الفِلاحة لا تُختصر بالمحراث والبيدر والفدّان وآلة الحِصاد حالياً لذا فهي تحمل في معانيها مفاهيم الصفاء والهناء وعبق زهر الأرض بعيداً عن رطوبة البحار وتزاحم التجار واستغلال الفرص لتكوين الثروات، وأهلها طيبون توّاقون للعدالة والحرية وشعارهم التعاون والتآلف وتمجيد مكارم الأخلاق والثناء على السَلف الصالح والإستعانة بنعمة القوة والنشاط موهوبة من الخالق الكريم، فالفلاحون ليسوا ملائكة ولكنهم يتمسكون بالمآثر الحميدة والقيم المثلى ويأتي التعاون والتعاضد والكرم في أعلى سلّم المكارم، لذلك سأسمح لنفسي وأنا من بيئة فلاحية أن أسرُد بعض مكارمهم التي ورثوها عن الأجداد فالهدايا عندهم واجب والرزق الذي لا يبارك بالهدية تنقصه البركة...
ففي سلّم أولوياتهم أن وليمة العرس في الضيعة كانت قوزتها من قطعان الأصدقاء والأهل أمّا سلال البيض وأكياس الألبان فهي مرافقة لكل زائر زد على ذلك سلال التين طرياً أو مجففاً دون أن تنسى أن ما ينقصك لا تبتاعه من الدكان بل تُقايض عليه من الأصدقاء.
وإن تنسى فلا تنسى وأستميح قارئي عذر التسميات في مجتمعٍ لا يطرق بابه البخل ولا الإستئثار فالهدايا في مواسمها في ربيع الحليب والكرز والعكوب والمِشّي وفي صيف الخضار والفواكه وفي تشارين الزيتون والزيت، أمّا هدايا العسل في وادي التيم فهي زائرة ربيعية وصيفية ناهيك عن الدبس والزعتر في أوقاتها المعتادة.
هذا المجتمع الذي يفيضُ شهامةً وكرامة حيث يتسابق أبناؤه في تقارب المودة وحثّ الهمم على الإنتاج والعطاء يستحق كأمثاله في لبنان التقدير والإحترام والشدّ على الأيدي بالبذل والود والعودة إلى مدارج الألفة والهمّة والنشاط التي طبعته بطابعها ويتمثلها اليوم الأجيال الشابة تستيقظ على عمق التاريخ وهزالة الحاضر...
وسيبقى شعبنا ملتصقاً بأرضه باراً بخيرها مستلهماً التاريخ المجيد لبناة الوطن والعودة به رغم الجفاف والتباعد والمحن إلى وطن العز والكرامة.
* المصدر: الأنباء
تعليقات: