منى واصف
كان اللقاء مقرّراً في كافيتريا مسبح الـ«شيراتون»، حيث اعتادت ممارسة السباحة. «التمثيل يُرهقُني داخلياً، ولهذا أمارس السباحة. حين أسبح، أصير في عالم آخر». إلا أنّ اللقاء أُجِّل ليصبح في منزلها الذي يقع في بناء الفنانين في المزّة. صالون البيت المكسوّة جدرانه بالخشب، امتلأ باللوحات والتحف والصور لأدوارها الكبرى، وأخرى لزوجها المخرج الراحل محمد شاهين، وابنها الوحيد الكاتب عمار عبد الحميد المقيم في أميركا. بينما تحتلّ أحد الجدران مكتبة كبيرة. تبدو منى واصف سعيدة لأنّها قضت آخر أيام عيد الفطر في دمشق كما تحبّ، بعدما عادت من دبي حيث كُرِّمت عن دوريها في مسلسلي «الحوت» و«صراع على الرمال». تقدّم القهوة بنفسها قائلة: «لا أشعر بالوحدة، فكيف تكون وحيداً بصحبة كتاب، أقرأ حالياً رواية «إنيس... حبيبة روحي» لإيزابيل الليندي. وتضيف: «لديّ عمل باستمرار، وربما كان هذا نادراً لمن هم في مثل سنّي، والغريب أنّ شهرتي في ازدياد».
ولدت منى في شارع العابد في دمشق. والدها كردي من الموصل جاء إلى دمشق في سن الـ 17. أما والدتها فمسيحية من قرية حبنمرة في وادي النصارى. فتح والدها دكاناً في شارع العابد، لكنّه كان يمضي فترات طويلة بلا عمل، ما ولّد خلافات أدت إلى الطلاق بينما كانت منى لا تزال في السابعة. بعد عامين، تزوجت الأم ثانيةً وعاشت العائلة في منطقة الشعلان القريبة: هي وشقيقتاها هيفاء وغادة (اللتان ستصيران ممثلتين أيضاً)، وإخوتها من أمها. في هذه المنطقة الواقعة في مركز المدينة، نشأت منى ودرست في مدرسة «الفيحاء»، ثم في «البحصة». لكنّها لم تكمل دراستها، إذ رسبت في «البروفيه»، لذلك اتجهت إلى العمل، «أقنعت أمي بأن أقدّم الثانوية حرةً، وخاصة أنّي شعرت بالخجل من صديقاتي لأنني كنت «عاملة معلمة عليهن»».
عملت في مجال بيع الأزياء النسائية وعرضها في محلات «جورجيت الباريسية» على ساحة يوسف العظمة، وراقصة شعبية في فرقة «أمية» حتى قرأت ذات يوم إعلاناً يطلب راقصات شعبيات وممثلات لفرقة «المسرح العسكري». كان ذلك عام 1960: «دخلت كراقصة لأنني لم أكن أجيد التمثيل. كان الأمر لي مجرد عمل، قرأت إعلاناً بالمصادفة، وكنت أريد راتباً شهرياً. لم ألق معارضة من أهلي لأنّني كنت أصلاً أعمل عارضة أزياء». لا بدّ هنا من أن نأخذ بعين الاعتبار طبيعة المناخ الاجتماعي السائد حينذاك. نحن في فترة الوحدة السورية ــــ المصرية: حدث انفتاح اجتماعي كبير، وازدهار في عالم الأزياء. أما نساء «فرقة الفنون الشعبية» و«فرقة المسرح» فكنَّ من بنات العائلات». تحاول منى أن تصحّح تلك الفكرة السائدة عن الصعوبات التي عاناها جيلها من الفنانين، وخصوصاً النساء: «تلك الفترة كانت مرحلة ازدهار مسرحي، تأسّس المسرح القومي في مرحلة الوحدة، والتلفزيون في عام 1960، و«ندوة الفكر والفن» في الجامعة بإدراة رفيق الصبان، و«المسرح العسكري»، إضافة إلى المسرح الحر للفنان الكبير عبد اللطيف فتحي. أما اجتماعياً، فكانت عائلتي منفتحة، ووالداي من دينين وعرقين مختلفين، ونشأت في مركز المدينة، حيث الناس يعيشون حياة عصرية».
في المسرح العسكري حيث كانت تقدّم مسرحيات كوميدية خفيفة باللهجة المحكية، تلقّت تدريباً مسرحياً من الملازم الأول محمد شاهين الذي ستتزوجه عام 1963. وفي السنة التالية، ستمكث في المنزل عاماً كاملاً. وقد انقطعت خلاله عن التمثيل إضافةً إلى عام 1967 الذي تلا ولادة ابنها عمار: «انتقمت في السنوات اللاحقة من السنة التي لم أعمل فيها مكرهةً، أي 1963. أما 1967 فكان ابتعاداً بإرادتي وكانت سنة سعيدة. لو لم أعد إلى العمل بعد الزواج لربما حصل طلاق، فلم يكن لدينا أولاد. رفضت الطلاق لأنني عانيت منه مع أمي وأبي». قبل الزواج مباشرة، ستقدّم منى عملاً كبيراً هو «تاجر البندقية» لشكسبير، ومن إخراج رفيق الصبان. عُرضت المسرحيّة على خشبة «الحمراء»، وفي مدرج بصرى الأثري، وفيها أدّت منى دور الدوقة بورشيا: «كنت مجرد فتاة جميلة في المسرح العسكري أؤدي أدوار الكوكيت. «تاجر البندقية» حضرها جمهور راقٍ لم اعتده، عشت نجاح المسرحية، وهذا دغدغ علاقتي بما هو ملكي». وتوضح سيّدة المسرح: «منذ صغري كنت مفتونة بهذا العالم، أحلم بأنني ملكة أو قائدة، وكان يجذبني أي انتصار أسمع عنه في الراديو. وأشعر بأنني أنا من صنعته، وأنني أقف في قصر على جبل قاسيون الذي أراه عالياً».
ستستمر منى في عملها المسرحي وستتعلق بهذه المهنة، كما ستبرز إمكاناتها وتقدّم نصوصاً مؤسِّسة في المسرح العالمي، لكنها ستدخل أيضاً إلى التلفزيون الذي سيمنحها الانتشار. أما في السينما فستخوض أول تجربة مع فيلم «سلطانة» (1966)، وستقدم عدداً من الأفلام مع سينما القطاع الخاص ذات الطابع التجاري، ومنها أفلام دريد ونهاد. مع فيلم «ذكرى ليلة حب» (1973) ستقرّر الابتعاد عن السينما التجارية: «عُرض الفيلم في «سينما الزهراء». وكنت أعرض مسرحية «الزير سالم» لألفريد فرج في مسرح «الحمراء». كنت منتشية بأنّ لي فيلماً فوق ومسرحية تحت في البناء نفسه. كتب عنّي الناقد وفيق خنسة في «الثورة» قائلاً: “منى واصف، لماذا تخلعين تاجك بيديك: ملكة على المسرح وكومبارس في غير ذلك”. هذه الكلمات لا أنساها في حياتي».
لكنها ستواصل الظهور في أفلام المؤسسة العامة للسينما، كـ«اليازرلي» (1974) لقيس الزبيدي عن قصة لحنّا مينه، وقد شاركت حتى الآن في أربعة أفلام مأخوذة عن روايات هذا الكاتب السوري البارز. وفي 1975، ستقدّم عملين كبيرين في التلفزيون والسينما: مسلسل «أسعد الوراق» لعلاء الدين كوكش، وفيلم «الرسالة» لمصطفى العقاد. «في كندا، التقيت طبيباً سورياً، قال لي: حين غادرت الشام، بقيت أتذكّر ثلاثة أشياء: الجامع الأموي وجبل قاسيون وصرخة منى واصف في «أسعد الوراق»».
حين اتصلت نقابة الفنانين بمنى لمقابلة العقاد من أجل «الرسالة»، ظنّت أن في الأمر مزحةً: «رغم أنني قدّمت أفلاماً مع مؤسسة السينما، كانت مشكلتي أنّ شاهين والمخرجين الآخرين لم يكونوا يطلبونني لأدوار بطولة. كنت أشعر بأنّ ملعبي هو المسرح ثم التلفزيون». لكنّها ستوقّع العقد وستنتقل إلى المغرب للتصوير، وهنا ستتعرف إلى النجمة اليونانية إيرين باباس التي تؤدي الدور نفسه (هند بن عتبة) في النسخة الإنكليزية. «أول مشهد كان سوق مكة، وأدت المشهد إيرين قبلي. العقاد دعاني أنا وباباس وعبد الله غيث وأنطوني كوين، وقدّمَنا كنجوم. لم أفكّر في مقارنات، مشهد الانتقام من حمزة قدَّمته كل منّا بطريقتها، أحببت إيرين، وكلانا ممثلتا مسرح ولدينا أنفة». لكنّ الفيلم لم يعرض عربياً إلا على نطاق محدود، ومثّل هذا جرحاً للعقاد ولمنى واصف. لكن أصبح لها سمعة عربية مدوية بفضله، فقدّمت مسلسلي «دليلة والزيبق» في الأردن (1976) و«ساري» في الإمارات (1977).
في 1981، ستؤدّي دوراً لا ينسى على المسرح في «حرم سعادة الوزير» لبرانيسلاف نوشيتش وإخراج أسعد فضة. وستعرف المسرحية عروضاً عدة طوال عقد الثمانينيات. وتتوالى أدوار تلفزيونية ستبقى محفورة في الذاكرة في «وادي المسك» مع دريد لحام، و«هجرة القلوب إلى القلوب» لهيثم حقي... وصولاً إلى «عصي الدمع» لحاتم علي.
5 تواريخ
1942
الولادة في دمشق من أب كردي وأم مسيحية.
1960
دخول عالم التمثيل في المسرح العسكري حيث ستتعرف إلى المخرج محمد شاهين وتتزوجه سنة 1963. وفي العام التالي دخلت «فرقة الفنون الدرامية» التابعة للتلفزيون التي ستُدمج بالمسرح القومي سنة 1966.
1975
فيلم «الرسالة» لمصطفى العقاد ومسلسل «أسعد الوراق» لعلاء الدين كوكش.
1981
مسرحية «حرم سعادة الوزير» (برانيسلاف نوسيتش/ أسعد فضة) في «المسرح القومي».
2008
تقديم حفلة افتتاح «دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008» ـــ تكريم في «مهرجان الإسكندرية السينمائي» و«مهرجان وهران للفيلم العربي».
تعليقات: