على وقع مستجدات اليوم وأبرزها "اختناق طرابلس بدخان النفايات" و"أزمة النفايات قنبلة موقوتة مع توقف معظم معامل المعالجة" ووسط حضور وتفاعل كبيرين، عقد تحالف متحدون صباح اليوم في مركز رشيد كرامي الثقافي البلدي – قصر نوفل "المؤتمر الصحافي العلمي" المتخصص الذي ضمّ حشداً جامعاً من فعاليات وأهل طرابلس والشمال المعنيين والمهتمين بالحلول المطروحة لأزمة نفايات المدينة سيّما ما يخص مكب طرابلس كما وأزمة نفايات المنية الضنية وسائر الشمال، حيث جرى بإشراف فريق من الأخصائيين البيئيين والاقتصاديين يتقدّمهم البروفيسور راجي درويش والناشط سمير سكاف عرض لنتائج أعمال "الطاولة المستديرة" التي انعقدت في منتدى الرابطة الثقافية في ٢ آذار المنصرم، مستكملة مراحل وخطوات "مؤتمر طرابلس البيئي" الذي انعقد في ١٣ آذار ٢٠٢٣ في قاعة مسرح رشيد كرامي في طرابلس، وبذلك لا يبقَ سوى مرحلة "الجدوى الاقتصادية المتكاملة" المزمع تنفيذها لتبنّي الحلول النهائية المجدية وتطبيقها.
استُهل المؤتمر الساعة العاشرة والنصف صباحاً بتسجيل الحضور، بمشاركة النائب السابق رامي فنج، باسيل الحاج ومحمد زيادة ورجاء هرموش وماجد عيد عن النائب أشرف ريفي، ميرنا يوسف ومحمد نور الأيوبي عن بلدية طرابلس، الرئيس الأسبق لاتحاد بلديات الفيحاء أحمد قمر الدين، رئيس حزب البيئة ضومط كامل، المختار محسن بارودي، خالد العدس عن اتحاد الشباب الوطني، عبد الرزاق عوّاد عن كشافة الغد، محمد نعمان عن شباب المشاريع، عمر كبارة عن ملتقى الشباب، رودينا بكور عن ديوان طرابلس، عادل الكرك عن جمعية مبدعون، الصحافي والمستشار الإداري في نقابة ممثلي المسرح والسينما في الشمال كمال المصري، السادة النقابيين والمحامين والصحافيين والناشطين نعمة محفوظ وباسم عساف وعتيبة مرعبي وأحمد ستيته وسارة قبطان ونور الهدى غريب بالإضافة إلى جمعية الأرجوان الاجتماعية وناشطين بيئيين وآخرين.
افتتح اللقاء بالنشيد الوطني اللبناني وبتوزيع نسخ عن التقرير العلمي للمؤتمر على المشاركين، تلاه مقدّمة للناشط البيئي سمير سكاف ثم مداخلة للمحامي جورج خاطر انتهاء بالفقرة الرئيسية للمرجع البيئي والاقتصادي راجي درويش، كانت من بعدها مداخلات وحلقات نقاش وسؤال وجواب انتهت قرابة الثانية عصراً.
سكاف
بعد ترحيبه بالحضور، عرض الناشط سكاف لمحطات مهمة في السنوات الثلاثين المنصرمة من المعضلات التي أنتجت أزمة النفايات في طرابلس والشمال وكل لبنان، آتياً على ذكر "الأفخاخ والعوائق" التي يجب تجنّبها وفي مقدمتها إعادة النظر في عقود الشركات المتعهدة بما يشجّع على الفرز من المصدر والتدوير، ومؤكداً على ضرورة "التعاون المناطقي" عن طريق البلديات واتحادات البلديات وتضافر كل الجهود لحل هذه الأزمة المتمادية والتي تزداد تفاقماً كل يوم من دون أفق للحل بسبب الفساد المستشري وسياسات المحاصصة التي لا تأبه إلا للتنعّم بالمنافع المادية على حساب حياة وصحة وبيئة الناس.
كما أشار سكاف إلى عدم جدوى ما تحاول وزارة البيئة ومن خلفها مجلس الإنماء والإعمار تبنّيه وتمريره من مشاريع غب الطلب تفتقر إلى الاستدامة، حيث أن فشلها يعود إلى اجتزائها للمشاكل وعدم التصدي لها بشكل متكامل، محذراً في الوقت عينه من رمي الكرة كلياً في ملعب المجتمع المدني الذي لا يمكنه أن يحلّ أبداً محل الدولة وأجهزتها المعنيّة والمسؤولة، لافتاً إلى العمل الحثيث والمتواصل مع تحالف متحدون في هذا المجال على مدى السنوات السبع الفائتة.
خاطر
بدوره ركّز المحامي خاطر على المسار القضائي الحالي بالتوازي مع طرح الحلول والقائم على مبدأ "الملوث يدفع" وفق قانون حماية البيئة ٤٤٤/٢٠٠٢ سيّما المادتين ٥١ و٥٢ منه، اللتين تنصان على أن "كل انتهاك للبيئة يلحق ضررا بالأشخاص أو بالبيئة يسأل فاعلوه بالتعويض وهم ملزمون باتخاذ كل التدابير التي تؤدي إلى إزالة الضرر على نفقتهم الخاصة".
كذلك شدّد على أن مجلس الإنماء والإعمار ووزارة البيئة هما أساس الفساد البيئي، مذكراً بمد اليد لوزارة البيئة مراراً لكن دون جدوى بسبب طابع المحاصصة والصفقات المتحكم بعملها، ما نتج عن الاجتماع بالوزير ناصر ياسين ووعوده التي لم تلقَ طريقها إلى التنفيذ، ومن قبله الوزير دميانوس قطار الذي كان صريحاً عندما أرسل كتاباً للجهات القضائية التي تتابع دعاوى النفايات لتحالف متحدون معترفاً بأن الوزارة "ليس لديها القدرة على إنجاز دراسة الأثر البيئي"، حيث تساءل خاطر عن "علة وجودها إذاً"!
وختم خاطر بالقول "فاقد الشيء لا يعطيه وكفى استخفافا بعقول أهل طرابلس"، مشيراً إلى أن المعيب هو استمرار البنك الدولي والجهات الدولية المانحة بتمويل الوزارة ومجلس الإنماء والإعمار رغم الادعاء عليه من قبل القضاء بالبراهين والأدلة الثابتة، مستنداً إلى رد الناشطة البيئية رنا فتال أثناء استضافة المجلس في بلدية طرابلس، أن "لا ثقة بمجلس الإنماء والإعمار وأن الإشراف على المشاريع يجب أن يتم من جهات خارجة عن سطوته"، منوّهاً بالتجربة المشجعة حتى الآن مع قاضي التحقيق الأول في الشمال سمرندا نصّار ومحذراً من أي محاولة التفاف على التحقيقات سيجري التصدّي لها بحزم.
درويش
تولّى البروفيسور درويش، المستشار الاقتصادي والمدرّب الأعلى المعتمد للموارد والاقتصاد البيئي، عرض الفقرة الرئيسية للمؤتمر التي تضمّنت نتائج التقرير العلمي المعد من قبله بعنوان "إدارة النفايات الصلبة وخطط إعادة المياه في طرابلس، إعادة تدوير النفايات إلى أصول؛ المرحلة الثانية: إيجاد الحلول من الداخل وفق خلاصة الطاولة المستديرة؛ من الناس - إلى الناس - بواسطة الناس"، الذي جرى تزويد المشاركين به وتحميله على موقع التحالف.
ركّز درويش على أن الهدف الرئيسي لاستراتيجية الإدارة المتكاملة هذه، في مرحلة نضوجها، هو الوصول إلى "صفر نفايات" إن تلك الصلبة أو مياه الصرف الصحي، حيث استندت "الوثيقة النهائية" للمؤتمر على هذه الاستراتيجية وتم تطويرها إلى مراحل واقتراح تنفيذها بشكل تدرّجي. وأشار إلى أن "التخطيط والإعداد لهذه الخطوة استهلك ما يقرب من تسعة أشهر وتنفيذها ما يقرب من ثلاثة، إذ جرى استخدام المقابلات مع أهل الشأن في استبيان غير رسمي للوقوف على وجهات نظرهم الخاصة، بموازاة وضع استبيانات رسمية استهدفت كيانين اقتصاديين في طرابلس: الكيانات المنزلية، ومطاعم الوجبات السريعة، مضيفاً بأن حجم العيّنة تعدّت الخمسمائة مستجيب مع استفاضة في البحث الذي اشتمل على طبقتي الدخل المرتفع والدخل المنخفض ومن ضمنها اللاجئين السوريين والفلسطينيين.
كذلك حذّر وفق الاستطلاعات الناجزة من تدهور الوضع بشكل خاص في المناطق الشمالية ومن تهديده البالغ للصحة العامة ومن زيادة التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية، مستنداً أيضاً إلى العديد من الدراسات التي تفيد بأنه يتم إنتاج ما معدله ٦،٥٠٠ طن من النفايات المنزلية الصلبة يومياً في جميع أنحاء لبنان، منها ما يقرب من ٥٣ بالمئة مواد عضوية و٣٧ بالمئة ورق، كرتون، بلاستيك، حديد، زجاج، و١١ بالمئة عوادم ومواد أخرى. هذا بالإضافة إلى إنتاج ما معدله ٥٠،٠٠٠ طن من النفايات الصلبة الخطرة سنوياً، بما في ذلك النفايات الصناعية الكيميائية الخطرة، النفايات الإلكترونية، الأدوية منتهية الصلاحية، نفايات المؤسسات الصحية، الزيوت والإطارات والبطاريات المستعملة، مع زيادة الملوثات العضوية الثابتة في قطاع الطاقة ونفايات المسالخ ونفايات البناء، وفق درويش.
وختم بأن الوضع الراهن مع التوسع الحضري السريع والنمو السكاني قد أدى إلى زيادة الضغط الهائل على البنية التحتية الحالية، مما انعكس عدم كفاية معالجة مياه الصرف الصحي التي غالبا ما تجد طريقها إلى المسطحات المائية فتلوّث مصادر المياه السطحية وتسبب مخاطر صحية جسيمة تبعاً لانتشار الأمراض التي تنقلها المياه مثل الكوليرا وحمى التيفوئيد، وعلاوة على ذلك الإضرار بالنظم البيئية المائية والإخلال بالتنوع البيولوجي والتوازن البيئي.
تعليقات: