موسم سياحيّ خجول على شاطئ صور.. الخيم تنتظر زوّارها


قد يبدو المشهد سورياليًّا على شاطئ صور هذه الأيام، فأن تشاهد روّاد البحر والاستراحات يمضون يومهم بشكل طبيعيّ على وقع أصوات القصف والمسيّرات التي تكاد لا تغادر المنطقة، لعلّ ذلك هو المشهد السورياليّ الذي من الصعب أن تشاهده سوى هنا في لبنان.

يستقبل شاطئ مدينة صور الرمليّ الذي يضمّ 49 خيمة متعدّدة الأحجام، كلّ صيف من كلّ عام، نحو عشرة آلاف زائر يوميًّا، تزداد هذه الأعداد في أيّام نهاية الأسبوع، وفي العطل الرسميّة، والزوّار بغالبيّتهم من خارج مدينة صور، من بيروت وبقيّة المناطق، لكن يبقى للمغتربين حصة وازنة بينهم، فهم الذين يقصدون شاطئ صور سنويًّا، ويشكّلون شريحة أساسيّة من روّاد الشاطئ، وبذلك يؤدّون دورًا أساسًا في إنجاح الموسم السياحيّ، ليس على الشاطئ فحسب بل في عموم المدينة وقضائها، خصوصًا أنّ نسبة المغتربين في قضاء صور عالية جدًّا.

يشير نائب رئيس بلدية صور صلاح صبراوي لـ”مناطق نت” إلى أنّ “موسم الخيم البحريّة الذي يبدأ في منتصف شهر أيّار ويستمرّ أربعة أشهر، يؤمّن فرص عمل لحوالي 75 شابًّا يتعاقدون مع البلديّة، وهؤلاء يعملون في حماية وحراسة الشاطئ والمواقف التابعة للخيم”. يتابع صبراوي: “يشكّل الموسم دورة اقتصاديّة كبيرة للمدينة كلّها، خصوصًا من مدخول موقف السيّارات التي تقصد الشاطئ.


زيادة تعرفة الدخول

إضافة إلى الحرب، من بين العوامل التي ربّما تكون قد أسهمت في تراجع إقبال الزوّار على شاطئ صور هذا العام، زيادة تعرفة دخول السيّارة إلى الموقف المحاذي للشاطئ والتي فرضتها البلديّة. حيث ارتفعت التعرفة هذا الصيف إلى 300 ألف ليرة لبنانيّة مقارنة بـ150 ألف ليرة في السنة الماضية. هذه الزيادة ربّما تكون قد أثّرت سلبًا في قرار كثيرين من زيارة الشاطئ، خصوصًا في ظلّ الأزمة الاقتصاديّة التي يعاني منها لبنان وتراجع القدرة الشرائيّة للمواطنين. ولا سيما النازحين الذين يعانون وضعًا صعبًا مع أقفالهم مصالحهم وأعمالهم في بلداتهم التي نزحوا منها وأيضًا على ذوي الدخل المحدود.

يوضح صبراوي حول الزيادة على ركن السيارة قائلًا: “نتقاضى من نهار الاثنين إلى الخميس مبلغ 200 ألف ليرة عن السيّارة، أمّا أيّام الجمعة والسبت والأحد، أيّ في أيّام عطلة الأسبوع، فنرفعها إلى 300 ألف لكلّ سيارة. وذلك نظرًا للأوضاع الاقتصاديّة السيّئة التي نمرّ بها حيث أعداد الوافدين إلى الشاطئ أقلّ بكثير من السنة الماضية”.

ويضيف صبراوي: “لقد تركنا هذه السنة المواقف الخارجيّة الواقعة بمحاذاة الطريق العام، مفتوحة لمن يرغب بعدم ركن سيّارته بالموقف المخصّص من قبل البلديّة، حيث كنا نغلقها سابقًا بحواجز لإجبار الناس على ركن سيّاراتهم بموقف البلديّة وذلك إحساسًا منّا مع الناس، وأوضاعهم المادّيّة اليوم”.

عن أحجام الخيم والبدلات التي تتقاضاها البلديّة يقول صبراوي: “تنقسم الخيم إلى ثلاثة قياسات، الصغيرة 8 أمتار، الوسط 10 أمتار، الكبيرة 12 مترًا. الخيم الصغيرة تدفع للبلديّة نحو 40 مليون ليرة، أمّا الوسط فـ50 مليون ليرة والكبيرة 60 مليونًا شهريًّا”.


مشهد الموقف لا يعكس واقع الشاطئ

“تختلف الصورة تمامًا اليوم عمّا كانت عليه في العام الماضي، وحال ازدحام السيّارات في الموقف المخصّص لروّاد الشاطئ، ويتّسع لأكثر من ألف سيّارة، لا يعكس الصورة الواقعيّة، فيعطي انطباعًا يغشّ الناظر إليه، إذ لا تعكس هذه الأعداد من السيّارات المركونة في الموقف انتعاش الحركة السياحيّة” بحسب ما يقول مستثمر إحدى الخيم رقم 33 بلال قهوجي لـ”مناطق نت”.

يتابع: “إنّ معظم القادمين إلى الشاطئ يأتون بسيّاراتهم فرادى، أيّ بمفردهم في السيّارة، لكنّ أعداد روّاد البحر لا تتطابق مع ذلك، خصوصًا إذا ما قارنّاها بالسنوات الماضية”. والسبب في ذلك وفق قهوجي يعود إلى “تخوّف العائلات من المجيء، إذ يفضّل الشخص أن يأتي بمفرده، على أن يصطحب معه باقي أفراد عائلته، خوفًا من حصول أيّ مكروه”. ويؤكّد “أنّ مدينة صور لم تتعرّض منذ بدء الحرب إلى أيّ أعمال قصف، وما يجري يحصل في المناطق المجاورة فقط”.


دور سلبي للإعلام

ويأسف قهوجي، إلى الدور السلبي الذي يلعبه الإعلام في هذا المجال، “إذ يخلط بين المدينة والمناطق المحيطة بها، وذلك أثناء تغطية أخبار الاعتداءات الإسرائيليّة، فيشير الإعلام إلى أنّ صور تتعرّض لقصف وغارات، ليتبيّن أنّ منطقتها هي التي تتعرّض لذلك، وهناك فرق كبير بين صور ومنطقتها، وهنا تقع الإشكاليّة في التغطية، الأمر الذي يؤدّي إلى إحجام عدد كبير لا يعرفون طبيعة المنطقة وواقعها عن المجيء إلى صور”.

عن نسبة حركة الزوّار هذا الصيف وبين العام الماضي يقول أحد مستثمري خيمة النعيم لـ”مناطق نت”: “النسبة لا تُقارن والفرق كبير، إذ لا تتعدّى نسبة الحركة هذا العام الـ20 بالمئة نسبة إلى العام الماضي. ويتابع: “إنّ مدخول الخيمة الواحدة كان نهار الأحد من العام الماضي يقارب الـ2000 دولار، بينما لا يتجاوز الآن الـ100 دولار”.


تراجع زوّار الخيم

يقتصر روّاد الشاطئ هذا العام على أهل المنطقة، وأولئك يفضّلون ارتياد المساحة الواقعة إلى جانب الخيم. هذا التغيير في سلوك الزوّار أدّى إلى تراجع الحركة السياحيّة في هذه الخيم التي كانت تعتمد إلى حدّ بعيد على الزوّار من خارج المنطقة.


يقتصر روّاد الشاطئ هذا العام على أهل المنطقة، وأولئك يفضّلون ارتياد المساحة الواقعة إلى جانب الخيم. هذا التغيير في سلوك الزوّار أدّى إلى تراجع الحركة السياحيّة في هذه الخيم التي كانت تعتمد إلى حدّ بعيد على الزوّار من خارج المنطقة

“إنّ معظم السيّارات المركونة في الموقف هي لأهل المنطقة وللنازحين الذين لا يحبّذون الجلوس في الخيم، فيحضرون معهم أغراضهم ومتاعهم من خيم وكراسٍ وطاولات ومأكولات وغيرها، بينما انخفض توافد السيّاح والمغتربين والزوّار من مناطق أخرى من لبنان، على نحو ملحوظ هذا العام والسبب هو الحرب. إذ إنّ التخوّف من الوضع الأمنيّ يُعتبر أحد الأسباب الرئيسة لتراجع أعداد الزوّار القادمين من خارج المنطقة” يقول قهوجي.

قصدت نهى وسهام من منطقة الشبريحا قرب صور، الشاطئ من دون خوف. تقول نهى التي تحمل بيدها نرجيلتها، وتتوجّه إلى الشاطئ لـ”مناطق نت”: “لسنا خائفات، لقد اعتدنا الوضع، وتأقلمنا مع أصوات جدار الصوت التي تطلقها الطائرات الحربيّة في سماء صور، لن يحصل شيء أكثر من ذلك، بالنهاية علينا أن نستمرّ بحياتنا على رغم كل شيء”.


حضور خجول برغم الحرب

للزوّار الأجانب حضور خجول هذا الموسم في صور، وعلى رغم الوضع الأمني السائد قصدت ماري من إسبانيا مع صديقها اللبنانيّ شاطئ صور. “لم أستطع زيارة لبنان من دون المجيء إلى هذا الشاطئ على رغم كلّ الظروف، إنّها المرّة الثانية التي نقصد فيها هذا المكان، ربّما لن نبيت في صور لكن كان لا بدّ من زيارة الشاطئ على الأقل” تقول ماري.

أسعد أحد النازحين إلى صور من بلدة عيتا الشعب، يجلس على الشاطئ الرمليّ محاولًا أن يتناسى واقع بلدته التي أصيبت بأضرار وخسائر بالغة جرّاء الاعتداءات الإسرائيليّة. يقول لـ”مناطق نت”: “لقد مضى أكثر من 6 أشهر على وجودي أنا وعائلتي في صور، نزحنا على عجلة من أمرنا من دون أن نأخذ معنا أيّ ثياب سوى التي نلبسها، ولا نجرؤ على الذهاب إلى البلدة مجدّدًا لنأخذ بعضًا من حاجاتنا، ولا نعرف حتّى إذا ما كان منزلنا قد تضرّر أم لا. لولا فسحة الشاطئ والبحر هنا قد لا يوجد شيء ممكن أن يلهينا عن معاناة الحرب والنزوح”.

يبقى الأمل معقود على تحسّن الأوضاع وتوقّف الحرب لتستعيد السياحة عافيتها في المستقبل القريب، ولتعود صور كما كانت، مقصدًا سياحيًّا مميّزًا يعجّ بالزوّار من كلّ حدب وصوب.

“يُنشر هذا التقرير/التحقيق/ التحقيق المصوّر بالتعاون مع المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية DRI، ضمن مشروع الأصوات المستقلّة: دعم صناعة المحتوى المبتكر والمتمحور حول المواطنين والمواطنات في الإعلام اللبناني“.



تعليقات: