مطران صيدا ومرجعيون للروم الأرثوذكس الياس كفوري
يرتبط الدين والسّياسة أحدهما بالآخر ارتباطاً وثيقاً لسبب وجيه أنّ من يتعاطاهما هو الإنسان نفسه فالإنسان خُلِقَ ليسوس العالم، لذلك فالسياسة جزء من الدين وجانب من الدين فيه سياسة. ولكن نحن في الكنيسة ورجالها لا نتعاطى السياسة، أي لا نتدخّل في متاهات السياسة بالمعنى الفنّي للكلمة ولا نتكتّل مع فريق ضدّ آخر.
فمثلاً لا نخوض الانتخابات ونحن نتعاطى السياسة كشأن وطني. فالكنيسة توجّه السياسيين والرأي العام من أجل أن يعمل لخير البلد ولخير الناس كل الناس. وبالطبع لنا رأي في السياسة على الأقل كمواطنين.
تسخير التكنولوجيا للخدمة
يبدو أن تطوّر الأمور بالنسبة إلى الإنسان جعله يقول لكل إنسان دينه، أما نحن المؤمنون، فإننا نتعاطى مع العلم والتكنولوجيا وكلّ الأمور التكنولوجية بصفتها وسائل مسخّرة لخدمة الإنسان «فماذا ينفع الإنسان لو ربح نفسه وخسر العالم» يضاف إلى ذلك أنّ الإنسان مهما اخترع وطوّر العالم لا يمكنه أن يجاري الخالق بذلك فإنه وحده الذي يخلق من العدم. إن العقل عطيّة من الخالق وما يعمله الإنسان يعمله بالقوة الإلهية الكامنة سبحانه. هناك الكثير من العلماء الذين مجّدوا الخالق بعد انتهائهم من إنجازاتهم العلميّة لأنّه من أوحى لهم بما يعلمون يقول بولس الرسول: «العلم ينفخ والمحبّة تبني». لا يوجد دين خارج الإنسان، الدّين هو تجسيد الإيمان بالخالق عز وجّل في حياة الإنسان، فهؤلاء إن كانوا يعبدون علمهم أو فكرهم أو ثقافتهم فهم يعبدون الأوثان.
دور رجال الدين؟
* ما هو دور رجالات الدّين في إنتاج مجتمع آمن وحيوي يتمتّع أبناؤه بالسعادة والطمأنينة والعيش الكريم؟ وأين هذا الدّور؟
- عندما نقول دور الدين نعني دور الخالق، والإنسان لا يرتاح إلا في حضرة الخالق. أي الإنسان يرتاح مع ربه. والخالق أراد للإنسان أن يحيا بسلام وهدوء وكرامة لأنه هو مرجع الإنسان في النهاية. يقول بولس الرسول: «لن ينفذ الإنسان بعلمه وحكمته ولكن بالمسيح أو بإيمانه بالله». فدور رجال الدين مهم جداً لأنّهم يوجّهون. لكن مع الأسف هناك بعض رجال الدين يلعبون دوراً سلبياً باستخدامهم الدين للتحريض والاستفزاز وقمع الآخر ومحاولة التخلّص منه بينما دور رجال الدين الحقيقي، يجمّع ولا يفرّق ويربّي الإنسان على جمع ومحبّة الآخرين وعلى أنّه خادم للنّاس وليس سيّداً عليهم. لذلك قدّرت تقديراً عالياً دعوة فخامة رئيس الجمهورية من أجل عقد قمّة روحيّة في القصر الرئاسي وتوجيه الرأي العام من أجل المصالحة والتسامح لأن الإنسان أخو الإنسان إن أحب أو كره.
البيت – المدرسة – الدين
* باعتقادك ما هي الأسباب المانعة لنشر المفاهيم والمبادئ والأحكام العامة للأديان (في قواسمها المشتركة) المساهمة في تقويم وتطوير السلوك الفردي؟
- نحن نحاول كرجال دين ومرجعيات روحية أن نبرز القواسم المشتركة بين الأديان السماوية وخصوصاً في الإسلام والمسيحية وهي كثيرة جداً المشترك بين هذين الدينين ومن يرى غير ذلك يكن جاهلاً. فالمسيحية والإسلام عاشا معاً 1429 سنة بسلام وطمأنينة ولم يعكّر صفو هذه العلاقة إلا بعض التدخلات الأجنبية مثلاً: ابتداءاً من «الصليبية» مروراً بزرع إسرائيل في المنطقة وصولاً إلى ما نحن بصدده في هذه الأيام، المسيحية والإسلام يدعوان إلى المحبة والرحمة والمسامحة وإغاثة الملهوف وكل من يعتدي على إنسان آخر، خصوصاً إذا كان أخاً له في الوطن فهو يعتدي على الله. لا يوجد سبب للخلاف بين مسلم ومسيحي على الإطلاق على أساس ديني والقرآن الكريم يقول عن المسيح والسيدة مريم أجمل ما قيل في العالم. فدور المدرسة والبيت والكنيسة والجامع أساسي ومهم في هذا المضمار ونتمنّى على الأجيال الناشئة أن تقتدي بنا. في اجتماعنا كل يوم وليس هناك ما يفرّق فالكلّ يعبد الله، ويلبس ويفكر كما يشاء، وعلى طريقته وفي النهاية فنحن نركب مركباً واحداً فإنّ أن ننجو أو نغرق معاً.
مع العلمنة والعلمانية
* بعض اللبنانيون يطالب بتطبيق مبدأ العلمنة كأساسي في بنية النظام الاجتماعي، فما الفرق بينهما وبين القواعد الدينية وخصوصاً في مجال التشريع لمعالجة أمور المواطن المادية والمعنوية والاجتماعية؟
- العلمنة قد تعني الإلحاد وكلمة علماني قد تعني ملحد، أما إذا كان المقصود فصل الدين عن الدولة قدر المستطاع فلا يمكن فصل الواحد عن الآخر حتى في المسيحية، فالكنيسة مع نظام حكم علماني أو مدني على أن يصل ذوو الكفاءة من كل مركز في الدولة إلى تخفيف العبء الطائفي عن الدولة: أقلّه بإلغاء طائفية الوظيفة في المراكز الصغرى، فتحديد طائفة الموظف ظلم للكثيرين. وفي أحيان كثيرة تحول الصّفة الطائفية دون الوصول إلى المركز المناسب. لأن في لبنان توازناً طوائفياً متوازناً ودقيقاً جداً.
المقاومة حق والوطن هوية
* كيف تنظرون إلى علاقة الأديان بالمقاومة كمفهوم؟ وكيف يتوحّد ذلك مع الهوية الوطنية للشعوب؟
- كلّ شعب يقاوم من يعتدي عليه ومقاومة الأعداء والوقوف في وجههم واجب وطني على الجميع. أما في لبنان فعلينا أن نقاوم كل الاعتداءات الخارجية معاً يداً واحدةً وصفاً واحداً لنحافظ على كرامة الوطن وعلى خصوصية شعبه وتنوّعه.. ونقول إن الانتماء إلى الوطن هو المهم. فعلاقة الإنسان بخالقه شيء شخصي وموجود لأن الإنسان في حالة صلاة دائمة. أما المجتمع فيجب ان يعطي الأولوية للوطن وليس للطائفة فلبنان يأتي أولاً وبعده كل الانتماءات الأخرى. فكلنا لبنانيون: مسيحيون ومسلمون، لا يجوز أن نغلب هوية على أخرى مهما كانت أهميتها فهويتنا لبنانية وانتمائنا للوطن. ومن هنا نلتقي بتوجهاتنا مع كل وطني، مع كل من لا يقيم وزناً لعلاقة أخرى فوق الانتماء للبنان. في النهاية ارتباطاتنا وعلاقاتنا بالخارج تحترم ولا شك فلكل منا ارتباطه بالخارج ولا يجوز أن هذا على علاقتنا بوطننا وخدمتنا لشعبنا. فاللبناني أقرب إلى اللبناني من أي إنسان آخر خارج لبنان. وهنا تلتقي توجهاتنا مع توجهات كل اللبنانيين الذين يعتبرون لبنان وطناً نهائياً لكلّ أبنائه. هذا الأمر بات ثابتاً في اتفاق الطائف. ولا يجوز أن نفكر غير ذلك. ولبنانيتنا تجمعنا معاً.
تعليقات: