وادي زبقين الذي يطمح أهلها أن يصير محمية طبيعية رسمياً (المدن)
صديقين وزبقين، بلدتان في قضاء صور، يفصل بينهما جغرافياّ، بلدة جبال البطم، تجمعهما قواسم مشتركة عديدة، مثل سائر البلدات الجنوبية، وأكثر قاسم مشترك بين هاتين البلدتين، زراعة اللقمة المرة " التبغ"، والشهادة، وتعرضهما خلال "حرب الإسناد والإشغال" للغارات الحربية الإسرائيلية المتواصلة، بالرغم من وقوعهما في الخطوط الخلفية، وإبتعادهما عن الحدود اللبنانية الفلسطينية، ما بين ثمانية إلى إثني عشرة كيلومتراً.
في هاتين البلدتين، اللتين لهما باع طويل مع الإعتداءات الإسرائيلية والحرمان، كسائر قرى وبلدات لبنان في الأطراف، حيث الخدمات بالقطارة، يصمد الأهالي متمسكين بأرضهم وبيوتهم ومزروعاتهم، التي تعادل الروح، مفعمين بأمل أفضل على مستقبل أبنائهم، الذين يطرقون أبواب السفارات شرقاّ وغرباّ بحثاّ عن ما يؤمن قوتهم وتعليم أولادهم ورعايتهم.
صديقين: أم الشهداء ومملكة التبغ
تتوسط بلدة صديقين، وهي آخر بلدات قضاء صور من ناحية قرى بنت جبيل، بلدات قانا، جبال البطم، رشكناني، الرمادية، وكفرا. وتنبسط هذه البلدة، التي تغدو يوماّ بعد يوم سوقاّ تجارياّ للمنطقة المحيطة، على مساحة إجمالية تبلغ 13 مليون متر مربع، قسم كبير منها أراض زراعية خصبة، تزرع بالتبغ منذ عشرات السنين والقمح والزيتون وغيرها.
تبعد صديقين عن مدينة صور (مركز القضاء) 12 كيلومتراّ. وكانت في 18 نيسان العام 1996 واحدة من أكثر البلدات التي سقط شهداء من أبنائها وأرحامهم، فاق أربعين بالمئة من عدد شهداء مجزرة قانا، التي ارتكبتها إسرائيل، داخل مقر القوة الفيجية العاملة ضمن اليونيفيل، وذهب ضحيتها 106 شهداء، جلهم من الاطفال والنساء وكبار السن.
تضج بلدة صديقين، التي تعرضت لسبع غارات حربية إسرائيلية مباشرة، بالحياة والنشاط التجاري والسكاني وزراعة حقولها، والتي يتمدد أهلها إلى خارج أرضها لزراعة موسم التبغ.
رئيس البلدية: صمود السكان
يؤكد رئيس بلديتها المهندس محمد فايز بلحص، أن العدوان الإسرائيلي الحالي تسبب بجرح عشرات المواطنين من أبناء البلدة والمقيمين فيها، بعد سلسلة من الغارات أدت إلى تدمير سبعة منازل كلياّ وتضرر عشرات المنازل الأخرى والبنية التحتية، مشيراّ إلى أن صديقين فقدت خلال مجزرة قانا الأولى، أربعين شخصاّ من أبنائها، سقطوا إلى جانب جيرانهم من أبناء قانا وجبال البطم ورشكناني، الذين يتشاركون معهم حلو الحياة ومرها.
ويقول بلحص لـ"المدن"، إن أهالي صديقين لم يغادروا بلدتهم، التي يقطنها نحو 8 آلاف نسمة، من بينهم 500 نسمة من أهلنا النازحين عن بلداتهم وقراهم في الحافة الأمامية، وحوالى 3 آلاف نازح سوري يعملون في مجالات الزراعة على وجه الخصوص.
ويضيف بلحص، إنه بسبب تراجع النشاط الزراعي وخصوصاً زراعة التبغ، التي كانت تشكل العامود الاقتصادي للأهالي، فقد تحولت نسبة كبيرة من أبناء صديقين، خلال العقدين الأخيرين، إلى عالم التجارة والخدمات، وتحول شارعها الرئيسي على جانبيه، الذي يربط قضائي صور وبنت جبيل، إلى سوق واسع يضم كافة حاجيات المتسوقين والوافدين إلى البلدة.
ويلفت بلحص، أن صديقين شهدت هجرة مبكرة لعدد من أبنائها، مع بدايات القرن الماضي، إلى أميركا اللاتينية ولم يعودوا، والذين غادروها هرباّ من ويلات الحرب العالمية الأولى. موضحاّ بأن البلدة عاودت وشهدت هجرة لأعداد كبيرة من شبابها، إلى القارة الاوروبية وتحديداّ ألمانيا، كذلك إلى دول إفريقيا وسائر أنحاء العالم.
وذكر بلحص، أنه منذ سبعينيات القرن الماضي، كانت صديقين تُقصف من إسرائيل مباشرة ومن ما كان يسمى "جيش لحد"، كما أنها في عدوان تموز 1993 تعرضت صديقين لتدمير كبير في أحيائها وسقوط ثلاثة شهداء. وإبان عدوان تموز- آب 2006 دمر العدو الإسرائيلي ما لا يقل عن سبعين بالمئة من بيوتها، التي أعيد بناؤها حجراّ حجراّ، لتعود إلى قوتها ومناعتها.
زبقين: الإمارة والشعر
تشرف بلدة زبقين، التي يعود عمرها إلى عدة قرون، على واد مكسوة جنباته ومجاري المياه فيه، بأشجار الملول والبطم وغيرهما، تشكل واحة خضراء قل نظيرها في الجنوب ولبنان، تنشد أن تصبح محمية طبيعية بشكل رسمي، بناء لطلب بلديتها وجمعية الجنوبيون الخضر، المقدم إلى الوزارات المعنية وفي مقدمها وزارة البيئة.
تغتني بلدة زبقين، التي تتكئ على تلال وتنبسط على واحات تشرف على ساحل صور من ناحية الشمال، وفلسطين المحتلة من جهة الجنوب، بتاريخ وحاضر مليئين بالحياة وباقات الشهادة، ونظم الشعر الذي خطه الكثيرون من أبنائها، وأشهرهم الشاعر شوقي بزيع. كذلك يتنوع زرعها من التبغ إلى الزيتون والقمح والليمون والعنب والتين والخضار.
قبل قرون ، كانت زبقين التي تبعد عن مركز قضائها (صور) 17 كيلومتراّ، مقراّ لإمارة حاكم منطقة جبل عامل أسد الدين، إبن بشارة العاملي، ولا تزال بقايا مقره موجودة فيها.
قدمت هذه البلدة الوادعة، التي لم يغادرها سوى القليل من ناسها، بالرغم من الغارات الحربية والمسيرات الإسرائيلية وعمليات القصف، خلال مسيرتها منذ اواخر السبعينيات وحتى اليوم، العشرات من أبنائها شهداء، زوداّ عن قضية فلسطين، كان آخرهم الشهيد علي موسى بركات، وهو شقيق لشهيدين آخرين.
المختار بزيع: آثار وعنب
يقول مختار زبقين رائف بزيع لـ"المدن"، إن زبقين، لطالما كانت ولا تزال بلدة مواجهة ومعبراّ للفدائيين والمقاومين. وقد سقط من أبنائها منذ منتصف الثمانينيات، زهاء أربعين شهيداّ، العدد الأكبر منهم من الشبان والأطفال، حيث سقط في حرب تموز 2006، 16 شهيداّ، ثلاثة عشرة منهم في مجزرة واحدة، إضافة إلى ثلاثة مقاومين، بينهم رئيس البلدية آنذاك الحاج أحمد رضا بزيع. وقبلها سقط شهداء أطفال وكبار في العامين 1991و1993، وأيضاّ في العام 1986.
وأضاف بزيع، تعتمد بلدتنا على النشاط الزراعي، لا سيما التبغ والزيتون، والوظيفة العامة، وهناك أعداد قليلة في بلاد الاغتراب، خصوصاّ في أميركا وإفريقيا وسواهما من دول العالم.
ويلفت المختار بزيع، إلى أن البلدة، تحتوي على آثار فينيقية وبيزنطية ورومانية، وكانت سابقاّ تزدهر بزراعة العنب، الذي كان يعصر في معاصرها الحجرية ويصدر إلى الخارج. كذلك زراعة الشعير. مشيراّ إلى إغتناء البلدة بالشعراء، وذواقة الشعر والأدب على نطاق واسع.
تعليقات: