ايها العزيزان جو وبيبي.
يؤسفني أنني كنت أعاني منذ اللحظة التي إنتحرت فيها قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية من حالة إكتآب شديدة ، وأنا أحدِّث نفسي في عالم البرزخ الذي أعيش فيه ، منذ قدِمت إليه ، بأني سأكون رفيق إبليس بعد يوم الحساب ، في أسفل السافلين في قعر جهنم وإلأى الأبد ، وفيما أنا غارق في حالة الإكتئاب والتخبط ، وإذ بي أشعر بنسيمات باردات تلامسني في عالم البرزخ ، فنظرت إلى الجهة التي أتت منها تلك النسيمات ، فوجدتها آتية من عالمكما ، عالم الشهادة ، ولا أخفيكما أيها العزيزان ، بأن تلك النسيمات هزَّت كياني ، وأشعرتني بشيء من الإرتياح ، وبعض الأمل ، بعد أن كان قد غمرني اليأس وملأ وجودي ، أنا الذي لم يكن يخطر في بالي إطلاقاً ، أنه بعد ما يزيد على ثمانين عاماً من مغادرتي عالمكما ، أن يحصل مثل هذا التحول في عالم البرزخ الذي أحيا فيه بعد موتي ، ويعاد ترتيب تقييم مواقع أهل البرزخ في برزخهم حتى موقعي أنا حصل فيه تغير وإرتقاء ، بحيث عاد الأمل إلي بالشعور برحمة الإله التي أنا بأمس الحاجة إليها ، وقد حملني الفضول على أن أسأل أحد خزنة عالم البرزخ ، عن سبب التغير الهائل الذي حصل في عالم الشهادة في فترة غيابي عنه ، وكم كان جوابه صادماً لي ، حين قال " أيها الفوهرر ، إن الذي حصل بعد غيابك ، أنه جاء قومٌ إلى عالم الشهادة ، سبقوق في التسافل وإرتكاب الرذائل والجرائم الوحشية ، لدرجة إضطرونا فيها إلى إعادة ترتيب البشر المشورين في عالم البرزخ ، المؤسِّس لعالم ما بعد يوم القامة ، وأضاف خازن عالم البرزخ أنه لم يكن يتوقع هو ولا أحدٌ من زملائه الخزنة ، بأن يأتي بشرٌ إلى الحياة الأرضية ، بهذا المستوى من التفكير والمشاعر ، أو أناسٌ بهذا المستوى من التوحش والعجرفة والغرور ، أناسٌ إدَّعَوا ظلماً وعدواناً ، بأنك أيها الفوهرر أكثر الناس نازية وفاشية وعنصرية وظلماً وقسوة ، وإذ بهم يقيمون مستعمرات ، على جماجم المستضعفين الفسطينيين العزل ، ويبدؤون بإنشاء وطنهم الموعود بالإبادات الجماعية ، بعد أن إدعوا مصادرتهم لقرارات الإله الذي إختارهم من بين شعوب الأرض مخلصين ، وأباح لهم دون سواهم ، التمييز بين الحق والباطل ، وإبادة الشعوب الأصيلة في أرض فلسطين ، وطردها من أرضها ، وهتك أعراضها ، وتشريدها من بلادها ، وقتل وذبح نسائها وأطفالها وشيوخها " .
لذلك وجدت نفسي بعد أن أخبرني خازن البرزخ بعظيم جناياتكم وعدوانكم وغطرستكم وإجرامكم بحق الإنسانية ، ملزماً بكتابة رسالتي هذه إليكم ، لأدعوكما أيها العزيزان جو وبيبي ، وبقية المسؤولين والقادة الأميركيين والغربيين والصهاينة إلى أن نقارن بين أفكاري وأفكاركم وسلوكي وسلوككم ، ونترك للعقلاء من قرَّاء رسالتي إليكما ، أن يحكموا بيننا :
للأمانة التاريخية وللإنصاف ، علي بداية أن أعتراف بأني مذنب ومخطىء ومجرم ، لأني تسببت بقتل الملايين من بني البشر ، وأصدرتُ قراراتٍ تسببت بمظالم وفجائع كبيرة لأعداد هائلة من الناس الأبرياء ، ولكن للأمانة التاريخية وللإنصاف أيضاً ، عليكما أن تعترفا بأنكما لستما أقل سوءاً وقبحاً وتوحُّشاً وإجراماً مني ، ومن الذين تحالفت معهم في الحرب العالمية الثانية ، كيف لا وأنتم الذين طالما تشدَّقتم بأنكم حماة حرية وحقوق الإنسان في هذا العالم ، وأنكم أنتم حماة الحضارة الإنسانية من النازية والفاشية والديكتاتورية والتخلف والجهل ، وأنتم الذين ستحققون للإنسان أحلامه الوردية التي حلم بها منذ وجد على وجه هذه البسيطة ، لدرجة كِدتم فيها أن تُقنِعوا العالم بهذه الشعارات الجوفاء ، الخالية من أي معنى حقيقي قابل للتحقق ، نتيجة نفاقكم الإعلامي الذي فاق نفاق عزيزي جوزيف غوبلز ، صاحب الشعار الذي ثبت غباؤه وفشله ، وهو "إكذب ، إكذب ، حتى يصدقك الناس" ولكنكم أيها المنتصرون على نازيتنا وفاشيتنا وتوحشنا ، تكررون أخطاءنا وغباءنا وفشلنا وقصر نظرنا ، لدرجة بات معها من يستمع إليكم وإلى هاغاري وأدرعي يترحم علينا وعلى أساليبنا وأساليب غوبلز الحبيب ، في النفاق السياسي والإعلامي .
عزيزاي جو وبيبي ، أشكركما من عمق أعماق عالم البرزخ الذي أعيش فيه برفقة شياطين الإنس ، الذين خلقهم الله منذ فجر التاريخ ، ونحن بغاية الشوق لقدومكما إلينا أيها العزيزان ، لنؤديكما حقكما بالتكريم والتقدير ، لأنكما ورفاقكما في قيادة الأنظمة الليبرالية المتوحشة ، تسببتم بإرتقائنا درجة من قعر جهنم ، وحللتم مكاننا بكل جدارة وإقتدار ، كما تسببتم بإحتلال مكاننا في تصنيف البشر للأشرار من بني جنسنا ، وقمتم بفضح أنظمتكم ودولكم وشعوبكم ، الذين إرتكبوا الجرائم والإبادات الجماعية والإحتلالات الإحلالية والمحارق البشرية ، مع بدايات عصر الإستعمار الذي أدخلتم البشرية فيه ، منذ ما يقارب الخمس مئة عام ، والذي ما زالت البشرية تدفع أثماناً مرهقة له ، نتيجة الفجائع التي تسببتم بها لشعوب أميركا وأستراليا وأفريقيا وآسيا الأصليين .
واسمحا لي أيها العزيزان ، أن أطلب منكما ، أن تشعرا بالخجل ، وأن تتوقفا عن الإستثمار في سرديات محارق الهولوكوست في معتقلات هوتشفيز ، التي صارت تمثل نقطة في بحر محارقكم وإباداتكم الجماعية من هيروشيما وناكازاكي ، إلى غوانتانامو ، إلى العراق ، إلى فيتنام ، إلى أفغانستان ، إلى ليبيا ، إلى اليمن ، إلى سوريا ، إلى فلسطين التي إرتكبتم بحق شعبها ، أفضع الجرائم بحق الإنسانية ، وما زلتم ترتكبون أعظم عمليات الإبادة لشعب أعزل ، مستضعف ، محاصر ، تمكَّن بلحمه الحي زإرادته الأسطورية ، أن يواجه ترسانتكم المتوحشة ، وان يصمد في وجهها ، محوِّلاً تجربة صمود شعب ومقاومة غزة ، إلى نموذجٍ راقٍ ومشرِّف لطلاب الحرية في العالم ، نموذج فاق تجربة صمود ومقاومة السوفييت في ستالينغراد في الحرب العالمية الثانية ، لذلك أنصحكما أيها العزيزان بالإنتحار كما فعلت أنا ، عندما أيقنت فشل رهاناتي الخائبة ، وإلا فإنكما ستواجهان مصير عزيزي بنيتو موسوليني ، الذي ظل متمسكاً بكرسيه حتى أعدمه شعبه شنقاً بأقدامه ، في الساحة التي طالما خطب فيها ، واعداً شعبه بأنه هو الذي سيعيد لهم مجد الإمبراطورية الرومانية التليدة .
عزيزاي جو وبيبي ، لن أقول لكما وداعاً ، بل أقول من كل قلبي " إلى اللقاء".
ع.إ.س.
باحث عن الحقيقة.
19/05/2024
تعليقات: