ماذا لو اعتكف اللاجئون عن العمل في حقول البقاع ومصانعه وورش البناء؟ (Getty)
التقى وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بوحبيب، في البحرين، وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، على هامش اجتماع وزراء الخارجية العرب التحضيري للقمة العربية التي تستضيفها العاصمة البحرينية المنامة. ويأتي هذا اللقاء في وقت تكثّف فيه سلطات لبنان من إجراءاتها بحق النازحين السوريين غير الشرعيين في البلاد.
وفي وقت سابق من اليوم، أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية- سانا، عن وصول دفعة جديدة من النازحين السوريين العائدين من لبنان إلى البلاد عبر معبر جوسيه بريف حمص. ولفتت وكالة سانا، إلى أنّه تم عند المعبر تقديم الخدمات الصحية لهم واللقاحات اللازمة للأطفال.
"شدة وتزول"
بعيداً عن المستوى السياسي هذا، وعن خبر عودة قافلة نازحين، فإن الذي يحدث في الواقع، يختلف كثيراً، ويوضح تعقيدات ملف اللاجئين السوريين.
على مدخل أحد مخيمات بلدة سعدنايل، في منطقة البقاع الأوسط، تجمّع عدد من الأطفال السوريين بانتظار الـ"توك توك"، الذي حُشروا فيه ليقلّهم إلى مدرستهم. بين هؤلاء كانت غنوة، طفلة بعمر 12 سنة تقريباً، تكشف أنها لجأت مع والديها وأشقائها الثلاثة إلى لبنان قبل سنتين فقط، بعدما أقاموا سابقاً مع جدتها في إدلب، حيث إضطروا أحياناً أن يناموا "من دون لقمة خبز". على رغم إقامتهم القصيرة في لبنان، وانتقالهم من بيت "لبن" إلى خيمة، تحدد غنوة بسهولة إنتماءها إلى المكان الذي أمّن لوالدها دخلاً يومياً يسمح بإعالتهم وتعتبر انها ستكبر فيه. وبالتالي، تجزم بأن والديها لن يكونا راغبين بالعودة إلى سوريا. تقول "هونيك ما في شي"، كاشفة أن المطالبات بإعادة السوريين إلى بلادهم لا تخيف ذويها، بل هم يعتبرونها "شدة ورح تزول".
خلافاً لحركة الأطفال على أبواب المخيمات في يوم مشمس تتحضر فيه الأرض لتغدق بخيراتها، تبدو مخيمات النازحين منذ أيام بحالة هدوء. تعيد إحداهن ذلك لكون معظم الناس "تبرك" (بمعنى تتلطى) في خيمها بانتظار تراجع عاصفة المداهمات والتوقيفات، التي تنفذ من ضمن حملة واسعة أوكلت لجهازي الأمن العام وأمن الدولة، والتي تستهدف بشكل أساسي المقيمين بشكل غير شرعي، أو الذين ليس لديهم أوراق ثبوتية وإجازات عمل رسمية. تقول السيدة التي التقيناها: "بمثل هذه الظروف أفضل شي نبقى بخيمنا"، معربة عن اعتقادها بأن كل الأمور ستعود إلى ما كانت عليه قبل الجريمة التي حصلت (في إشارة إلى جريمة قتل باسكال سليمان)، لتضع جزءاً كبيراً من الحملة المثارة بوجه النازحين في إطار رد الفعل الذي يحاول امتصاص النقمة. جازمة بأن من ارتكبوا الجريمة أساءوا للسوريين كما للبنانيين، وصعّبوا ظروف إقامتهم في هذا البلد بشكل أكبر.
"زوبعة في فنجان"!
نسأل عدداً ممن التقيناهم ما إذا كانوا يتابعون ما يتردد عن تحرك السلطة السياسية اللبنانية لتأمين عودتهم الطوعية الآمنة إلى بلادهم، فلا من مهتم. بينما يسترسل أحدهم ليخبرنا "بأن اللبنانيين يدركون جيداً بأن قرار العودة ليس بيدهم". وربما هذا ما يخلق الراحة في المجتمعات النازحة البعيدة عن المناطق التي شهدت تحريضاً بوجههم، معتقدين بأن الضجة المثارة ليست أكثر من جعجعة من دون طحين. ومع ذلك يعرب البعض عن عدم ممانعتهم للمغادرة، إنما شرط أن يكون ذلك لبلد ثالث غير سوريا، ربما يقود الضغط المتصاعد لوصولهم إليه.
لا تترك إذاً الضجة الرسمية المثارة حول ملف النزوح السوري منذ أسابيع، ترددات واسعة داخل مجتمعات النازحين، أقلّه بالنسبة لمن يقيمون في قرى البقاع. فما يجري بالنسبة لهم "زوبعة في فنجان". وخاتمة الجدل كما يقولون، ليست بما تشتهيه الجهات التي تقود الحملات، ولا بما قد يتخذه نواب لبنان أو وزراؤه من توصيات. فالقرار كما يرونه هو أولاً بيد المجتمع الدولي والنظام السوري، وكلاهما لا يبدو حتى الآن منفتحاً على المطلب اللبناني بترحيلهم.
البيئة المرحبة
إنطلاقاً من هذه القناعة، لم تكتسب قافلة النازحين التي حملت 300 نازح إلى بلدهم سوريا فجر الثلاثاء، أي بعد بالنسبة للمتلطين بمخيماتهم. فعودة هؤلاء منفصلة عن كل الحملة المثارة كما تبين لهم، وقد جرى التحضير لها قبل أشهر طويلة، حتى أنه جرى التمهيد لها منذ شهر شباط الماضي. وإنما الإعلان عنها في هذا التوقيت بالذات ربما يأتي في إطار البحث عن "تنفيسة" لامتصاص الضغوط الشعبية المتوازية مع الحملات السياسية.
يضع بعضهم الحملات الأمنية المنظمة، سواء أكانت على شكل مداهمات لبعض المخيمات، أو تشميع لبعض المؤسسات التي يشغلها النازحون، في إطار هذه التنفيسة للإحتقان السائد أيضاً. ويذكر هؤلاء بسلسلة حملات مشابهة نظمت في فترات سابقة، إنتهت إلى مزيد من التوسع في المؤسسات التي يشغلها أو يديرها السوريون. ومن دون أي محاولة لاستفزاز المجتمعات التي تستضيفهم، يذكّر هؤلاء بأن توسع السوريين في بعض الأعمال الحرة لما كان متاحاً لولا البيئة المرحبة التي وجدتها في المجتمعات التي توسعت فيها. فيما يسترسل أحدهم ليتحدث عن نزعة للابتعاد عن الإنتاجية لدى بعض اللبنانيين، جعلتهم يسعون وراء المداخيل السهلة التي يمكن أن تتوفر جراء تأجير بعض المواقع أو تلزيمها لنازحين.
ماذا لو أضرب اللاجئون؟
إنطلاقاً من هذه القناعات، يصبح ما يتردد على المسامع حول كون "وجود النازحين في لبنان أفاد اللبنانيين أكثر مما ألحق بهم الضرر، وفي كثير من النواحي" أكثر وضوحاً. إلا أنه لدى محاولتنا فهم الخلفيات التي تنطلق منها هذه القناعات، تمدد الحديث عن الدور الذي لعبته كثافة اليد العاملة ومضاربة غير الشرعية منها للشرعية، وتسببها في تخفيض كلفتها، وخصوصاً بالنسبة للعمالة السورية في الأراضي الزراعية والمشاريع الإنشائية، إلى ما يشبه "التحذيرات" مما يمكن أن تؤدي إليه زيادة الضغوط على السوريين، من حركة احتجاجية قد تنتهي باعتكاف جماعي للقوى العاملة، وحينها يقول أحدهم "لنرى من يمكنه أن يتحمل من أهل البلد عمل الفعالة، أو يقبل بأجورها المتدنية."
يستدرك هؤلاء الأمر بالتأكيد على رفض اللجوء إلى ابتزاز اللبنانيين عبر مقاطعة حصاد الإنتاج الزراعي على أبواب المواسم الزراعية. إلا أنهم في المقابل يرفضون أيضاً تحميلهم كل تبعات الأزمات التي يمر بها هذا البلد. ومع تأكيدهم بأنهم يتمنون تعافي سوريا بأسرع وقت ليعودوا إليها، يرفضون في المقابل بأن يرموا بالمجهول في بلدهم. وما هو مطلوب بالنسبة لهم كما يقولون، هو ما يفترض أن يكون مطلب اللبنانيين أيضاً، أي أن تقوم الدولة بدورها كما يجب، فتعاقب المرتكبين، وتمنح الفرصة للمقيمين غير الشرعيين كي يسووا أوضاعهم، وتنظم العمالة بما يمنع احتكارها، أو تشغيل أي شخص لا يحصل على أذونات العمل، وبالتالي معاقبة المشغل اللبناني أسوة بملاحقة العامل الذي يشغله. ويقترح البعض إلغاء شرط الكفيل المطلوب، ومنح الأذونات المباشرة لطالبيها، متوقفين هنا عند المداخيل التي يمكن أن تتحقق لخزينة الدولة جراء رغبة الكثيرين بتشريع أوضاعهم. بهذه الطريقة يرى هؤلاء، يمكن أن يرتاح اللبنانيون والسوريون، فلا يؤخذ الصالح بذنب الطالح، ولا يعاقب من لا ذنب له بتجريده من إنسانيته، أو رميه في مصير مجهول ببلده، أو بين أيدي نظام يستخدم شعبه كورقة إبتزاز بوجه المجتمع الدولي أو حتى بوجه السلطات اللبنانية، من دون أن يظهر حتى الآن نيّات حسنة تجاه استعادة نازحيه، أقلّه من خلال تخفيض سنوات الخدمة الإلزامية التي تشكل مطلباً متكرراً لدى هؤلاء..
تعليقات: