عندما اختاروا بناء بيوتهم في وادي العصافير او في المطلين الشرقي والغربي للخيام، كان في حسبان من بنى ان هذه البيوت ستتربع على عرش الدردارة، والمرج، والوطى، وسهل الحولة و كان في حسبانهم ان لمملكتهم سهول مكتنزة بخيراتها، وخضار تتباهى بتنوعها، وينابيع وبرك لا تنضب ولا تغور، وسماء لا حدود لها ممتلئة بالعصافير ، للزيتون مساحة وللصنوبر مساحة وللجوز والكينا والتين والعنب مساحات، اما الخضار فهي سيدة السهل ملفوف وباذنجان وبندورة وكوسى وبطاطا ولوبياء وشمام وبصل الخ
كانت الشمس اول شروقها تصبح هذه البيوت، واذ تغيب، تغيب على شرفاتها. بيوت آمنة هادئة فرحة، صباحات للقهوة، ونزهات للمشي، وجلسات ممتدة للاقارب والمعارف والجيران، الفحم حاضر ورائحة الشواء تبلغ اجواء فلسطين، ساحات للصغار، غميضة او كرة، او هوشلة.. انه الفرح في اعلى قممه.
انما
انما كان في الجوار عدو متربص ، عدو يكره الخيام ، يكره فيها جمالها وسحرها وموقعها واشجارها وزرعها ومياهها ورقيها، ولا طائفية ابنائها، وتطلع اهلها للعلم والمعرفة بتخطيط وشغف، يكره فيها انها عصية على الموت منفتحة على التجديد والحياة.
وللخيام مع العدو حكايا
منذ بداية السبعينات وهو يوزع عليها قنابله الغادرة، واخذت الخيام تشيع الشهيد تلو الشهيدة تلو الشهيد.
احتلها واسترجعها بنوها ليعيد احتلاله لها وتدميرها وارتكاب ابشع مجازره فيها ضد شجرها وبيوتها واهلها فاقتلع حديد سطوحها وجذوع زيتونها واعدم كل من فيها وكانوا اربعين، معلنا موت الخيام، لكن الخيام العصية على الموت قامت من رمادها وهرب المحتل وعملاؤه وجلادوه وتحررالاسرى وانتهى ما سمي معتقل الخيام.
عادت الخيام اجمل مما كانت ،استعادت الارض بيوتها وشجرها وحدائقها وورودها وكل ناسها، عادت طرقات الخيام تعج بالناس، صبايا وشباب، عجقة سيارات، صبية يدورون الشوارع ثم يدورون فرحين، سهرات ومناقيش وفول وتين ومرج عامر بالناس والفلاحين والمزارعين وزيتون يستعيد هيبته وخيرات على مد النظر.
العدو ينهشه غيضه مما يرى ويسمع ويحصل، وكان القرار الثاني من نوعه: يجب اعادة تدمير الخيام، اعتدى العدو عام 2006، دمر بطائراته معظم بيوتها، قاتلته الخيام كما كل الجنوب فخسر العدو حربه وانكفأ، ولملمت الخيام جراحها وعادت .
استعادت الخيام بيوتها وزهوها وحياتها وافراحها، وعاد الابناء لتاسيس اسر فيها وبيوت، وامتدت الخيام شمالا وجنوبا وشرقا وغربا تتباهي بجمال بنيانها وتتزين بالورد والشجر والقرميد، تقدم الياسمين الى المداخل يزاحم الجوري، وسور الصنوبر الحدائق، تاركا فسحات للحور والليمون والمشمش والتفاح والاكيدنيا. ضجت الامكنة بالفرح واللقاءات والاعراس، وجاء المغتربون ليزيدوا في ابهتها وخيراتها، وصلة الوصل الاولى كانت سوبرماركت ابو نعيم، لا تسمع فيها حديثا عن الاسعار او الخضار بل تسمع السلام عن بعد او قرب كيفكم، اي متى جيتوا؟ وين رايحين اليوم، دخلك اجا جاركم من السفر وشو عاملين بكرا؟
الغضب ينهش العدو من جديد ،تغيضه الخيام
هذاالجو الاليف كله ، هذا الجمال كله، هذه الوحدة البلدية والوطنية الوطنية الرائعة، وهذه الابنية الساحرة الهادئة التي اعتلت كل الهضاب الجرداء الممتدة، وهذه المسرات وهذه الصبحيات وهذه اللقاءات وهذا الفرن وتلك المحمصة او الملحمة وهذه السوبرماركت... كل هذا يجب ان يحترق او يدمر او يباد ويجب ان تباد معه كل تلك مشاريع المسابح السياحية الواعدة.
العدو الصهيوني يصب كل حقده على الخيام وعلى كل القرى الحدودية المتاخمة ، يقتل ويدمر كعادته لكنه كما تعودناه سوف ينهزم وسينتصر الجنوب وينتصر لبنان وتنتصر الخيام!
بحبنا للخيام سنعيد لكل الامكنة بهاءها ، ستعود البيوت التي تدمرت اجمل مما كانت، وسنستعيد ذلك الغرام مع الاشجار التي اقتلعوها، ومع الاسقف والحيطان التي دمروها، وسنستعيد نفس الحكايا مع الاغطية التي التحفنا بها، والمخدات التي شاركتنا احلامنا، ستعود بيوتنا لنا بكل اسرارها، والصغار سيعودون الى العابهم ،وسوبرماركت ابو نعيم ستستعيد زحمتها واحاديثها، والعصافير ستعود الى واديها حاملة في مناقيرها الحب والسلام والفرح الى اهلها ببيوتهم العامرة.
*منذ بداية السبعينات تشارك الخيام في معارك التصدي للعدو فقدمت الكثير من الشهداء ولم تزل وهؤلاء هم فخر للخيام ،ويشارك في التصدي شباب وشابات في قطاع الصحة والدفاع المدني والكهرباء والتنظيف لهؤلاء كلهم محبة في قلوبنا وشكر ودين كثير وكبير .
تعليقات: