الخيام سد جبل عامل (Getty)
هي "أجمل الأمهات" والدردارة والسهل والدبكة "الخيامية"، والمعتقل والمتحف والشهداء، من الطبيب شكرالله كرم إلى الشهيد رافع حسان، وما قبلهما وبعدهما. وهي جارة فلسطين "المطلة"، تمتد حدقات عيونها إلى مثلث الجليل الأعلى وهضبة الجولان وغور الأردن.
إلى هذه الأسماء، يطن في هذه الأيام إسم آخر، هو "وادي العصافير"، يملأ الفضاءات، يخبر عن غارات شبه يومية للطائرات الحربية الإسرائيلية، تنال من عشرات البيوت الجميلة، لتحولها إلى أثر بعد عين.
أطلق في سابق من الزمن على الخيام "سد جبل عامل"، نظراً إلى موقعها الجغرافي والديمغرافي، فهذه البلدة- المدينة الجنوبية، في قضاء مرجعيون، تستلقي عند المطلة وإبل القمح وإبل السقي وكفركلا ودبين وغيرها. تحضر بشعرائها ومرجعياتها الدينية والسياسية، وتنوع نسيجها السكاني وماء الحياة فيها "نبع الدردارة"، الذي نشأت حوله الخيام في القرن الثامن، قبل بدء أهلها بالانتقال إلى الأعالي، التي يلامس ارتفاعها 750 متراً عن سطح البحر.
قبل أكثر من ستين عاماً، اختار أبناء الخيام، الذين يشكل الشيعة أكثر من تسعين بالمئة منهم حالياً إلى جانب عشرة بالمئة من المسيحين، رئيساً مسيحياً لبلديتها، هو الطبيب شكرالله كرم، والد وزير الصحة الأسبق كرم كرم، والذي اغتالته إسرائيل وعملاؤها، خلال اجتياح البلدة في آذار 1978، وارتكبت مجزرة بحق أهلها العزل، فسقط منهم 41 شهيدة وشهيداً.
عشرة شهداء
الخيام، التي يربو عدد أبنائها المسجلين في قيودها على 35 ألفاً، بينهم نحو عشرين ألف ناخب، انتخبوا 21 عضواً في مجلسها البلدي، الذي يترأسه حالياً المهندس عدنان عليان، بعد وفاة الرئيس علي عبدالله، و12 مختاراً.. وهي تكمل مسيرة العطاء والدم. فكان أول الشهداء من أبنائها، في حرب الإشغال والإسناد، المصور الصحافي الزميل عصام العبدالله، الذي سقط على أرض علما الشعب. وقد وصل عدد شهداء الخيام إلى عشرة شهداء، عدا الذين من غير أبنائها الذين سقطوا على أرضها، ومنهم مؤخراً ثلاثة شهداء من حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين.
غنّى الفنان مارسيل خليفة، "أجمل الأمهات" للشاعر الخيامي الراحل، الذي كان مسكوناً في مياه نبع "الدردارة"، حسن عبدالله، وغنّى الفنان أحد قعبور،
"يا رايح صوب الليطاني دخلك وصللي السلام
صبّح أهالي النبطية وطل شوية ع الخيام
وقلا أنه الحج محمد مشتاق لأهله ورفقاته
بحي السلم ما اتهنوا، اشتاقت عينه لتراباته
قلها عيونه نامت لكن صاحي قلبه ما بينام".
تلك هي أحوال الخياميين، الذين نزح معظمهم عن مدينتهم، ويصمد فيها العشرات، يتعايشون مع العدوان الإسرائيلي اليومي، على ساحتها وتلالها المشرفة على فلسطين.
أصيب بالقصف ولم يترك البلدة
مثله مثل هؤلاء الصامدين، يحرس المختار علي رشّيد، الذي ما يزال يعاني من آثار الإصابة جراء القصف الإسرائيلي، حارات الخيام الممتدة في كل صوب، التي تشتاق إلى أهلها، الذين توزعوا في مناطق النبطية وبيروت والبقاع، ينتظرون العودة إلى بيوتهم وأرزاقهم ومياه الينابيع فيها.
ويؤكد المختار رشّيد أن الاعتداءات الإسرائيلية على الخيام، أسفرت عن تدمير عشرات المنازل، التي لا يمكن إحصاؤها بشكل دقيق، بسبب وجود غالبيتها في الأطراف، وهي بيوت جميلة، شيدت مع التمدد العمراني في البلدة، بعد التحرير في العام ألفين.
وقال لـ"المدن"، إن مدينة الخيام قدمت عشرة شهداء من خيرة أبنائها منذ بدء العدوان في الثامن من تشرين الأول من العام 2023، كما أصيب عدد من أهلها وتضررت مؤسسات تجارية ومزروعات متنوعة. مشيراً إلى تلقي الصامدين في البلدة والنازحين على حد سواء، مساهمات مادية وعينية من حزب الله، وأيضاً حصصاً غذائية من مجلس الجنوب وجمعيات محلية ودولية والصليب الأحمر. وأنها لا تزال تنعم بالكهرباء والمياه، ويُزرع قسم من سهلها المشهور بخصوبة تربته.
ويذكر المختار علي رشّيد أن للخيام تاريخ حافل في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وعملائه. فقد تعرضت في شباط 1977 للاجتياح، وتحررت في نيسان من العام نفسه، على يد أحزاب لبنانية وفصائل فلسطينية. وأعادت إسرائيل احتلالها ضمن ما سمي بعملية الليطاني في 15 آذار العام 1978، فارتكبت فيها مجزرة وحشية ذهبها ضحيتها 41 فرداً من أهلها المسنين، أعدم غالبيتهم بالرصاص، وحُوّلت قطعة منها (ثكنة سابقة للجيش اللبناني)، إلى معتقل زج فيه آلاف الجنوبيين. فكان شاهداً على جرائمه وأشكال التعذيب بحق المعتقلين والمعتقلات. ثم تحررت مع جاراتها في العام 2000 بفضل دماء الشهداء وصمود الأهالي. مشيراً إلى أن إسرائيل دمرت في حرب تموز 2006 حوالى 1500 وحدة سكنية وتضرر الآلاف.
أربع كنائس
نقلت أعمال بلدية الخيام في الظرف الحالي، إلى أحد أقسام بلدية كفرتبنيت، في قضاء النبطية، لمتابعة الشؤون الإدارية للبلدة، وأحوال أهلها، سواء النازحين أو الصامدين.
ويشدد عضو المجلس البلدي، المربي فايز أبو عباس، الذي بقي في البلدة- المدينة، إلى أواخر الشهر الماضي، على أن الخيام حزينة بغياب أهلها القسري وسقوط العديد من أبنائها شهداء وتدمير عدد كبير من منازلها.
ويقول أبو عباس لـ"المدن"، إن الخيام خلت من أهلها تماماً بين العام 1977 و1983، بسبب أعمال القنل والتدمير الشاملة التي ارتكبتها إسرائيل والمتعاونون معها.
ويضيف، أن الخيام مدينة التعدد الفكري والثقافي والديني، حيث كان يشكل المسيحيون فيها حوالى عشرين بالمئة في سبعينيات القرن الماضي، كانوا يقيمون في الحارة الشمالية، التي يوجد فيها أربع كنائس للموارنة والكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت، لا تزال مرتفعة. لكن أعداد المسيحيين انخفض كثيراً.
تعليقات: