عدنان سمور: طوفان الأقصى بين الوحدة الإسلامية والإنسانية

المهندس عدنان سمور: لإجراء عملية نقد واعية لتجاربنا الوحدوية الإسلامية والإنسانية
المهندس عدنان سمور: لإجراء عملية نقد واعية لتجاربنا الوحدوية الإسلامية والإنسانية


كثيرة هي التحليلات التي عالجت ظاهرة ملحمة طوفان الاقصى )الذي باركنا حوله( ، منها البسيط والمعقد ، والتكتيكي والإستراتيجي ، والعميق والسطحي ، والعسكري والسياسي والأمني ، والإقتصادي والإجتماعي والعقائدي ، والحضاري والإستعماري والتاريخي ، وغيرها من كل ما يمكن أن يخطر على قلب أو عقل بشر ، ولكن هنا في هذا المقال ، أريد أن أسلِّط الضوء على تاثيرات معركة طوفان الأقصى وإضافاتها التي قدَّمتها لمشروع الوحدة الإسلامية على مستوى العالم الإسلامي ، وما أضافته أيضاً على مشروع الوحدة الإنسانية على مستوى العالم .


الوحدة الإسلامية

مشروع الجامعة الإسلامية الذي طرحه جمال الدين ألأفغاني الأسد آبادي ، في بداية القرن الرابع عشر الهجري ، وما تبعه من مشاريع ، هدفت للتقريب بين المذاهب الإسلامية ، وقادها علماء ومفكرون وتيارات إسلامية ، كان لمصر ولإيران ، دورٌ رياديٌّ في إطلاق هذه المشاريع ورعايتها ، منذ ما قبل إنتصار الثورة الإسلامية في إيران بعقود ، واستمرت الثورة الإسلامية بعد إنتصارها في حمل مشعل الوحدة الإسلامية ، بحماسٍ وإندفاع وتضحية ، وبرز هذا الحماس ، في كثيرٍ من المواقف والمحطات المفصلية ، منها التعاون الجاد والبَنَّاء ، لرجال وقيادات الثورة الإسلامية ، مع حركات التحرر الإسلامية في الجزائر ومع فصائل المقاومة الفلسطينية ، قبل إنتصار الثورة ، وإلتزام الجمهورية الإسلامية بعد إنتصار ثورتها ، بالدعم السياسي والعسكري المباشر بكافة أنواعه ، البشرية والتدريبية والتسليحية واللوجستية والتمويلية للمسلمين المظلومين والمعتدى عليهم ، في أي بقعة من بقاع العالم كانوا ، دون تمييزٍ بين مذهبٍ وآخر ، سواء في فلسطين أو في البوسنة أو في لبنان أو في اليمن أو في أفغانستان أو في العراق ، أو أفريقيا أو غيرها ولأن المشروع الإستعماري الغربي المهيمن على النظام العالمي ، وضع مشاريعاً وخططاً شديدة التعقيد ، لتكريس الإنقسام والصراع الإسلامي بين السنة والشيعة ، وبذل موازناتٍ ضخمة لهذا الغرض ، وسخَّر منظومات إعلامية وفنية وترويجية ، لتشويه صورة الإسلام ، ووسمه بالإرهاب والتخلف والتحجُّر ، واستمر بإثارة الفتن والتناحر بين المسلمين ، ليبقى جناحا العالم الإسلامي الأساسيان ، السنة والشيعة ، ينظران إلى بعضهما البعض بعداء وإرتياب ، ويبتعدا بذلك عن تشخيص الأمراض والأخطار الواقعية التي تتهددهما ، من قِبَل نظام الهيمنة الغربية بقيادة أميركا ، ومن الكيان الصهيوني الذي أُنشىء ، ليكون إسفيناً في قلب العالم الإسلامي ، يعيق أي مشروع نهضوي وتحرري لهذه الأمة ، لذلك بقي مشروع الوحدة الإسلامية ، يسير ببطءٍ شديدٍ ، ويواجه صدماتٍ وعراقيل ومعوقاتٍ ، يضعها الغرب الجماعي في طريقه ، ليعيق نهضته وإنطلاقته ونموه ، ولكن رغم كل هذا الواقع الصعب ، بقي العمل المخلص والتعاون كبيرا ومستمراً بين حركات محور المقاومة برعاية الجمهورية الإسلامية ، مع تجاوزٍ واعٍ ، لكل الهفوات والقراءات الخاطئة لبعض الأحداث والمواقف والتحالفات ، من قِبل بعض تيارات وحركات المُقاوِمة في المحور ، الأمر الذي خلق في نهاية المطاف ، بعد إعادة قراءة للتجارب ، حالة من الثقة بين جميع قوى وفصائل المقاومة ، وحمل قيادة حركة حماس ، على أن تدخل في رهانها الملحمي ، طوفان الأقصى ، الذي تسبب بإحداث خرقٍ نوعيٍ ، في مشروع الوحدة الإسلامية ، عندما دعا قائد ملحمة طوفان الأقصى محمد ضيف ، في ندائه الذي أطلقه فجر السابع من تشرين الأول عام 2023 ، الذي توجه فيه إلى كافة شعوب وأنظمة وحركات العالم الإسلامي الحيَّة ، وإلى أحرار العالم ، أن يمُدُّوا يد العون ، ويشاركوا المقاومة الفلسطينية في معركة تحرير فلسطين التي أطلقتها حركة حماس ، في لحظة تاريخية إستثنائية وعبقرية ، وهكذا تداعى لدعم المقاومة الفلسطينية في معركتها المصيرية والفاصلة ، كل الشرفاء من أبناء الأمة الإسلامية ، بكافة مكوناتها ، وربما تكون هذه هي المرة الأولى في تاريخ العالم الإسلامي ، التي تتجلَّى فيها قضية الوحدة الإسلامية ، بأكثر صورها روعة وإشراقاً وعظمة ، والذي زاد من عظمتها ، أنَّ كافة مكونات محور المقاومة بما فيها الجمهورية الإسلامية والمقاومة الإسلامية في لبنان والحشد الشعبي في العراق ، وأنصار الله في اليمن ، الذين يغلب عليهم الطابع الشيعي في الإنتماء ، كل هؤلاء أجمعوا على تسليم أمر قيادة محور المقاومة ، في هذه الظروف الشديدة الخطورة والحساسية ، بعد ملحمة طوفان الأقصى ، لقيادة حركة حماس ذات الإنتماء السني ، التي أثبتت كفاءتها وإخلاصها ووعيها ، في إدارة هذا الصراع ، وفي هذا القرار دلالة على مدى الثقة بين هذه القوى ، ومدى التلاحم في مواجهة المصير الواحد ، ومدى الإخلاص للمشروع التحرري المشترك ، من العدو الإستعماري المشترك ، بعيداً عن وجود أي روحية تنافسية أو إستعلائية أو إستتباعية ، وفي هذا الموقف الوحدوي الإستثنائي والمصيري ، مؤشر على إمكانية إنتصار الأمة على المشاريع الإستعمارية الساعية لتفتيتها وتمزيقها وشرذمتها ، من خلال المراكمة على هذا الإنجاز ، ومن خلال حماية هذه التجربة المتألقة ، ومن خلال تكريس حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية المنخرطة معها في هذه الملحمة ، كحركة طليعية متقدمة للحركات والشعوب الإسلامية السنية ، خاصة أن ملحمة طوفان الأقصى تمكنت من تحقيق خرق عظيم ورائع أيضاً ، على المستوى الإنساني العالمي ، من خلال إنكشاف مظلومية الشعب الفلسطيني للعالم ، وإنكشاف توحش وإجرام ونفاق الصهاينة وداعميهم ، وإفتضاح النظام العالمي المنافق والمتآمر على الشعوب المستضعفة ، على إمتداد العالم ، الأمر الذي أكد السردية الفلسطينية ، وكشف زيف السردية الصهيونية المخادعة ، وقدَّم صَكَّ براءةٍ للإسلام الإنساني ، البريءِ من تهمة الإرهاب والتوحش والتخلف والتحجر والرجعية ، التي جهد نظام الهيمنة الغربي بقيادة أميركا على تكريسها من خلال إعلامه وخدعه وأضاليه ، وأنفق لثبيت هذه المفاهيم المليارات من الدولارات والموارد التي لا تعد ولا تحصى .

وبذلك نقلتنا ملحمة طوفان الأقصى ، من مشروع الوحدة الإسلامية ، إلى مشروع الوحدة الإنسانية .


الوحدة الإنسانية

إن ملحمة طوفان الأقصى وما تلاها ، التي جعلت الملايين من أحرار العالم ينزِلون إلى الشوارع ، ويعلنوا رفضهم للظلم الصهيوني المدعوم من الغرب الجماعي بقيادة أميركا ، الذي لحق بشعب فلسطين المستضعف والمحاصر والأعزل ، والتي حملت عشرات آلاف الطلاب والنخب في معظم جامعات ومعاهد ومراكز الأبحاث في أميركا وأوروبا ، على أن يعلنوا رفضهم للظلم والغطرسة الصهيونية المدعومة من الغرب وأميركا ، ضد الشعب الفلسطيني ، الأمر الذي تسبب بفضح النظام العالمي المنافق ، أمام شعوب العالم أجمع ، وساهم في إجراء غربلة حادة ، فرزت أحرار العالم عن عبيده ، الأمر الذي زاد من مسؤولياتنا وأعبائنا ، بسبب الدور المحوي الذي باتت تمثله هذه التجربة الإسلامية الرائدة ، على مستوى النهضة العالمية الحاصلة والغير مسبوقة ، فصار من واجبنا ، الإرتقاء في الوعي ، كما أصب حمن واجبنا ، تطوير الأساليب والوسائل في التعامل مع قضايا العالم الكبرى ، ومع الشعوب الأخرى التي لا نتشارك معها في المعتقدات وفي العادات والتقاليد ، ومع الشعوب التي نتشارك معها في الدين ونتباين معها في المذهب ، لأن ملحمة طوفان الأقصى ، بيَّنت لنا بوضوح ، وجعلتنا نلمس بأيدينا وبكل حواسنا ، بركة وحدتنا ، وبركة صدقنا وإخلاصنا وتضحياتنا ، وبركة تجاوزنا عن الصغائر والهفوات ، وبركة إجتماعنا على القيم الإنسانية المشتركة بين جميع أفراد بني البشر ، وبقدر ما نكون واعين في إستخلاص العبر والدروس ، من النتائج الباهرة التي حقَّقتها ملحمة طوفان الأقصى ، بقدر ما نكون مساهمين بسرعة أكبر ، وبأقل قَدْرٍ من الخسائر والأثمان ، في تصويب إنحرافات المشروع الحضاري الإنساني ، الذي حرف مساره وشوهه ومسخه ، الإنسان الغربي المنتصر بظلمه وخداعه ونفاقه ، والمستعلي بأطماعه وقصر نظره وأنانياته وتوحشه ، وفي ثقافتنا ومفاهيمنا الإسلامية والإنسانية الصافية ، كنوزٌ غنية هائلة ، علينا بذل الجهود الحثيثة لإستخراجها وتحويلها إلى سلوكٍ ، وبرامج عمل ، وطريقة حياة نعيشها بيسرٍ وهناءٍ وسعادة ورضا ، كيف لا ، وإلهنا هو رب العالمين ، كل العالمين ، ونحن أتباع رسولٍ جاء رحمة للعالمين ، وليس فقط للمسلمين ، ونحن نؤمن بأن الناس صنفان ، أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق ، أي في الإنسانية ، ونحن من الذين يعتقدون أن مخلص البشرية ، سيكون خطابه موجهاً للإنسانية جمعاء لحظة ظهوره المبارك ، بقوله " ألا يا أهل العالم إن جدي الحسين قُتِل عطشاناً " ، والحسين الذي يتكلم عنه هنا ، وليس حسين الطائفة أو المذهب ، ولن يكون خطابه محصوراً بدين أومذهب أو معتقد ، وهذا مستوى رائع من الإنفتاح والشمولية في الخطاب إلى الإنسانية بكليتها ، ولدى كل شعوب العالم رموز إنسانية خلاقة علينا ، أن نبرِّزها ونقتدي بها ، وبالقيم التي تُمثِّلها ، ما دامت الحقيقة ، هي ضالتنا التي نبحث عنها ، وعلينا الإقتداء بها أينما وجدناها.

كيف لا ، وكل دين أو فكرٍ أومعتقدٍ أو نظرة إلى الوجود ، يدعي أصحابها ، أنهم هم الأقرب في فهمهم للإنسانية ولمصلحة الإنسان في هذا الوجود ، فلتكن الإنسانية هي نقطة إلتقاء الجميع ، نتوحد حولها ونتعاون في خدمتها ، وفي إرتقائها وتطويرها وتنميتها ، بما ينسجم مع الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها ، ولتكن معركتنا المشتركة ، مع الأشرار ، الظالمين لإنسانية الإنسان ، الذين يغتصبون الحقوق ، ويمارسون الظلم والعدوان والتوحش والرذيلة ، ضد المستضعفين من بني البشر .

فليُشمِّر علماء الأمة الإسلامية ومتنوروها ومفكروها عن سواعدهم ، ولتَتَّحد جهود الحوزات العلمية والجامعات ومراكز الأبحاث ، في عالمنا الإسلامي ، لإجراء عملية نقد واعية لتجاربنا الوحدوية الإسلامية والإنسانية ، ولإيجاد الحلول المناسبة والعملية في تنظيم علالقاتنا مع الآخر ، أياً يكن هذا الآخر ، ولوضع برامج العمل المنفتحة والمعاصرة التي تنظم شؤون حياة الإنسان بعيداً عن التشنجات وضيق الأفق ، ومحدودية النظر إلى الحياة وأبعادها وأهدافها ، هذه الأهداف التي تعتبر سعادة الإنسان في هذا الوجود ، بعيداً عن الظلم والفساد والطغيان ، أهمها وأنبلها وأرقاها ، ولنَمدُد أيدينا إلى أحرار العالم المتعطشين لخلاص الإنسانية من الظلم والإحتلال والإستعمار ، ونشكِّل جبهة واحدة متراصة ، فيها للإنسان سعادة ، ولله رضا .


ع.إ.س.

باحث عن الحقيقة.

07/06/2024

تعليقات: