القاضية غادة عون
بإمكان القاضي في الجمهورية اللبنانية أن يستزلم لسياسيّين وأن يتقاضى رشى ويقدم استشارات قانونية لمصارف ويصدر قراراً في دعوى وعكسه في دعوى أخرى، وأن يستقبل مهرّبي مخدّرات في مكتبه ومنزله أو يتردّد على مطاعمهم، وأن يخلّ بالآداب العامة، ويتنعّم بثروات وفلل وسيارات، ويسافر على نفقة رجال الأعمال وفي طائراتهم الخاصة، ويكدّس دعاوى المودعين في الجوارير، و«يقبل» مسدّساً مذهّباً من هذا، وأكثر من 200 ألف دولار من ذاك... لكن، لا يمكنه الادعاء على رئيس وزراء أو حاكم مصرف مركزي أو مدير عام أو صاحب مصرف. في الحالة الأولى، إذا كان الملف متماسكاً ومحرجاً فسيُطلب من القاضي تقديم استقالته. وفي الحالة الثانية، ستُشنّ عليه حملات تخوين وترهيب وتخويف، وإذا ما ردّ أو فكّر بالردّ يُحال إلى التأديب!بعد الادعاء على القاضية غادة عون أمام المجلس التأديبي الذي يرأسه رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود، صدر قبل نحو عام قرار بطردها. اعترضت عون وفق القانون، ليصار إلى «تنييم» الاستئناف نحو عام، لتبقى الأمور تحت سقف «لا غالب ولا مغلوب»، بما يحفظ كرامتها وكرامة عبود. ولكن، مع تحريك عون مجدداً ملفات المودعين واستدعائها أصحاب مصارف، استنفر عبود ليبتّ بنفسه طلب الردّ الذي تقدمت به عون لكفّ يده عن البت في الملف كونه خصماً لها (وهو ما يحصل في كثير من الشكاوى)، وحدّد جلسة غداً للنظر في استئناف الطرد الذي تقدمت به عون. ولأنه لا ينبغي تضييع مزيد من الوقت في انتظار شباط 2025 موعد بلوغ عون سن التقاعد، ولأن عون لن تفعل في الأشهر الثمانية المقبلة للمودعين ما لم تفعله في السنوات الثماني الماضية، فلتُطرد اليوم من هذا الجسم النظيف الجريء؛ وليفعل عبود ما يمليه ضميره حيال هذا «المرض» الذي تبيّن أنه غير معد. وليطمئن بأن أكثرية شعبية مطلقة تؤازره وتؤيده في عدم رغبته بتدقيق جنائي أو استعادة الودائع والأموال المحوّلة إلى الخارج ومحاسبة المسؤول عن سرقة أموالهم إذا كان هذا سيحصل عن طريق غادة عون. أما تلك المجموعة الصغيرة ممّن يلتفّون حولها ويؤازرونها فلا يستحقون أدنى اهتمام، ولا ينبغي أن يُحسب لهم حساب. فليفعل عبود، سريعاً، ما يلزم: كل التلفزيونات معه، كبار الإعلاميين، كبار المصرفيين، كل ما ومن يدور في فلك رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي ادّعت عليه لحصوله على 35 مليون دولار من مصرف الإسكان، وكل المستفيدين لعقود طويلة من صناديق الكازينو السوداء، وكل المتعهدين الذين أقلقت راحة إمبراطورياتهم، وكل المستفيدين من التحويلات الضخمة التي أفرغت خزائن المصارف، وكل أصحاب المصارف، وشركات استيراد النفط، ومافيات النافعة وغيرها... كل هؤلاء، بما لهم من نفوذ في السلطة والإعلام والأعمال، يؤيدون سهيل عبود، ومعهم وأمامهم المرجعيات الروحية التي لم تفهم يوماً «وقاحة» عون في تجاوز الخطوط الحمر، والمرجعيات الأمنية التي تشكل جزءاً لا يتجزأ من منظومة السلطة والمال، وكل الزعماء السياسيين من الرئيس نبيه بري إلى وليد جنبلاط وسعد الحريري وسليمان فرنجية والقوات اللبنانية والكتائب والتغييريين والمستقلين... وحتى وزير العدل العوني المفترض هنري خوري معك، ويقول لك إن القاضي إيلي حلو ينتظر في مكتب الوزير تعيينه بديلاً منها.
اطردها، وانتقم لرياض سلامة ولكل من ارتدعوا للحظات ظنّاً منهم بأن صفحة جديدة يمكن أن تفتح في هذا البلد. اجعلها عبرةً بأن التطاول على «المنظومة» أو الاقتراب منها ممنوعان. كرّس معادلة: من يقترب من فاسد يدفع الثمن. لا تفسح المجال لتسويات تبقيها في مركزها حتى التقاعد لتأخذ حقوقها كاملة؛ اطردها فلا تحصل على تقاعد وتحرم من التغطية الصحية وسائر التقديمات ولا تجد مستشفى يستقبلها. اشهر سيف المنظومة واضرب به؛ قل إنك قاضي المنظومة، فيتعاملون بجدية أكبر مع ترشيحك المفترض إلى رئاسة الجمهورية. اللحظة لحظتك: هي بطلة، لكن كرّس بطولتها بتوقيع منك. أدخلها التاريخ. افعلها غداً، لا بعده.
رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود
تعليقات: