أثر الغارات الإسرائيلية على كفرا (Getty)
مع تباشير موسم التين والعنب، يشد الكثيرون من الجنوبيين رحالهم إلى ياطر وكفرا، للتزود بتينهما وعنبهما وحبات الزعرور الحمراء والصفراء، التي توصف دواء لمناعة القلب، والتمتع بواحات السنديان الخضراء والأودية، التي شكلت على عقود من الزمن ممرات لعبور الفدائيين والمقاومين.
إسمان متلازمان
ياطر وكفرا، في قضاء بنت جبيل، ما زال يغلب عليهما الطابع القروي الزراعي، رغم القصور المتربعة على تلالهما والشوارع الواسعة والهجرة الكبيرة لأبنائهما، في أرجاء المعمورة، بحثاّ عن غد أفضل.
كفرا وياطر، إسمان متلازمان، عند النطق بالأولى تنساب الثانية بسرعة، فبين البلدتين، اللتين تغمرهما الثلوج في الشتاءات القوية، على ارتفاع يتراوح بين 650 إلى 700 متر، تشابه في العيش والزرع والمحاصيل ومراسيم تشييع الشهداء.
شكلت ياطر وكفرا، قبل الانسحاب الإسرائيلي في العام ألفين، خط تماس بين المناطق المحتلة (الشريط الحدودي) والمناطق المحررة، وكانتا طيلة تلك الفترة، تتعرضان للغارات الإسرائيلية وعمليات القصف المدفعي من موقعي الاحتلال، في الحقبان والخزان، واللذين انسحب منهما الإسرائيليون، قبل التحرير بحوالى 14 عاماً. .
وفي "حرب الإشغال والإسناد" دعماّ لغزة، التي ينفذها حزب الله، سقط في كفرا ثلاثة شهداء مدنيين وشهيد آخر "على طريق القدس"، فيما سقط في ياطر "شهيدان على طريق القدس" ودمرت عشرات المنازل. لكن البلدتين بقيت فيهما نسبة كبيرة من سكانهما، وتحديداّ ياطر.
ياطر: ورق الدوالي والسيجارة العربية
يشتق إسم بلدة ياطر من ولي صالح، يعرف بـ"ياثر"، وفيها مقام يتضرع إليه الناس من أبناء المنطقة. وقد عرفت مسيرة هذه البلدة، التي يزيد عدد سكانها على العشرة آلاف نسمة، مراحل عديدة من العمل المقاوم بكل أطيافه والانتماء العروبي، خصوصاّ لقضية فلسطين، حيث انخرط عدد كبير من شبانها في صفوف فصائل الثورة الفلسطينية، وسقط العديد منهم شهداء.
تتعدد ميزات ياطر، والتي لا يزال كبار السن يلفظون إسمها "ياثر"، فهي واحدة من أكبر بلدات قضاء بنت جبيل جغرافياّ. تزيد مساحتها على ثلاثين مليون متر مربع، وتتميز بكثافة حرشية وأودية سحيقة، تصل إلى حدود الصالحاني وشيحين في منطقة صور، فيما يتوزع إشراف تلالها على صديقين وجبال البطم وكفرا وزبقين.
يكثر في ياطر، التي يوجد فيها مجلس بلدي مؤلف من 15 عضواّ وأربعة مخاتير، زراعة الزيتون والتبغ والعنب والتين واللوزيات والخضار. ودخلت إليها حديثاّ زراعة الأفوكا، إلى جانب تربية المواشي والنحل وغيرهما. كما شهدت أرضها في العام 2006، سقوط طائرة أباتشي للعدو، في منطقة وادي مريمين. وهي الطائرة الوحيدة التي أسقطها حزب الله في تلك الحرب.
تاريخ الاغتراب
يؤكد الحاج خليل كورائي، رئيس بلدة ياطر، أن عمر البلدة ضارب بالتاريخ القديم، وما يدل عى ذلك هو الآثار الموجودة فيها، من المغاور والخرائب التي عثر عليها المنقبون في أوقات سابقة، حيث تم العثور على عملات معدنية تعود إلى العصور الفينيقية والبيزنطية والرومانية. كما يوجد فيها مقام لـ"ولي صالح" يسمى ياثر.
ويقول كوراني لـ"المدن"، إن ياطر مترامية الأطراف، منتشرة على مجموعة تلال مطلة على البحر وعلى ربى وهضاب فلسطين. وتبعد عن مركز القضاء، بنت جبيل، 18كيلومتراّ. وهي المسافة نفسها التي تبعد عن صور. تحدها كفرا، صربين، صديقين، جبال البطم، زبقين، وصولاً إلى وادي شيحين. لافتاّ إلى أن البلدة، تعد بلدة زراعية بامتياز، تشتهر بجودة تبغها، حتى صارت مقصداّ لمدخني التبغ العربي، نظراّ لنوعيته ونكهته.
وأيضاّ تشتهر بكروم العنب والتين والزيتون، وورق الدوالي، الذي يتمايز عن سائر دوالي المنطقة.
ويتابع كوراني، منذ سنوات أقيم على أرض ياطر أكبر مشروع زراعي خاص في الجنوب، وهو عبارة عن غرس مساحة 200 دونم بأشجار الأفوكا. ونحن كبلدية نحث ونشجع الأهالي على المضي في هذه الزراعة، مشيراّ إلى أن بعثة "إرفد"، صنف ياطر في الستينيات قرية سياحية، لما تتمتع به من جمال في طبيعتها وتلالها وهوائها العليل.
وفيما يتعلق بموضوع الهجرة والاغتراب، يلفت كوراني إلى أن ياطر شهدت أول هجرة في العام 1914، في أتون الحرب العالمية الأولى، إلى بيونس أيريس في الأرجنتين، ولم يعد سوى القليل منهم إلى ياطر. تبعتها هجرة إلى البرازيل، حيث تبواً بعض أبنائها مراكز هناك، ومنها رئاسة ونيابة رئيس بلدية. موضحاّ في السياق نفسه، أن حوالى 400 شخص من أهالي ياطر يحملون الجنسية الأميركية، وأن عدد حاملي الجنسيات الأجنبية يفوق الألف.
ويشير كوراني إلى أن ياطر دفعت ما يقارب المئة وخمسين شهيداّ، غالبيتهم في مواجهات مع الاحتلال الإسرائيلي. وهي تعتبر أماّ للشهداء والعلماء والشعراء.
وحول واقعها الحالي، يؤكد كوراني لـ"المدن" أن العدوان الإسرائيلي المتواصل دمر أكثر من 25 وحدة سكنية تدميراّ كاملاّ، وتضرر أكثر من ستين منزلاّ ومدرسة البلدة الرسمية ومساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وحرمان الأهالي من موسم الزيتون، لا سيما الحقول في أطراف البلدة. كما سقط شهيدان من أبنائها "على طريق القدس"، هما عبدالطيف حسن سويدان، وحسين علي كوراني.
وقال كوراني: إننا نواجه هذه الظروف باللحم الحي. فأهالي البلدة ورغم كل الاعتداءات صامدون فيها على نحو كبير، بعزيمة وإرادة قويتين. مناشداّ وزارات المالية والداخلية والاتصالات الإفراج عن مستحقات البلدية، العائدة للسنوات2021- 2022- 2023، وهي مستحقات بالليرة اللبناتبة وباتت قيمتها زهيدة جداّ، لا تسد حاجة، ولا متطلبات البلدية للقيام بالحد الأدنى من واجباتها تجاه مواطنيها.
كفرا: أرض التين
تشكل بلدة كفرا وسطاّ بين قضائي بنت جبيل وصور، فتتجاور مع ياطر وصديقين وحاريص ودير عامص، وتنفرد بمناخها وكثرة المساحات الخضراء والتنوع النباتي، ما دفع إلى المطالبة بتحويل مناطق عديدة منها إلى محمية طبيعية وموئلاً للطيور، من خلال مشروع قانون تم تقديمه إلى مجلس النواب.
كفرا، التي تحافظ في كثير من أراضيها على أشجار الزيتون والتين، حيث تصنف من أكثر البلدات المنتجة للتين على مستوى الجنوب، يبلغ عدد سكانها حوالى تسعة آلاف نسمة، غالبيتهم يقيم في بيروت وبلاد الاغتراب.
خسرت بلدة كفرا، خلال "حرب الإسناد والإشغال" أربعة من أبنائها شهداء، بينهم ثلاثة مدنيين سقطوا في غارات إسرائيلية، وهم الزوجان حسين حمدان ومنار عبادي، والمدرّسة غادة عبادي، التي استشهدت قبل أيام متأثرة بجراحها، و"الشهيد على طريق القدس"، محمود علي حمود. كما أصيب العديد من أبنائها بجروح مختلفة، إضافة إلى تدمير أكثر من خمسة منازل ومحال ومؤسسات تجارية.
المختار: صامدون
يؤكد المختار حسين العبد لـ"المدن" أن كفرا تقع في مرمى الاعتداءات الإسرائيلية، منذ اليوم الأول للعدوان على الجنوب، وأن الغالبية من أهلها المقيمين فيها على الدوام، ما زالوا صامدين فيها، حيث يمارسون أعمالهم وأشغالهم الزراعية والحرفية.
ويضيف، أن أبناء بلدة كفرا يعتمدون على المواسم الزراعية، وخصوصاً موسم التين، الذي بدأ يهل في هذه الأيام. وهو من أزكى أنواع التين، الذي يتغنى به أهلها وكل من يقصدها للتزود به، إلى جانب تفردها بكثرة أشجار الزعرور، التي أصبحت نادرة في قرانا.
تعليقات: