الشرعيّة الشعبيّة وثقّة المواطنين بإجراءاتهم الملتويّة لاقتلاع اللاجئين، بذريعة أن ذلك يصب في مصلحة الطرفين. أما الحال، فإن المواطن واللاجئ، كلاهما سيّان، ولا نيّة للسّلطات سوى مفاقمة بؤسهما العرضيّ المتراكض ضمن حدود النكبات والأزمات.


مُجدّدًا، عقدت حكومة تصريف الأعمال جلسةً وزاريّة، نهار الثلاثاء الماضي في السراي الحكوميّ، لما سُميّ بـ"اللجنة الوزرايّة لمتابعة تنفيذ خطّة عمل الاستراتيجيّة الوطنيّة للحمايّة الاجتماعيّة"، ترأسها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بمشاركة كل من وزير الشؤون الاجتماعيّة هيكتور الحجار، ووزير الخارجيّة عبدالله بو حبيب، ووزير التربية عباس الحلبيّ، والمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسريّ، وغيرهم. بغيّة التباحث بأعمال اللجنة وملفاتها، والّتي يتدرج في سياق بنود عملها، ملف اللجوء السّوريّ في لبنان. وقد خلصت الجلسة إلى استعراضٍ لخريطة طريق لمعالجة ملف اللاجئين السّوريّين، وتقرّر عقد اجتماعٍ للمجلس العسكريّ لربط النقاط مع عامل الوقت الزمنيّ.


جلسة وزاريّة وخريطة طريق

وفي حديثه إلى وسائل إعلام لبنانيّة، كشف وزير الشؤون الاجتماعيّة هكتور حجار، عن أهداف هذه الخطة، آنفة الذكر، وأبرز نقاطتها كما يليّ:

- ضرورة إجراء الدولة اللّبنانيّة مسح شامل لجميع السّوريّين الموجودين على أرضها.

- تحديد من تنطبق عليه صفة "النازح"، أي اللاجئ (كدليل على رفض السّلطات اللّبنانيّة على الاعتراف بحقّ اللجوء، كحقّ إنسانيّ)، من عدمه.

- ضمان الموافقة على التمويل المُخصص لمعالجة أوضاع النازحين الفعليين، نسبة لأعدادهم واحتياجاتهم.

- تطبيق جميع القوانين اللّبنانيّة المرعية الإجراء على " السّوريّين غير النازحين" (اللاجئين) من دون ربطهم بالمفوضيّة، ومن دون تمتعهم بأي من حقوق اللاجئين.

- إزالة كافة الخيم والتجمعات السّكنيّة للفئات الّتي لا تنطبق عليها صفة النزوح (اللجوء)، وإطلاق التنفيذ لأحد المسارين: إما بإعادة التوطين في بلدٍ ثالث، أو بإعادتهم إلى وطنهم النهائيّ بعد التنسيق مع حكومة النظام السّوريّ.

- طلب المساعدة من المجتمع الدوليّ لتثبيت الأمن ومنع التجاوزات على الحدود البحريّة والبريّة.


وإلى جانب عرضه للنقاط الأساسيّة للخطة، كان الوزير حجار، قد أشار بالتّوازيّ إلى عدّة وسائل إعلام لبنانيّة، أن هذه الجهود تنصب لتفكيك ما سمّاه "قنبلة النزوح السّوريّ"، قائلًا أنّ اللجنة وصلت إلى اتفاق أن الخطة الّتي أعدها جيّدة، وأن "ما من قرار لدى الحكومة حول توقيت فكفكة قنبلة النزوح، علمًا أن القضيّة لا تتحمّل المماطلة". وزعم حجار أن هناك مخططاً لاستبدال المواطنين اللّبنانيين بمواطنين سوريّين بغطاءٍ دوليّ، واعتبره أبعد من فكرة التوطين. مدعيًّا أن مسؤولًا في الاتحاد الأوروبيّ كاشفه أنّ مصير السّوريّين في لبنان هو مصير الفلسطينيين نفسه، "وقال لي (للوزير) انسوا ما رسمّنا من حدود نحن والإنجليز"، وأن سايكس- بيكو يُعاد رسمه مع تغيير ديمغرافي. وبلهجةٍ تحذيريّة وشبه ابتزازيّة، قال "نساعد أوروبا في حماية البحر، إذا ساعدتنا في حمايّة البرّ". فيما دعا رئيس الحكومة إلى "اتخاذ موقف تاريخيّ يكتبه على ورقة يذهب بها إلى بروكسل في 27 أيار المقبل كي ينصفه التاريخ، لا الاكتفاء بالتحاور، فيما هو مستمرّ بالإصغاء للمجتمع الدولي".


خريطة لدربٍ مسدود

واستنادًا لهذه الأهداف والتصريحات المتكرّرة الّتي تُضاعف النقاط السّوداء على سجل لبنان الدبلوماسيّ وكذلك الحقوقيّ، يُمكن تشخيص موقف الحكومة اللّبنانيّة وتحديدًا وزارة الشؤون الاجتماعيّة بشخص وزيرها هكتور حجار (راجع "المدن")، بهذا الموقف غير العمليّ والذي لجأ فيه الوزير للتهديد والوعيد، وابتزاز المجتمع الدوليّ وأوروبا وهيئات الأمم المتحدّة (الّتي خفضت حجم مساعداتها)، بذرائع ضعيفة.

فإلى جانب كون الخطّة الّتي أعدها الوزير محكومة بالفشل حتّى قبل تنفيذ مفاعيلها، أكان بسبب قرارات الحكومات المتعاقبة المتهورة، الّتي زرعت العقبات بيدها، وجعلت من إمكانيّة تسجيل اللاجئين وإدراجهم ضمن مسميات وخانات وتنظيم وجودهم، شبه مستحيلة، كما أسلفنا في تقارير عدًة سابقًا (راجع "المدن"). أو حتّى بتعثر المفاوضات مع الجانب السّوريّ، الذي لا يبدي أصلًا أي اهتمام بمصير شعبه في الشتات، أو حتّى يرغب في عودتهم.

والخطّة غفلت عن كون الدولة اللّبنانيّة ليس بيدها إعطاء صفّة اللاجئ أو إسقاطها عن الأفراد، بل الأمر منوط بالقانون الدوليّ والعرف الإنسانيّ، حتّى لو كان الجانب اللّبنانيّ لم يوقع على اتفاقيّة اللجوء عام 1951. بل يُمكن وصف الخطّة المُعتزم تنفيذها، بمحاولة عقيمة للالتفاف حول الموجب الدوليّ باستقبال اللاجئين، هذه الصفّة الّتي تُجرم ما تقوم به السّلطات اللّبنانيّة يوميًّا بحقهم، أكان بمنعهم الحصول على شخصيّة قانونيّة أو بترحيلهم قسراً.

تعليقات: