بضحكة كانت تملأ وجهها وهي تجلس بالقرب من ابنها بالتبنّي سمير القنطار، «نطقت» أم جبر وشاح بجملتها الأولى «اليوم راح كل التعب». أما سمير، الذي خف لمعانقتها بصمت متأثر، فسرعان ما تمالك نفسه ليقول «كنت تقولين لي إن باب السجن لا يغلق على أحد. والله طلع معك حق يا حجة». يضحكان أيضاً وأيضاً أمام الكاميرات التي كانت قد تسابقت لفندق الماريوت، حيث جرى اللقاء. أما أم جبر، فلقد نسيت الكاميرات وراحت تعبث بشعره راوية: «يوم طلعت قلت لأم إبراهيم بارود والنسوان عندي بالدار إياكن تزلغطوا قبل ما يوصل على لبنان. وبس شفناك بالبدلة العسكرية، حملت صينية الحلو وصرت أرقص واقول: حزب الله على الحدود علّمنا خطف الجنود. ومن غزة لرام الله تحية لحزب الله». وتكمل: «أحمل أمانة من أمهات وزوجات وأبناء الأسرى لسماحة السيد حسن نصر الله، أن لا ينساهم. الكل فرح لك هناك يمّا».
رحلة ماراتونية قطعتها هندومة وشاح، مع ابنها جبر إلى لبنان. فقد منعتها السلطات المصرية من مغادرة غزة عبر معبر رفح، الصيف الماضي، لتستقبله بعد إطلاق سراحه في صفقة تبادل أسرى في 17 تموز الماضي. منذ حوالى شهر نجحت أم جبر في عبور رفح بعدما أمضت يوماً بكامله تنتظر على الحدود. أكثر من 9 ساعات تحت الشمس والنتيجة التقدم مئة متر باتجاه الحدود المصرية. هناك كان عليها أن تنتظر ساعة أخرى لإجراءات الأمن والتفتيش. ومن مصر انتظرت أياماً للحصول على تأشيرة الأردن. وهناك كانت أيضاً أسيرة أيام من الانتظار للحصول على تأشيرة سوريا.
«إمبارح لمن شتت الدنيا كنت على الحدود السورية» تقول. ثم تسكت هنيهة وتكمل «والله ريحة التراب ذكرتني بضيعتي بيت عفا في فلسطين. الأرض واحدة والتراب واحد يما، بس الحدود ... آخ من الحدود». وتضيف متنهدة «أمنيتي قبل أن أموت أن تفتح الحدود ونصير قادرين نروح ونيجي زي ما منريد».
أما سمير القنطار، فيقول عن أم جبر إنها «تختصر فلسطين». ويضيف: «لقد مضت أكثر من 10 سنوات وأنا لم أرها. فلسطين ترتسم على قسمات وجهها، لقد كانت غذاء صمودنا، ومعنوياتها العالية تذكّرنا أنّ علينا الصمود لتحقيق الأهداف التي اعتُقلنا من أجلها». تقاطعه أم جبر: «أصررت على أن أطلب لقاءك كل 15 يوماً من الصليب (الأحمر الدولي)، كنت أعرف أنهم لن يعطوني إذناً لكنني كنت أفعل ذلك لأثبت حقي». فيجيبها سمير ضاحكاً «مش بس مناضلة، خبيرة قانون دولي أيضاً». أما رفيق زنزانته أنور ياسين، الذي كان يواظب على النأي بنفسه عن عدسات الكاميرات لأنه يقوم بالتغطية في إطار عمله كمراسل، فقد احمرّ وجهه خجلاً عندما عانق «أمه»، وقالت له: «إمسك الخشب يما، اسم الله عليك عم تتحلى يا أنور». وفيما توافد المزيد من الأسرى المحررين مساءً لرؤيتها، كانت هي تتساءل: «يمكن يكون هذا آخر مشوار؟ الله العليم كيف بدي ارجع فوت على غزة. وإذا فتت كيف رح اقدر اطلع مرة تانية».
تعليقات: