تدار أموال الصندوق التعاضدي كما لو أنه مؤسسة خاصة لا حقوق فيه للمنتسبين (علي علّوش)
عوضاً عن أن يكون صندوقاً تعاضدياً لخدمة المنتسبين، صحياً واجتماعياً وسكنياً ومدرسياً، كما ينص النظام الأساسي له عند تأسيسه في العام 1992، تحول "الصندوق التعاضدي للرعاية الصحية والاجتماعية" (الرعاية)، إلى جهة أشبه بشركة خاصة من دون أي رقابة عليه من المنتسبين. وفيما كان يفترض في مرحلة الأولى من تاريخ تأسيسه أن يؤمن الحماية الصحية للمنتسبين، وفي المرحلة الثانية تأمين المساعدات الاجتماعية والمدرسية والسكنية (مدة الصندوق منذ تاريخ الانشاء 25 عاماً)، تحول الصندوق إلى نوع من شركة تأمين خاصة، لكنها معفية من الضرائب والرسوم، على اعتبار أنه مؤسسة لا تبغي الربح.
صمت مجلس الإدارة
حسب عشرات الوثائق والمراسلات الرسمية، التي حصلت عليها "المدن" من داخل الصندوق، يتبين أن الإدارة التنفيذية للصندوق، تديره كما لو أنه مؤسسة فردية خاصة. وتظهر الوثائق سوء إدارة وتلاعب بالحسابات وتوزيع المنافع على الموظفين، وتهرب ضريبي من التصريح للضمان الاجتماعي. ويحصل هذا ربما من دون علم مجلس إدارة الصندوق، أو بتغطية منه. فمجلس الإدارة صاحب الصلاحية في كل شاردة وواردة في الصندوق، للحفاظ على أموال الصندوق التي تعود للمنتسبين. ويفترض أن يحدد مجلس الإدارة رواتب المستخدمين لحسن إدارة الصندوق وتوقيع الصفقات والعقود والإمساك بالسجلات الحسابية بناء على تعليمات المديرية العامة للتعاونيات في وزارة الزراعة. لكن عملياً يدار الصندوق من المديرة التنفيذية ر. ش.
وقد تواصلت "المدن" مع رئيسة مجلس الإدارة انطوانيت باسيل لاستعراض الوثائق التي تثبت سوء إدارة المديرة التنفيذية ر. ش. ومدى الرقابة عليها. لكن باسيل تمنعت عن الإجابة.
منافع شخصية وتضارب المصالح
وحسب الوثائق الرسمية التي حصلت عليها "المدن"، تعاقدت ش. مع شركة فارم (مسجلة في السجل التجاري في بعبدا)، التي تشغل فيها منصب المدير والمملوكة من زوجها أيضاً، لوضع هيكلية إدارية وسلسلة رتب ورواتب للصندوق، التي تشغل فيه منصب مديرة تنفيذية أيضاً. وتم توقيع الاتفاق بين "فارم" والصندوق في 25 تموز العام 2023، رغم التضارب الكبير في المصالح، ومن دون الانتباه إلى أن الصندوق مؤسسة لا تبغي الربح وأمواله للمنتسبين، وليس شركة خاصة. ومن دون التقيد بالنظام الأساسي الذي ينص على أن تحديد الهيكلية والرواتب من مهام مجلس الإدارة.
صحيح أن والد ر. ش. كان أحد الأعضاء المؤسسين للصندوق عام 1992، إلا أن هذا لا يعني أن الصندوق شركة عائلية تستطيع ش. التصرف بها كما يحلو لها. فبحسب بريد الكتروني مرسل من ش. إلى مدير المحاسبة أ. ل. في العام 2020، حولت ش. مبلغ 20 ألف دولار من حسابها الخاص (لولار) إلى الحساب المصرفي للصندوق، وأخذت بالمقابل 20 ألف دولار نقدي من خزنة الصندوق. وعللت الأمر أنها اتفقت مع رئيس مجلس الإدارة على هذا الأمر، لتجنب أي نزاع مع مالك الشقة التي اشترتها في وقت سابق.
استغلال السلطة والنفوذ
واستغلال النفوذ والسلطة لتحصيل مكاسب شخصية من الصندوق يظهر في بريد إلكتروني آخر في العام نفسه. فقد أقدمت ش. على وضع شيك مصرفي خاص بها قيمته 163 ألف دولار (لولار) في حساب الصندوق، وبدّلته بمبلغ 636 مليون ليرة على سعر صرف 3900 ليرة المعتمد حينها. وعللت الأمر أنها تريد سداد سلفة على الراتب للصندوق بقيمة 13 مليون ليرة والمبلغ المتبقي لسداد القرض السكني. علماً أن قيمة الشيك في السوق كانت حينها لا تتجاوز 260 مليون ليرة، في أفضل الأحوال، في حال قررت بيعه بالسوق السوداء. أما في حال قررت سحبه من حسابها، فيطول أمد السحب لسنوات وسنوات، جراء الكوتا المسموح بها حينها من المصارف. بمعنى آخر استخدمت الصندوق للمنفعة الشخصية. والأسوأ من ذلك أن البريد الإلكتروني كان موجهاً لرئيس مجلس الإدارة، المؤتمن على أموال المنتسبين.
من ضمن المنافع الشخصية، وبحسب بريد الكتروني بتاريخ 15 كانون الأول 2023 موجه إلى مديرة الموارد البشرية في الصندوق ج. ش.، حصلت المديرة ش. على سلفة على الراتب قيمتها 27 ألف دولار. وقالت فيه أريد الحصول على مبلغ 12 ألف دولار كسلفة تضاف على مبلغ 15 ألف دولار السابقة. علماً أن هذه السلفة تتجاوز خمسة أضعاف راتبها الشهري في ذاك الحين. فحتى في الشركات الخاصة لا يمكن منح هكذا سلف إلا بموافقة مجلس الإدارة، فكيف الحال بصندوق رعاية؟
المساعدات المدرسية
أما بالنسبة للمساعدات المدرسية فحدث بلا حرج. في بريد الكتروني مرسل إلى المديرة ش. بتاريخ 1 آذار المنصرم، من مديرة الموارد البشرية ج. ش. تكتب الأخيرة أنه بما يتعلق بالمساعدات المدرسية للعام 2023-2024 لديك الحق بـ12ألف دولار (موزعة على أولادها الأربعة). وتشرح إنها ستتأكد من مدير المحاسبة أ. ل. إذا كان المبلغ المسجل ضمن المساعدات المدرسية يتطابق مع مبلغ 12 ألف دولار. وفي حال كان المبلغ المسحوب يتجاوز 12 ألف دولار على مدير المحاسبة تسجيل الفرق كسلفة على الراتب. وهذا المبلغ يعتبر كبيراً جداً في لبنان، إذ لا يوجد شركة خاصة واحدة تدفع هذه المبالغ كمنح مدرسية، فكيف الحال في صندوق رعاية تعود أمواله للمنتسبين؟ وكيف الحال في صندوق يفترض أن تعود عائداته للمنتسبين تحسيناً للحماية الصحية، وتأميناً للوفر لتحسين الحماية الاجتماعية ونوعية الخدمات؟ ولماذا تنفق هذه الأموال بهذه الطريقة فيما يتخلف الصندوق عن دفع فواتير الاستشفاء للمرضى، كما سبق وكشفت "المدن"؟
تلاعب بالميزانية
وبعيداً من المنافع الشخصية، يظهر بريد الكتروني مرسل إلى مدير المحاسبة أ. ل. في كانون الثاني 2024، أن المديرة ش. طلبت منه سحب مبلغ بقيمة 78 ألف دولار من خزنة الصندوق واحتسابها ضمن مصاريف ميزانية العام 2023. وهذا تلاعب محاسبي يعاقب عليه القانون. وقد تبين أن ش. تريد توزيع حوافز بالدولار على الموظفين، وقامت بتسجيل هذا المبلغ في ميزانية العام 2023 كفواتير استشفائية. وهذا مرة جديدة عبارة عن استخدام أموال يفترض أنها وفر أو فائض سنوي، يجب أن يرحل بكامله إلى حساب خاص يسمى حساب الاحتياط العادي، ينعكس على تحسين الخدمة والتقديمات للمنتسبين، كما ينص النظام الأساسي للصندوق.
التهرب الضريبي
أما مؤخراً فقد قدم أحد الموظفين السابقين بلاغاً وشكوى بحق الصندوق إلى الضمان الاجتماعي. ومفاد الشكوى أن إدارة الصندوق لا تصرّح عن الرواتب والأجور الفعلية ولا عن المساعدات المدرسية. وفضلاً عن استخدام الصندوق موظفين لمدة تزيد عن ستة أشهر من دون تسجيلهم في الضمان (يسجل هؤلاء الموظفون محاسبياً ضمن التدريبات والمصاريف المختلفة)، يتهرب الصندوق أيضاً من دفع رسوم الضمان. ويظهر جدول الاشتراكات المستحقة عن شهر تشرين الأول 2023 المصرح عنها للضمان أنها بقيمة 506 مليون ليرة، فيما مجمل الرواتب والأجور والمساعدات المدرسية (الجزء المستحق بهذا الشهر) غير المصرح عنها في ذاك الشهر تتجاوز مليارين ومئة مليون ليرة.
ما هو حاصل أن ر. ش. تتصرف بأموال الصندوق كما لو أنه مؤسسة خاصة، ضاربة عرض الحائط حقوق المنتسبين. لكن وقبل الحديث عن ضرورة تحرك المديرية العامة للتعاونيات في وزارة الزراعة لوقف هذه المهزلة، للحفاظ على حقوق المنتسبين.. للكنيسة أولاً دور أساسي في هذا الملف. فالمنتسبون إلى الصندوق هم أبناء رعية من مختلف الأبرشيات المسيحية المنتسبة إلى "الرعاية". وهؤلاء لا يعرفون حقوقهم، وظنهم أنهم في حضرة شركة تأمين خاصة، همهم الحصول على الرعاية الصحية. ولا يعرفون كيف تنفق أموالهم، طالما أن إدارة الصندوق تتصرف كما لو أن الأخير مؤسسة عائلية.
تعليقات: