رميش والقوزح: التبغ والكنيسة بجوار فلسطين

غالبية أهالي رميش يعتمدون على زراعة التبغ (Getty)
غالبية أهالي رميش يعتمدون على زراعة التبغ (Getty)


رميش والقوزح: التبغ والكنيسة بجوار فلسطين

تتشابه أوضاع البلدات والقرى الحدودية في زمن الحرب، مع بعض الاستثناءات التي يفرضها الواقع السكاني والبيئة السياسية، التي تجعل من بعض البلدات أقل انخراطاً في المعركة الدائرة بين حزب الله والعدو الإسرائيلي، وأيضاً أقل نزوحاً وأضراراً في البيوت على وجه التحديد، من دون أن يعفى زرعها من الخسائر والتلف وتدهور أوضاعها المعيشية والنفسية.


قوزح الخالية

فبلدة رميش الحدودية، جارة عيتا الشعب ويارون وعين إبل، واحدة من البلدات الفريدة الملاصقة للحدود الفلسطينية، حيث تفصلها مئات الأمتار عن قرية سعسع الفلسطينية. في رميش تستمر الحياة نسبياً، ويصمد فيها العدد الأكبر من أهلها، إلى جانب نازحين قدموا إليها من قرى مجاورة، فيما لم يبق من أبناء قرية القوزح، التي تحدها بيت ليف شمالاً، وعيتا الشعب جنوباً، سوى أفراد لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، يحرسون كنيستهم القديمة.

يزيد عدد أبناء رميش، وهي واحدة من أكبر قرى منطقة بنت جبيل، على العشرة آلاف نسمة، وتمتد أحراج السنديان فيها إلى تخوم الأراضي الفلسطينية، فيما تنبسط في سهولها سجادة خضراء مكسوة بشتول التبغ، التي تلفظ أنفاسها هذا الموسم لسببين إثنين، أولهما: إمتناع القسم الأكبر من المزاعين عن زراعة أرضهم الواقعة على مرمى نيران الاحتلال، وثانيهما: المرض الذي يفتك بحقول التبغ وأوراقها المُرّة كالعلقم.

يداوي أبناء رميش، أنفسهم بأنفسهم، بتعاون بين بلديتها التي أنشأت لجنة طوارىء، لمتابعة شؤون وشجون الصامدين والنازحين، وبين عدد من القوى والفعاليات ورجال الدين، وصولاً إلى سفير الكرسي البابوي في لبنان، الذي زارها مرتين متضامناً ومتكافلاً مع أبنائها.


موت التبغ

مثلها مثل جاراتها، خسرت رميش، التي تعتمد على زراعة التبغ، بمعدل أكثر من ثمانمئة مزارع، وهي البلدة التي تلي بلدة عيترون بزراعة التبغ وإنتاجه، مساحات واسعة من أحراجها في قطمون، وتضرر عدد من المنازل، وتعطلت الدراسة في مدارسها حضورياً. وكانت شهدت مع بدايات الأشهر الأولى من الحرب نزوحاً كبيراً إلى مناطق بيروت والمتن. لكن تفاقم الظروف الاقتصادية والاجتماعية، دفع بغالبية النازحين للعودة إليها، ولم يبق سوى أقل من 130 عائلة نازحة.

ويلفت رئيس بلدية رميش ميلاد العلم، أن على أرض رميش حالياً أكثر من 6 آلاف شخص من أبنائها، يعيشون أوضاعاً صعبة نتيجة عمليات القصف المتواصلة والأوضاع الاقتصادية الصعبة وغياب فرص العمل، حيث لا يستطيع الأهالي زراعة كافة أراضيهم وجني محاصيلهم التي تؤمن معيشتهم. مؤكداً بأن عدد العائلات التي لا تزال في رحلة نزوحها القسري، يبلغ 129 عائلة خارج الجنوب، في حين تستضيف البلدة 35 عائلة نازحة من يارون والقوزح ومروحين. وجميعهم يتم التعامل معهم من كل النواحي الخدمية والاجتماعية، كأفراد من أبناء البلدة.

ويضيف العلم لـ"المدن"، أن الغالبية من أهالي رميش يعتمدون على زراعة التبغ، إلى جانب الوظيفة العامة في كافة الأسلاك العسكرية والمدنية، وأن 80 فرداً من أبنائها يعملون لدى قوات الامم المتحدة المعززة (اليونيفيل). موضحاً بأن غالبية النازحين من رميش هم من الفئة المقتدرة مادياً، استأجرت منازل في مناطق عديدة، خصوصا منطقة المتن.

ويوضح العلم أنه يتم تأمين الأدوية اللازمة لكل من يحتاجها من الأهالي من دون استثناء لشهور مقبلة، إلى جانب تأمين مادة المازوت وحليب الأطفال وحتى الحفاضات، ودعم مالي للمدارس الخاصة التي لم تنقطع عن التعليم (أونلاين) كما هو الحال بالنسبة إلى المدرسة الرسمية.


التبغ والمالديوم

يؤكد المزارع ريمون إبراهيم العبدوش، أن حوالى النصف من مزارعي بلدة رميش قاموا هذا الموسم، وعلى الرغم من كل المخاطر، بحراثة وزرع أراضيهم بالتبغ، الذي يشكل مصدراً لأكثر من سبعين بالمئة من العائلات.

وأضاف، أن الحاجة دفعت هذه العائلات لزراعة الموسم على وقع الغارات والقصف. وتركزت أعمال الزراعة في الحقول القريبة من المنازل. لكن الكارثة حلت بالمزارعين نتيجة المرض الذي يفتك بشتول التبغ، والذي من شأنه خفض الإنتاج. مضيفاً، منذ بدء امتهان الزراعة قبل عشرات السنين لم نشهد هذا الحجم من أضرار المرض المعروف بـ"المالديوم".

وقال العبدوش لـ"المدن": إن هناك أكثر من سبب إضافي وتفسير لكمية الضرر بشتول التبغ التي تتآكل بسرعة ويصيبها الاصفرار واليباس. ومن تلك الأسباب آثار القنابل الفوسفورية، التي أطلقتها إسرائيل على المنطقة، وهطول الأمطار وطبيعة الطقس.

وحول معالجة هذه الآفة، يوضح العبدوش أن مهندسين من إدارة حصر التبغ والتنباك "الريجي"، عاينوا حقول التبغ. وأرسلت الإدارة الأدوية المناسبة لهذا المرض. وقد بدأ المزارعون رش حقولهم للتخفيف من المشكلة والسيطرة على المرض. مناشداً الريجي زيادة كميات الأدوية، حتى يقوم المزارعون بعمليات رش ثانية.


القوزح تنزح

يتعدى تعداد أبناء بلدة القوزح الألفي شخص، يعتمدون في معيشتهم على زراعة التبغ والقمح والزيتون والخضراوات، إضافة إلى إنتاج زيت الغار، الذي تشتهر به القوزح مع عدد من جاراتها.

نزح أهالي القوزح إلى منطقة بيروت، فيما انتشرت عائلات قليلة بين صور ورميش، ولم تُقدَّم لهم بدلات إيواء، وفق مختار البلدة قيصر رزق.

ويشير رزق، الذي يتابع شؤون البلدة، متسلماً مهام بلديتها من قائمقامية بنت جبيل، بعد حل المجلس البلدي المؤلف من تسعة أعضاء، إلى أن 53 عائلة قد نزحت من القوزح، وغالبيتهم إلى بيروت، حيث يقيمون لدى أقاربهم، في ظل عدم تأمين بدلات إيواء لهم، وكل من بقي في البلدة عدد قليل جداً من أبنائها.

وحول نتائج العدوان الإسرائيلي المستمر، يؤكد المختار رزق أن منزلاً دمر تدميراً كاملاً بغارة إسرائيلية، وتضررت منازل كثيرة حوله، إضافة إلى إلحاق أضرار بعدد من المؤسسات والمحال التجارية عند الشارع العام من ناحية عيتا الشعب.

وقال إن تلامذة بلدة القوزح كانوا موزعين على رميش وعيتا الشعب وعين إبل، نتيجة عدم وجود مدرسة في البلدة، التي يعتاش سكانها من القطاع الزراعي والحيواني.

تعليقات: