ما زالت بنت جبيل حاضنة لكل قرى قضائها (علي علوش)
عند الحديث عن بنت جبيل، تتشعب العناوين والمحطات والتضحيات، وارتباطها التاريخي بفلسطين، التي لطالما شكلت بوابتها إلى جبل عامل، وشراكات نضالية واقتصادية وتجارية واجتماعية وثقافية وأسرية.
منذ 1936
منذ نشأتها، بقيت مدينة بنت جبيل، التي يتوزع القسم الأكبر من أهلها في بلاد الإغتراب، خصوصاً في ولاية "ميشغن" الأميركية، حارسة ووفية لتاريخها وانتفاضات التبغ 1936، وخيرة شبابها الذين استشهدوا على أرض فلسطين قبل النكبة، وبدايات العمل الفدائي من لبنان. فكان أحد أبنائها أمين سعد "الأخضر العربي"، من طلائع الشهداء عند تخوم شبعا وكفرشوبا، العام 1969، مروراً بشهدائها خالد وأسعد بزي ويوسف سعد، وصولاً إلى شهدائها الـ11، الذين سقطوا منذ بداية تشرين الأول الماضي، ومنهم علي عباس، حارس مستشفى الشهيد صلاح غندور، وقبله وسام وحسين حميد وعلي حرب وعلي ومصطفى سعد وإبراهيم وأحمد بزي وشروق حمود بزي ومحمد بيضون وإبراهيم حمزة وآخرون.
هذه المدينة، التي تغمر بأجنحتها جاراتها عيترون وعيناثا وعين إبل وكونين ويارون ومارون الراس، حولّت إسرائيلُ في حرب تموز 2006، بيوتَها وخاناتها التاريخية إلى أطلال، من دون كسرها وهزيمتها. وهي أنتجت المئات من الشعراء والأدباء والمرجعيات الروحية والمفكرين والمبدعين في مجالات الطب والتعليم، ذاع صيتهم في بقاع العالم.
نافذة على الحياة
فبنت جبيل، التي أعادت إعمار بيوتها ومؤسساتها، بدعم وتمويل عربي ومن مقيميها ومغتربيها، ما زالت تلعب دور الحاضنة للمنطقة، رغم الندوب والجروح التي تصيبها. فبقي مستشفياها (الحكومي وصلاح غندور) مشرعتان لبلسمة الجرحى ومعالجة المرضى من دون إنقطاع، بالرغم من القصف والغارات، التي استهدفت محيطهما أكثر من مرة. فسقط شهداء وجرحى. كما استمر سوقها الغني عن التعريف "سوق الخميس"، في فتح نافذة على الحياة، يلجأ إليه أبناؤها الصامدون، وأهالي من القرى المجاورة للتزود بخبزها ولحومها وفاكهتها وغيرها.
لم تتعطل الحياة كلياً في بنت جبيل، التي نزح عنها الآلاف من أبنائها إلى كافة المناطق، وتحديداً صور والنبطية، حيث تشهد المدينة حركة نزوح معاكسة ملحوظة إليها، تمثلت بعودة عائلات كثيرة إلى دورها ومؤسساتها، انضمت إلى عشرات العائلات الصامدة. كما تمثلت بمعاودة الدوام الجزئي إلى بلديتها، وأيضاً دائرة النفوس فيها.
البلدية والنزوح المعاكس
تستمر بلدية بنت جبيل القيام بمهامها بالحد الممكن والمتوفر. تتابع كافة التفاصيل رغم الإمكانات التي صارت معدومة كسائر البلديات، نتيجة المبالغ المتدنية التي تتلقاها من الصندوق البلدي المستقل، وانهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار.
لم ينقطع الدكتور حكمت بيضون، عضو مجلس بلدية بنت جبيل، عن التواجد في المدينة وممارسة عمله المهني في مستشفى بنت جبيل الحكومي.
يؤكد الدكتور بيضون لـ"المدن"، أن البلدية تواصل عملها وتفتح أبوابها يومين في الأسبوع، لمتابعة أمور المقيمين الصامدين، وهم بالمئات، وأيضاً النازحين في أماكن نزوحهم، وقيامها بأعمال النظافة وجمع النفايات وإزالة الأعشاب من جوانب الطرقات.
ويضيف بيضون، نلاحظ في الفترة الأخيرة عودة عدد لا بأس به من العائلات إلى بيوتهم في المدينة، مؤكداً وجود خدمات عديدة يتم توفيرها، تؤهل استمرار الصامدين في منازلهم، ومنها تقديم مساعدات مالية شهرية، من بينها مؤخراً مساعدات بقيمة 100 دولار، من إحدى الجمعيات. كذلك حصص غذائية، ومساهمات ودعم من أبناء المدينة المغتربين للحالات الإجتماعية والصحية.
المختار سعد
يمارس وحيد سعد، وهو أحد مخاتير بنت جبيل، مهامه المختارية والاجتماعية، إلى جانب أبناء المدينة المتواجدين فيها وحتى النازحين عنها. ويؤكد المختار سعد، أنه من الطبيعي أن يكون متواجداً في بنت جبيل، وإنجاز الأوراق والمعاملات المطلوبة التي يحتاجها الأهالي. مشيراً إلى أن دائرة النفوس تفتح يومين في الأسبوع، لإنجاز طلبات الأهالي من إخراجات قيد ووثائق وفيات وزواج وغيرهما.
وقال إن خدمات الكهرباء متوفرة، سواء كهرباء الدولة أو اشتراكات المولدات، كذلك المياه، وأيضاً الأفران العاملة، وعدد من محال القصابين والخضار وحتى الحلويات ومحطات وقود. آملا وقف الحرب ووقف العدوان الإسرائيلي، الذي من شأنه عودة كل الأهالي إلى منازلهم وأرزاقهم ومؤسساتهم. مشيراً إلى أن العدو دمر بطائراته الحربية عدداً من المنازل بشكل كلي.
المدرّسة صفاء
تصمد صفاء جمعة، في منزلها في وسط بنت جبيل، ولم تغادر المدينة إلا أياماً قليلة في ذروة الاعتداءات.
تذهب صفاء في أوقات الدوام الرسمي إلى مدرسة بلدة حاريص، التي تبعد حوالى سبعة كيلومترات عن منزلها، للقيام بوظيفة التدريس من دون انقطاع عن واجبها المهني.
تقول جمعة لـ"المدن"، إن الحياة في بنت جبيل تبقى أفضل بمرات من النزوح ومعاناته المتعددة والمتنوعة. مضيفة: أشعر بالغبطة عندما أتوجه إلى بلدة حاريص للقاء تلامذتي، وعدم حرمانهم من حق التعليم، على الرغم من كل المخاطر أثناء التنقل على الطرقات، من وإلى مدينتي، التي أعشق ترابها وناسها، الذين قدموا ويقدمون فلذات الأكباد. لافته إلى أن الحياة في المدينة في ساعات ما قبل الظهر، شبه طبيعية.
النشاط التجاري
يلازم أشرف سعد محله لبيع اللحوم في السوق الرئيسي لمدينة بنت جبيل، الذي هجره قسراً، أكثر من تسعين بالمئة من أصحاب المؤسسات والمحال التجارية على أنواعها.
يؤكد سعد انه لم يغادر المدينة، إلا خلال شهر رمضان الفائت، حيث أمضى هذا الشهر برفقة عائلته في منزل مستأجر، في بلدة تبنين القريبة من بنت جبيل، ثم عاد إلى المدينة مع عائلته، ليمارس عمله كالمعتاد في محله.
ويضيف سعد لـ"المدن"، أن هناك حوالى خمسة قصابين في بنت جبيل لا يزالون يعملون في محالهم. ويقومون سوياً بشراء وذبح بقرة في المسلخ الذي لم يقفل أبوابه، ويتم تقسيمها فيما بينهم وبيع لحومها للزبائن، الذين تدنى عددهم إلى أقل من عشرة بالمئة.
وقال: اعتدنا على غارات طائرات العدو وأصواتها، لكن البقاء على تراب بنت جبيل أفضل مئة مرة من النزوح عنها.
المستشفى الحكومي
يواصل مستشفى بنت جبيل الحكومي، وهو واحد من كبرى المستشفيات، القيام بدوره المطلوب، تماشياً مع الأوضاع والتطورات الأمنية المستجدة، منذ حوالى ثمانية أشهر.
رئيس دائرة الشؤون الإدارية والمالية في مستشفى بنت جبيل الحكومي، علي حمدان، الذي انتقل منذ بدايات العدوان من بلدته ميس الجبل، للعيش مع عائلته في بنت جبيل، على مقربة من مكان عمله، يؤكد أن المستشفى المذكور يقوم بتوفير الخدمات الطبية والاستشفائية، من بينها إجراء عمليات جراحية.
مشيرأً إلى أن ما بين 18 إلى 20 مريضاً يتلقون علاجهم في قسم غسيل الكلى، على الرغم من الاعتداءات إلاسرائيلية، لا سيما الغارات الحربية على محيطها، والتي أدت إلى تكسير تحطيم النوافذ والأبواب.
وقال حمدان لـ"المدن"، إن كافة الخدمات مؤمنة، بناء على خطة الطوارىء التي وضعها مجلس إدارة المستشفى، برئاسة رئيس المجلس الدكتور توفيق فرج، مع بدء العدوان الإسرائيلي على الجنوب. مشيراً إلى أن مجلس الجنوب أمّن 10 آلاف ليتر من مادة المازوت لمولدات الكهرباء في المستشفى.
تعليقات: