الدبية تلملم جراحها بعد السيطرة على الحرائق فيها


أصبحت أرضاً محروقة بعدما اجتاحت النيران أهلها ومواسمهم..

الدبية :

تدخلت العناية الإلهية لتنقذ منطقتي الدبية وعين الحور وسكانهما من يوم نيراني آخر. فمع تمركز النيران في قعر وادي الدبية على تخوم حرم جامعة بيروت العربية فيها، كان للأمطار التي هطلت ليل أمس الأول وطوال يوم أمس فعل السحر حيث تعجز سيارات الإطفاء وعناصر الدفاع المدني والجيش اللبناني عن الوصول إلى أسفل الوديان المستعرة.

وكان أن ساندت الأمطار المتساقطة طوافات الجيش في القضاء على بؤر النيران التي عادت ليلاً واستعرت نتيجة سرعة الرياح. ولكن كل ذلك لم يخفف من معاناة الدبية وأهلها ومنازلها التي اجتاحتها الحرائق ولونتها بالأسود.

وبالأمس، لملم أبناء بلدة الدبية جراحهم بعد يوم عصيب وأليم وخطير فرضته الحرائق على يومياتهم وحياتهم.عاشت البلدة وأهلها الرعب حيث بدا أن الموت يلفها من كل حدب وصوب وتهدد النيران منازلها وسكانها بعد أن زنرتها بلهيبها. أتلفت الحرائق الأخضر واليابس في الدبية ولم توفر أي شيء صادفته في طريقها. لا بل أنها قضت على جميع الاحراج والاشجار، وحتى على اشجار حدائق المنازل وألحقت بها أضرارا كبيرة جدا بلغت حدا لا يوصف.

للقادم إلى الدبية بعد السيطرة على النيران وإخمادها وجع يداهمه من مدخلها ومن على جوانب طرقاتها لا سيما الرئيسية.. تطل المشاهد والمناظر المؤلمة والمؤثرة، إذ لا ترى العين إلا مساحات من الاراضي وقد تحولت الى اراض جرداء وسوداء ولم يبق فيها إلا هياكل الأشجار المحترقة التي ما تزال شاهدة على حقيقة ما جرى. الدخان الابيض ما يزال يتصاعد من بقايا الاشجار المرمدة، فيما تنتشر روائحه في الأجواء لتؤكد أن الحريق لم يمر من هنا فقط بل استوطن المنطقة واحرقها.

وحدها سيارات الدفاع المدني وشاحنات للجيش وقوى الامن الداخلي تصادفك على الطريق إلى البلدة. يستنفر الشباب ويستمرون في حركة متواصلة لمواجهة أي اختراق للنيران بعد اخمادها.

تصل إلى وسط البلدة وساحة البلدية فتجد معظم الأهالي يتفقدون منازلهم وهم يتحدثون عن تفاصيل اليوم الاسود الذي عاشوه بالامس ولن يفارق ذاكرتهم وحياتهم، خصوصا وأن أضرارا كبيرة لحقت بهم وبأرزاقهم لا سيما الانتاج الزراعي. التهمت النيران جميع الاحراج والأشجار وحقول الزيتون التي تتميز بها أراضي الدبية، لكنهم في المقابل يحمدون الرب على بقائهم سالمين وعدم تعرضهم للاذى، خصوصا أطفالهم وشيوخهم الذين كان لمغادرتهم منازلهم الفضل الكبير في سلامتهم.

تمتد أراضي الدبية على مساحات شاسعة من الحقول والاراضي الزراعية والهضاب والمنخفضات وتبلغ مساحتها ١٥٣٠ هكتارا ، وترتفع عن سطح البحر حوالي ٤٠٠ متر وتبعد عن بيروت مسافة ٣٠ كيلومتراً. يبلغ عدد سكانها حوالي ٢٠٠٠ نسمة وعدد الناخبين حوالي ١٥٠٠ ناخب.

تقسم أملاك الدبية جغرافيا الى مزارع عدة عامرة بالبيوت القديمة والابنية الحديثة وبالسكان والمزارعين، وهي تعتبر من كبرى البلدات اللبنانية عقاريا ويحدها بلدات عين الحور وضهر المغارة وبعاصير والجاهلية وسرجبال في الشوف الأعلى.

كل هذا الغنى تحول بالأمس إلى مزار ومحج للجميع. تحولت المنطقة الى منطقة منكوبة وشبه صحراوية بعد ان قضت النيران على مزروعاتها وحقولها الزراعية واحراجها وبدت بلدة مرسومة على لوحة سوداء بعد أن كانت ايقونة طبيعية من أجمل ما يكون.

ويعتبر النائب علاء الدين ترو أن الأمر يتطلب جهدا مشتركا من الحكومة وهيئات المجتمع المدني لوضع خطة للتعويض عن الاضرار واعادة تحريج الدبية من جديد، مشددا على ضرورة تعزيز جهاز الدفاع المدني ووضع خطة لحماية الاحراج لافتا الى وجود معلومات عن أن الحرائق مفتعلة.

ويشير رئيس البلدية تامر البستاني الذي الحقت النيران اضرارا باشجار منزله وجواره، الى ان الحريق اندلع منذ يوم الاثنين الماضي من منطقة شمعرين في الوادي الفاصل بين الدبية وسرجبال والجاهلية وبنواتي، مشيرا الى انه ما لبث ان اتسع ووصل إلى جرود الدبية وتل بكشتين بسبب سرعة الرياح. وكان أن أحرقت النيران جميع الأشجار وحقول الزيتون والملول والسنديان واللوز والتين والاحراج ومن ثم امتدت حتى حرم الجامعة العربية في الطرف الغربي من البلدة.

ورأى ان الدبية اصبحت اليوم صحراء سوداء قاحلة لا تصلح لشيء، معتبرا أنه مهما كان هناك من تعويضات فلن يعوض عن الخسائر البيئية التي لحقت بالبلدة، مثنيا على الجهود الكبيرة التي بذلها عناصر الدفاع المدني والجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي مواجهين النيران بأجسادهم الحية. وأكد على وجود خسائر كبيرة واضرار لدى ابناء البلدة خصوصا على الصعيد الزراعي حيث يعتمدون مع كل موسم على زيت الزيتون ومشتقاته في حقولهم التي اتلفت جميعها بالكامل خصوصا في تلة بكشتين التي تنتج سنويا أكثر من ١٠٠٠ صفيحة زيت، مقدرا احتراق حوالي مليون ونصف مليون متر مربع من اراضي البلدة.

ويلفت رئيس مركز جبل لبنان الجنوبي الاقليمي في الدفاع المدني حسام دحروج الى أن عناصر الدفاع المدني وضعوا في حال استنفار قصوى وشاركوا في عملية اخماد النيران بكل طاقاتهم وامكاناتهم المتوافرة لديهم، موضحا أن ضخامة النيران وانتشارها بشكل سريع في كل ارجاء البلدة واحتراق جميع الحقول والاشجار في وقت واحد اعاق عمل عناصر الدفاع المدني الذين واجهوا ايضا صعوبة في الوصول الى النيران لوعورة المنطقة ووجود اعداد كبيرة من الالغام والقذائف لا سيما في تلة بكشتين من مخلفات الحرب، اذ انفجر بفعل النيران حوالي ٣٠٠ قذيفة ولغم ليل الاثنين الثلاثاء.

واشار الى انه تم استقدام ست آليات إطفاء من البقاع وآليتين من النبطية وثلاث آليات من صيدا وست آليات من بيروت بالاضافة الى الاستعانة بسيارات اطفاء مراكز اقليمية جبل لبنان الجنوبي.

ورأى أنه رغم كل المخاطر تقدم عناصر الدفاع المدني إلى جانب عناصر من الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي باتجاه مواقع النيران دون ان يكترثوا للمخاطر في محاولة للسيطرة عليها بعد أن هددت المنازل وسكانها في الدبية، فقاموا بإجلاء الأهالي إلى ساحة البلدة والى بلدات اخرى بعيدا عن الحريق. وأشار دحروج إلى أن الجهود استمرت حتى الثانية من فجر أمس بعد محاصرة النيران التي امتدت حتى بلدة عين الحور بالقرب من كنيسة سيدة النجاة، حيث تمت السيطرة عليها وإخمادها كليا وساعد في ذلك هطول الامطار صباحا، داعيا المسؤولين الى الاهتمام بجهاز الدفاع المدني وزيادة عديده ليتمكن من القيام بمهامه.

مواطنون

حاول جان مطانيوس القزي الذي حاصر الحريق منزله من كل الجهات إخماد النيران بخراطيم المياه لكنه لم يفلح بسبب اتساع رقعتها مع حركة الرياح، »عندها قمت بإجلاء عائلتي واطفالي الى بلدة ضهر المغارة خوفا من اختناق طفلي الذي يبلغ من العمر شهرين بفعل انتشار الدخان. عندما عاد القزي الى منزله لتفقده بعد الظهر وجد ان النيران التهمت أثاث المنزل والعاب الاطفال وبعض مقتنياتهم التي كانت موجودة على الشرفة الجنوبية. وبفعل النيران تشققت جدران المنزل وتصدع مبناه واحترقت أسلاك الكهرباء والنوافذ والابواب واتشح المكان بالسواد.

وأصيب منزل شوقي نكد بستاني بأضرار حيث احترقت إحدى غرف النوم فيه، ومن حسن حظه فقد كان خارج المنزل مع عائلته شاكرا القدرة الالهية لعدم تعرضهم للأذى، لافتا الى أنه حضر بعد الحريق فوجد أن النيران قد التهمت أشجار الحديقة وأحد الاحراج القريبة من المنزل، بالإضافة إلى احتراق غرفة نوم اطفاله وتصدع احد الحمامات وتلف عشرين قفيرا من النحل.

واعتبرت ناهية اميل البستاني ما حصل كارثة كبيرة جدا ولا يمكن محو آثارها ابدا، وأشارت إلى أنها حاولت رد النيران عن منزلها برش المياه لكنها لم تفلح فتركت المنزل وقصدت بلدة البرجين بعد ان وصلت النيران الى أشجار حديقتها، مؤكدة أن الدبية اصبحت بلدة محروقة.

من جهته أكد مدير حرم الجامعة العربية في الدبية محمد زنكر أن ادارة الجامعة وبشخص مديرها الدكتور عمر العدوي تابعت الحريق وتطوراته، مشيرا الى ان ادارة الجامعة اجلت بالامس الطلاب بعد محاصرة النيران لحرم الجامعة وحرصا على سلامتهم مع الأساتذة، مشبها النيران بالإعصار. وأشار إلى أن الجيش اللبناني اقام طوقا حول معدات الجامعة وقام يدويا مع عناصر الدفاع المدني باخماد النيران لعدم وصولها الى حرم الجامعة، مؤكدا ان الجامعة فتحت ابوابها اليوم كالمعتاد بشكل طبيعي.

تعليقات: