ربما يُفترض بقوى الأمن الداخلي أن تزيد كلمات أخرى، مثل «ميثاقية» أو «طائفية» أو غيرهما، إلى شعارها المؤلّف من ثلاث كلمات: «خدمة، ثقة، شراكة». والمؤكد أن على المديريّة العامّة لقوى الأمن الدّاخلي أن تبحث عن سبل أخرى للحفاظ على 6 و6 مكرر في صفوفها، غير اللجوء إلى الغش والبلطجة، كما فعلت عندما أعلنت عن دورة لتطويع عناصر في الدرك، تبيّن أنها موجّهة إلى المسيحيين فقط! فيما تكبّد آلاف الشبان والشابات مشقّة القدوم من مسافات بعيدة لتقديم الطلبات، ومصاريف توازي راتباً شهرياً لبعضهم، قبل أن يُفاجأوا بطردهم من على أبواب معهد قوى الأمن لدى حضورهم لإجراء الاختبارات، بحجة أن أسماءهم غير موجودة في اللوائح!
نحو 27 ألف شاب وشابّة تقدّموا في عام 2018 - 2019 لدورة رقيب ودركي متمرّن في قوى الأمن الداخلي، وخضعوا لاختبارات صحية ورياضيّة وخطيّة من دون أن يتم إصدار النتائج بذريعة عدم وجود اعتمادات للتطويع... إلى أن دعت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، في آذار الماضي، الذين لا يزالون يرغبون منهم بالتطوع في قوى الأمن، أن «يتقدموا بطلبات يُعلنون فيها قبولهم التطوع بصفة دركي متمرّن»، بشروط منها «ألا يكون المتقدّم قد تجاوز 27 عاماً (و30 عاماً للحائزين على إجازة جامعية) وأن يكون عازباً، أو مطلّقاً من دون أولاد، أو أرملاً».ست سنوات انقلبت فيها البلاد رأساً على عقب. فبعدما كان هؤلاء يعتصمون دورياً مُطالبين بالكشف عن مصير الدورة، خفّت حماسة معظمهم بسبب تآكل رواتب العسكريين، فيما لم تعد الشروط تنطبق على كثيرين منهم إما بسبب الزواج أو لتخطيهم سن الثلاثين. لذلك، كان عدد المتقدّمين بطلبات إلى الدورة الجديدة من بينهم أقل من الـ 800 متطوّع الذين تريدهم المديرية، ما دفعها إلى الإعلان عن إعادة فتح باب التطوّع لمقدّمي طلبات جُدد، فيما تؤكد مصادر متابعة أن فتح باب التطوّع كان سببه قلّة مقدّمي الطلبات المسيحيين الذين لم يصلوا إلى نصف عدد المتطوّعين المطلوبين، أي 400، وهو ما أشار إليه مواربة بيان المديرية في آذار الماضي، مشيراً إلى أنّ الهدف من استقبال طلبات تطوّع جديدة هو «تأمين العدد المطلوب لإتمام عملية التطويع بحيث تأتي شاملة كل فئات المجتمع اللبناني».
عملية الغش هذه لتحقيق «الميثاقية» راح ضحيتها آلاف الشبان، ذكوراً وإناثاً، ممن تكبّدوا مشقّة تقديم الطلبات شخصياً إلى فصائل ومخافر وحدتَي الدرك الإقليمي وشرطة بيروت (كما هو منصوص في البيان)، إضافة إلى أعباء رسوم تأمين المستندات الرسميّة (إخراجات قيد وسجلّ عدلي وتصديق شهادات...)، وإجراء اختبارات صحيّة كلّفت كلاً منهم نحو 80 دولاراً! قبل أن تُفاجأ المتطوّعات اللواتي حضرن إلى معهد قوى الأمن الداخلي في عرمون الإثنين الماضي لإجراء اختبار الصحة والرياضة، بـ«حاجز على الهوية» يمنع دخول معظم غير المسيحيات منهن بحجّة أن أسماءهن غير واردة على اللوائح! ولدى الاحتجاج على منعهن من الدخول ومطالبتهن باسترداد ما دفعنه، طلب منهن العسكريون مراجعة المديريّة العامّة لقوى الأمن الدّاخلي.
مُنع دخول بعض أصحاب الطلبات إلى معهد قوى الأمن بمجرد سؤالهم عن أسمائهم ومن دون مراجعة اللوائح
وتكرّر الأمر نفسه أمس، أيضاً، مع موعد إجراء الاختبارات للذكور، إذ مُنع معظمهم من الدّخول بذريعة أن أسماءهم ليست واردة في اللوائح المُرسلة من المديريّة، لا بل رُفض دخول بعضهم بمجرد سؤاله عن اسمه ومن دون حتى مراجعة اللوائح!
مصادر في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي لم تنكر حصول هذا الأمر وعدّته «تجاوزاً إنسانياً وأخلاقياً»، وأقرّت بأن «المديريّة التي فتحت الدورة مع إعطاء أفضليّة لمن تقدّموا سابقاً إلى دورة عام 2018 - 2019، لم تقدّر أن تتخطّى أعداد المسلمين الراغبين في إعادة تقديم طلباتهم من جديد، أعداد المسيحيين». وحاولت التقليل من حجم «الفضيحة» بالإشارة إلى أن المديرية أصدرت بلاغاً دعت فيه المرشحين إلى عدم التوجّه إلى المعهد إلا بعد تلقيهم اتصالاً من المعنيين. علماً أنّ «الأخبار» لم تجد البلاغ على الموقع الرسمي لقوى الأمن الداخلي!
تعليقات: