أهالي الضاحية الجنوبية: صارت الدولة عنّا!

صارت الدولة عنّا؟
صارت الدولة عنّا؟


قــرب ساحة الغبيري وتــحــديــدا قبالة مخفر حــارة حريك تجمع عدد من شباب المنطقة. إنه مشهد غير مألوف في ضاحية بيروت الجنوبية وتــحــديــدا عــلــى تخوم الــمــربــع الأمــنــي لحزب الله. هناك دورية وحاجز للقوى الأمنية. الضباط يــدقــقــون فـــي الأوراق ا لثبو تية للسا ئقين، ويـــــوقـــــفـــــون راكــــبــــي الــدراجــات النارية غير القانونية. إنها صورة لم يعتد أهالي الضاحية الجنوبية على رؤيتها فكان لسان حالهم: "شو صارت الدولة عنا"!

خلال العامين الماضيين اللذين احتدم فيهما الصراع السياسي حــول ملفات عــدة وأهمها حزب الله ككيان مقاوم وكحزب متهم بأنه أقام دولة داخل الدولة، دارت ســجــالات حـــول عــلاقــتــه بــالــدولــة والقوى الأمنية. وكثيرا ما طرحت علامات الإستفهام حــول رفضه –كــمــا قــيــل- دخـــول هــذه القوى إلــى منطقة نــفــوذه التي تعرف بـ "الضاحية الجنوبية" بعد أن نجح في حماية "مواطنيه" والحصول على ثقتهم.

الــيــوم تغير الــمــشــهــد قليلا بعد انطلاق خطة قوى الأمن في الضاحية الجنوبية منذ شهر آب الماضي، حيث أقامت قوى الأمن الداخلي حواجز تدقيق في هويات المارة وفي أوراق تسجيل السيارات بحثا عــن مخا لفين ومطلو بين للعدالة بعد تنسيق كــامــل مع قــيــادات حــزب الــلــه الـــذي رفض حماية أي مخالف للقانون. فلا محرمات اليوم أمام القوى الأمنية، خصوصا وأن البلديات وفاعليات الضاحية طلبت تطبيق القانون.

مــن جهتها لــم تــتــوان القوى الأمنية عن حفظ النظام، ونفذت حملة أمنية استمرت 30 يوما وهي لا تزال تواصل عملها. علما أن لدى أهالي الضاحية وتحديدا المؤيدين منهم للمقاومة حساسية مفرطة من البزات المرقطة بعد حادثتي الرمل العالي ومــار مخايل. ولكن هل هذه الحساسية المفرطة تزول أمــام حاجة جميع أبناﺀ الضاحية لبسط سلطة الأمن بعدما تمادت قلة من الخارجين على القانون في تجاوزاتها بدﺀا من قيادة السيارات والفانات بشكل يرعب المارة وصولا إلى استعمال اللوحات العمومية الــمــزورة، عــدا عــن لــجــوﺀ عــدد من المطلوبين إلى الضاحية وإفادتهم مـــن الـــتـــوتـــرات والإنــقــســامــات السياسية التي شهدها لبنان؟ !

يرحب زهير عبد الرضا (تاجر) بما تقوم به القوى الأمنية "نحن بحاجة لقمع المخالفين ووضع حد للتجاوزات التي يرتكبها بعض الشباب الذين يلصقون أنفسهم بحزب الله وهو لا علاقة له بهم"! .

غير ان حسان السروجي (سائق) لا يثق بقوى الأمن، "فسجلها حافل بضحايا سقطوا على يديها من الضاحية الجنوبية. وعلى سبيل المثال لا الحصر سقط على طريق المطار في 13 أيلول 1993 عشر ضحايا، وفــي حــي السلم العام 2004 سقط خمسة قتلى، وفي الرمل العالي قتيلان، بالإضافة إلى 8 ضحايا سقطوا في أحداث مار مخايل الأخيرة". هذه الحوادث تركت آثارا سلبية على علاقة أهالي الضاحية بالقوى الأمنية. لذلك أضحى أي عمل أمني غير مرحب به من "جمهور" حزب الله وحركة أمل أو أهالي الضاحية الجنوبية الذين وضعوا ثقتهم في "أمن" حزب الله.

من هنا يرجع عباس بزي (طالب جامعي) عدم ثقة معظم أهالي الضاحية الجنوبية بــالــدرك إلى سبب تــاريــخــي يتعلق بإهمال الدولة منذ زمن لمنطقتي الضاحية والجنوب، ثم جاﺀ حزب الله في الــثــمــانــيــنــات وأقــــام مؤسسات إجتماعية واقتصادية وتعليمية احــتــوت أهــالــي هـــذه المناطق وساعدتهم، فأصبح من الطبيعي أن يثقوا بــه ويسلموه أمنهم الذاتي بعد أن نجح في الإنتصار على إسرائيل. ومع الوقت عينه إذا واجــه أحدهم مشكلة ما مع جاره مثلا فلا يلجأ إلى الدرك بل إلى أحد معارفه في الحزب الذي يقوم بحل المشكلة على طريقته لأنــه إذا لجأ إلــى الــدرك سيبادر إلى الإتصال بالحزب لحلها. كما أن بعض المواطنين اللبنانيين لا يستطيعون تحمل بيروقراطية وروتين الدولة والدرك "!

وهذا ما يؤكد عليه الحاج علي بــرجــاوي: قــائــلا "حـــدث أن رواد مقهى الإنترنت المقابل لمنزلي في حارة حريك يزعجون السكان بالسهر لساعات طويلة والغناﺀ بصوت مرتفع عند الفجر. هذا عدا عن إصطحابهم لفتيات إلى المقهى عند المساﺀ. وعندما فشلنا في التفاوض مع صاحب المقهى لحل هذا الوضع لجأنا إلى حزب الله الذي حل هذه المشكلة. ومن يومها لم نسمع لهؤلاﺀ الشباب صوتا"! .

ولـــعـــل حــــزب الـــلـــه نــجــح في الإمساك بأمن الضاحية الجنوبية بسبب قــدرتــه الإســتــخــبــاراتــيــة المرتبطة ببنائه المقاوم. لذلك ليس غريبا أن يعرف الحزب أبناﺀ المنطقة وعــدد أفـــراد كــل أســرة وحــتــى ســيــاراتــهــم ومـــن يقوم بزيارتهم، حتى ان بعض شبابه يــوقــفــون لــيــلا الــســيــارات التي يرتابون منها، ويسألون أصحابها عن سبب قدومهم إلى الضاحية الجنوبية ومن يقصدون!

وفي المقابل هناك من يرى أننا لا نستطيع تحميل الدولة مسؤولية استقالتها من مهامها على حد تعبير محمد زين (طالب جامعي: ) "نستطيع محاسبة الــدولــة على تقصيرها تجاه الضاحية الجنوبية إذا كانت تتمتع بنفس قوة حزب الله وتنظيمه ولكنها تفتقر إلى ذلك. أعتقد أننا نستطيع محاسبة الدرك على تقصيره الأمني بعد أن يستكمل بناﺀ قدراته الذاتية التي بدأها منذ خروج الجيش السوري من لبنان الشيﺀ الذي يحتاج إلى بعض الوقت. وعلى كل حال تعتبر خطة انتشار قوى الأمن في بعض مناطق الضاحية الجنوبية إيجابية.

ويكفي أنها كشفت جرائم السرقة والنشل والدعارة وترويج المخدرات وتعاطيها الــتــي سجلت نسبة مرتفعة في الضاحية الجنوبية كما تعمل على ضبط هذه المخالفات والجرائم. ومع الوقت ستستطيع كــســب ثــقــة أهـــالـــي الــضــاحــي الجنوبية مع استكمال بناﺀ الدولة التي توافقت مع حزب الله".

مــرت العلاقة بين قــوى الأمن الداخلي وحزب الله بثلاث مراحل أساسية منذ العام 2005.

بدأت المرحلة الأولى مع خروج القوات السورية، ومحاولة تطوير فرع المعلومات التابع لقوى الأمن.

وهنا كانت العلاقة يشوبها الحذر.

أمــا المرحلة الثانية فبدأت بعد أحــداث أيــار الأخــيــرة حيث جرى توضيح الخريطة الأمنية للطرفين اللذين أصرا على عدم التهور رغم احتقان الجماهير.

أمـــا الــمــرحــلــة الــثــالــثــة الــتــي نعيشها اليوم فبدأت مع انتخاب الرئيس ميشال سليمان والقائمة على التنسيق بين قــوى الأمــن وحزب الله.

تعليقات: