المهندس عدنان سمور
إذا كان الشركاء بالإنسانية في هذا العالم ، هم كل الكائنات الحية المفكرة والناطقة ، لما كانت هناك حروب واعتداءات واغتصاب حقوق ، من فئات على فئات أخرى كما حصل في تاريخ الإنسانية ، المليئ بالفجائع والمظالم والمآسي ، على إمتداد مشارق الأرض ومغاربها ، وفي كل قارات الأرض ، وما زال يجري اليوم ، خاصة على أرض فلسطين المعذبة والمقهورة ظلماً وعدواناً وافتراءً ، ولكانت هذه الحروب القاسية والمتوحشة التي خاضها وما زال يخوضها الغرب ضد الشعوب المستضعفة والمقهورة ، تُحَلُّ بالحوار والتفاهم وتحكيم العقلاء من بني البشر ، من هنا نستنتج أنه ليس كل من يتشارك معنا بالشكل والجوارح هو إنسان مثلنا ، أو لنكن أكثر إنصافاً هو إنسانٌ ولكن مع وقف التنفيذ ، حتى يعود إلى رشده وإلى إنسانيته ، وهكذا نصبح بحاجة إلى تعريفٍ لكلمة إنسان ، يكون أكثر شمولاً وأكثر تعبيراً عن معنى هذه الكلمة الشديدة الحساسية والخطورة ، التي عرَّفها أحد العلماء العقلاء المستبصرين بقوله " الشركاء في الإنسانية هم مجموعة من الكائنات المفكرة والناطقة ، المتشاركون في الهموم المُحِقَّة "
وهكذا نستخلص بداية أن المستضعفين المتشاركين في الهموم المحقة ، يمكن أن نطلق عليهم إسم إنسان ، ولكن ضمن هذه الفئة هناك فئتين ، فئة تُشَخِّص سبب مظلوميتها ، وتُحَدِّد من هم ظالموها ، وتسعى لرفع المظالم عنها والتحرر من عبوديتها واستعبادها ومستعبديها ، وهذه الفئة تكون منبوذة ومحاربة من قبل أعدائها ، وغير معترف لها بحقوق ولا بوجود ، وتدفع أثماناً باهضة ، على طريق تحقيق حريتها وخلاصها من تبعيتها ومن أجل تحقيق إستقلالها ، وفئة أخرى ترضى بالذل والإرتهان والإستعمار ، وتتعايش معه ، وتطبع العلاقات مع مستعبديها وغاصبي حقوقها ، ومصادري ثرواتها وعقولها وطاقاتها ، حتى تصل الى درجة أن تصبح شريكة ومناصرة لأعدائها ، في قمع شعوبها وفي إخضاع هذه الشعوب ، وفي تأبيد تبعيتها وإرتهانها وعبوديتها لمستعمريها .
وهكذا نستخلص أن هاتين الفئتين المتشاركتين في المعاناة والهموم ، ينتج عن كل فئة منهما سلوكٌ متناقضٌ مع الفئة الأخرى ، الأمر الذي يُفقِدُ الفئة الثانية صفة الإنسانية الكاملة حتى تعود إلى رشدها ، وتنتج سلوكاً داعماً لحقوقها الإنسانية ، وتنخرط في المشروع المقاوم ضد أعدائها وغاصبي حقوقها ، وبذلك نصبح بحاجة إلى تعريف لكلمة إنسان أكثر دقةً وأكثر قدرةً على تفسير المعنى ، وذلك بأن نظيف إلى التعريف السابق عبارةً ، فيصبح " الشركاء في الإنسانية هم مجموعة من الكائنات المفكرة والناطقة ، المتشاركون في الهموم المُحِقَّة ، والذين يمتلكون إرادة وبرامج عمل لرفع المظالم عنهم"
هكذا نصبح اكثر قدرةً على فهم وإستيعاب قول الله تعالى ، في كتابه المجيد "وإذا الوحوش حشرت" التي توحي بأن بعض الذين نتشارك معهم شكلاً في الإنسانية ، هم في الحقيقة ليسوا بشراً ، بل إن حقيقتهم هي أنهم وحوش ، لأن تفكيرهم وسلوكهم ونواياهم ، هو تفكير وسلوك ونوايا وحوش ، ولا تعود إليهم صفة الإنسانية حتى يفيئوا إلى رشدهم ويتحول عن ظلمهم ، ويعيدوا الحقوق إلى الذين ظلموهم واغتصبوا حقوقهم .
وهكذا أيضاً نصبح أكثر قدرة على إستيعاب ما رمى إليه الإمام علي ع في عبارته الخالدة "الناس صنفان ، إما أخٌ لك في الدين أو نظير لك في الخلق"، فالنظير لك في الخلق ، ليس الذي يتشارك معك في الشكل والجوارح فقط ، بل هو الذي يتشارك معك أيضاً بالمعاناة والهموم والسلوك للتخلص من الهموم والعقبات ، ورفع المظالم والتخلف والجهل والإستعباد.
من هنا يمكن القول أن الفئة الأكثر إستحقاً ليطلق عليها صفة الإنسانية في الحرب الدائرة اليوم في فلسطين ، وفي المحور الداعم للقضية الفلسطينية المحقة ، هم الشعوب الحية المظلومة والمعتدى عليها ، والمنخرطة في مشروع مقاومة الظلم والتعدي والإحتلال التاريخي اللاحق بها ، والذين يستحقون أن يطلق عليهم إسم وحوش هم ، المعتدون الظالمون والمطبعون والمتعاونون معهم ، الذين يبررون عدوانهم على غزَّة ، بأنهم يحاربون وحوشاً ، مزيلين صفة الإنسانية عن ضحاياهم ، ظلماً وعدواناً وافتراءً ونفاقا .
ع.إ.س
باحث عن الحقيقة
07/04/2024
تعليقات: