رفضت القاضية غادة عون تبلّغ قرار القاضي جمال الحجار (مصطفى جمال الدين)
بعد تقاعد القاضي غسان منيف عويدات، استبشر أهل القضاء والمتقاضين، خيرًا بالقاضي جمال الحجار، متأملين بأن يتجاوز الأخير إرث سلفه عويدات. لكن وبالرغم من محاولاته للاختلاف من ناحية التعامل مع الملفات التي بين يديه وتوزيعها على القضاة، وكسر الجمود في قضية المرفأ من خلال اجتماعاته مع المحقق العدلي طارق البيطار من جهة، ومع جميع أهالي ضحايا المرفأ من جهة أخرى، إلا أنه على ما يبدو حتى اللحظة، لم يتمكن بعد من كسر الصورة المأخوذة سابقًا عن منصب المدعي العام التمييزي والضابطة العدلية التابعة له، والتي عمقت الشرخ بين أهل القضاء والمحامين والإعلام وأصحاب الحقّ. فالضابطة العدلية أي المباحث الجنائية المركزية (التي يرأسها العميد نقولا سعد الذي انتقاه القاضي عويدات بنفسه من قوى الأمن الداخلي)، سبق وأن كرست صبغة "بوليسية" وسلطوية قد تُلازم هذا المكتب حتى أجلٍ غير معروف.
تجدد الصراع القضائي
ولعلّ أبز مثال على هذه الصبغة التي صارت بعيدة عن المبادئ القانونية العامة، ما يُشاع عن تحقيقات هذا المكتب مع الصحافيين، بما يتعارض مع الصلاحيات المنوطة به. ورغم الانتقادات الشعبية والرسمية، واظب المكتب على إجراءاته المجحفة وبإشارة قضائية. ووصل به الأمر، حدّ التوجه إلى منازل القضاة ومكاتبهم، وإلزامهم بالقوة على تبلغ طلبات الردّ، وآخرها كان مع القاضية غادة عون، وسابقًا مع المحقق العدلي في قضية المرفأ القاضي طارق البيطار، حين أبلغ بدعوى "اغتصاب السلطة" وبمنعه من السفر بالطريقة نفسها.
يُذكر أنه في الرابع من أيار العام 2023، أصدر المجلس التأديبي الذي كان يترأسه القاضي جمال الحجار، قرارًا يقضي بصرف عون من الخدمة، نتيجة دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها، ولمخالفتها تعليمات رؤسائها. وبعد تكليف القاضي الحجار للقيام بمهام المدعي العام التمييزي، كُسر الجليد بينهما وحلّت عون ضيفة لدى النيابة العامة التمييزية أكثر من مرة، غير أن خلافًا آخر تجدد منذ أيام.
وفي المعلومات التي حصلت عليها "المدن"، فإن محكمة التمييز قررت كف يد عون عن إحدى الملفات القضائية، لكنها رفضت أن تتبلغ طلب ردّها، وأصرت على متابعة جميع ملفاتها. فما كان من الحجار سوى إعادة إحياء أساليب عويدات السابقة؛ والمقصود هنا حين طلب عويدات من الضابطة العدلية إبلاغ المحقق العدلي طارق البيطار بدعوى اغتصاب السلطة وبقرار منعه من السفر. وهذا ما حصل مؤخرًا مع القاضية عون. إذ طلب الحجار من رئيس المباحث الجنائية المركزية التوجه نحو عون لإبلاغها بطلب ردها.
والحال، فقد أحدثت تجاوزات المباحث الجنائية التابعة لمكتب المدعي العام التمييزي بلبلة بين الأوساط القانونيّة، وصلت حدّ الاستنكار واعتبار الخطوات هذه منافية للقانون والصلاحيات المنوطة به. فضلًا عن كونها محاولة سلطوية تتعارض مع مفهوم الدولة في لبنان ونظامه الديمقراطي القائم على فصل السلطات. وتنوعت الآراء، حيث جرى التداول بأن "الحجار أحيا أساليب عويدات السابقة في تعاطيه مع عون، وأن الأخيرة تتعرض لضغوط قضائية لمنعها من متابعة ملفاتها"، بينما اعتبرت مصادر قانونية أخرى أن "عون تتعمد إثارة الجدل بشكل دائم وتتقصد مخالفة بعض القرارات القضائية، ويتوجب على الحجار فرض سلطته القضائية".
وكان لافتًا قرار القاضي الحجار بحصر تقديم الشكاوى والإخبارات بالمدعي العام التمييزي فقط، الأمر الذي يؤدي إلى إبعاد قضاة النيابة العامة التمييزية عن التعامل في هذه الملفات.
"القرار لي"
ولم ينته الأمر عند هذا الحد، فالخلاف احتدم بين الحجار والمحامي العام التمييزي القاضي غسان الخوري (الذي كان مقربًا من القاضي عويدات خلال ولايته)، على خلفية أسلوب تعامله مع أحد أبرز الملفات الحساسة.
وفي التفاصيل التي حصلت عليها "المدن"، بدأ الاشكال بعدما أفرج الخوري عن تاجر المخدرات الفرنسي عبدالكريم طويل، بعد ثلاثة أيام من توقيفه في مطار رفيق الحريري الدولي، نتيجة نشرة حمراء صادرة عن الإنتربول في قضية تهريب شحنات من الكوكايين. الأمر الذي أثار حفيظة الحجار باتخاذ هكذا قرار من دون العودة إليه والحصول على موافقته. خصوصًا بعدما تردد داخل أروقة قصر عدل بيروت أن "القضاء اللبناني أفرج عن تاجر المخدرات نتيجة تعرضه لضغوطات سياسية لبنانية"، فتدخل الحجار وفرض صلاحيات المدعي العام التمييزي الواسعة، وأعاد توقيف المدعو طويل واحتجزه، وطلب ملف استرداده من فرنسا. وأفادت مراجع قضائية بارزة في حديث خاص لـ"المدن" أن إجراءات الحجار القضائية هي رسالة واضحة للجسم القضائي، بأنه لن يسمح بأي تجاوزات قضائية، وكأنه يقول "القرار لي".
هذا، وعلمت "المدن" أن التفتيش القضائي استمع خلال الأيام الماضية للقاضي غسان الخوري للاطلاع على الأسباب التي دفعته إلى إخلاء سبيل تاجر المخدرات عبدالكريم طويل.
بالنظر إلى كل ما ذكر آنفًا، فإن المعطيات الحالية تنذر باحتدام الخلافات داخل أروقة قصر عدل بيروت. هذه الخلافات التي ستتحول لاحقًا إلى حرب بين المصالح السياسية الخاصة والرؤى السلطوية والتطلعات القانونيّة، ولا شيء حتى اللحظة يشي أن هذه الخلافات ستتوقف عند هذا الحد. فإرث عويدات لا يزال حاضرًا لدى الضابطة العدلية بكل ما يحيط به من علامات استفهام شعبية وقانونية وقضائية وسياسية. هذا الإرث الذي ساهم في توريط القضاء بخلاف عميق بينه وبين شطر واسع من المواطنين والرأي العام، وحاليًا بينه وبين أهل القضاء أنفسهم.
تعليقات: