لا زالت الدعاوى ضد حاكم المركزي الأسبق رياض سلامة المقدمة أمام القضاء اللبناني محط أنظار اللبنانيين عامة والمودعين على وجه الخصوص، المترقبين بفارغ الصبر مصير أموالهم وأحلامهم وجنى أعمارهم الذي سرق في عمليات تبييض الأموال، عبر سلامة وشركائه. ويسعى القضاء اليوم برعاية سياسية لحماية مرتكبي الجرائم بدلاً من محاسبتهم.
التقرير الأولي للتدقيق الجنائي الذي أعدته شركة "ألفاريز ومارشال"، والذي يتألف من 332 صفحة، موزّعة على 14 باباً، ويكشف هندسات مالية كلفت المالية العامة بين العامين 2015 و2020 مبلغ 115 ترليون ليرة لبنانية، أي ما يعادل 76.5 مليار دولار أميريكي، وفق سعر الصرف المعتمد آنذاك.
كذلك، تضمّن التقرير لائحة بأسماء شخصيات سياسية وإعلامية ومؤسسات وجمعيات، استفادت كلها من دون وجه حق من دعم مالي يفوق 100 ألف دولار لكل منها، أي ما يعادل مجموعه ملايين الدولارات؛ في حين بلغت التحويلات لحساب شركة "فوري" (Forry) 333 مليون دولار، وهي التي تعود لشقيق حاكم مصرف لبنان الأسبق، رجا سلامة، والتي ذكرت وزارة الخزانة الأميركية في تقريرها أبرز التجاوزات المرتبكة من قبلها ومخالفاتها المالية وفضائحها.
وقد فرضت الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا عقوبات على رياض سلامة، ونجله ندي، وشقيقه رجا، ومساعدته ماريان الحويك، وصديقته أنا كوزاكوفا، الذين ساعدوا سلامة على إخفاء وتسهيل "النشاط الفاسد"، بحسب تعبير وزارة الخزانة الأميركية.
وبحسب تقرير التدقيق الجنائي أيضاً فإنه في أحد المخططات، استخدم سلامة، بمساعدة شقيقه رجا، شركة "فوري أسوسييت" لتحويل ما يقرب من 330 مليون دولار من المعاملات المتعلقة بمصرف لبنان، حيث كان وافق سلامة على عقد يسمح لشركة شقيقه بالحصول على عمولة على مشتريات الأدوات المالية، من قبل بنوك التجزئة اللبنانية من مصرف لبنان، على الرغم من أن "فوري" لم تقدم أي فائدة واضحة لهذه المعاملات. وقد تجنب العقد تسمية "فوري أسوسييت"، أو مالكها.
ثم قام "الأخوين سلامة" بتحويل هذه الأموال إلى حسابات بنكية بأسمائهما الخاصة أو أسماء شركات وهمية أخرى. وانضمت مساعدة سلامة الأساسية في مصرف لبنان، ماريان الحويك، إليهما في هذا المشروع عن طريق تحويل مئات الملايين من الدولارات، بمبالغ تتخطى بشكل فاضح راتبها الرسمي في مصرف لبنان، من حسابها المصرفي إلى حسابهما.
خضع سلامة للاستجواب أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت الأسبق شربل أبو سمرا، بملف الادعاء اللبناني، بجرائم الرشوة والتزوير واستعمال المزوّر وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع والتهرّب الضريبي، مقابل ما حُكيَ عن ضمانات أعطيت له بعدم توقيفه وتركه رهن التحقيق من دون إصدار مذكرة توقيف وجاهية بحقه، مع الاكتفاء بحجز جوازي سفره، اللبناني والفرنسي، وإصدار قرار بمنعه من السفر، في إجراء اعتبر خدمة لسلامة وليس عقاباً له، حيث أن بعض الدول الأجنبية كانت قد أصدرت أحكاماً بمصادرة ممتلكاته أو مذكرات توقيف غيابية بحقه.
شكوى "متحدون":
كان محامو تحالف متحدون ضد الفساد أول من تقدموا بالشكوى والوقائع نفسها، التي شملتها التحقيقات المحلية والدولية كما وتقريري "ألفاريز ومارشال" و"الخزانة الأميركية"، أمام النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان غادة عون بتاريخ 2 شباط 2021، لكن الأخيرة أخفتها بالكامل ووظفت مضمونها في الاستغلال السياسي، وفي عقد صفقات مريبة متعلقة بملف الدعوى كانت تلي الضغط الممارس على عدد من المدعى عليهم إثر استجوابهم، مما حدا بالمدَعين التقدُم بشكاوى ضدها أمام هيئة التفتيش القضائي ومجلس القضاء الأعلى.
وفي آذار 2023 ظهرت معطيات جديدة تتعلق بتبييض أموال تصل إلى 10 مليار دولار بين لبنان ودولة أوروبية، هي قبرص، والمملكة المتحدة متصلة بالمدعى عليهم وشركائهم بشكل مباشر وغير مباشر، كان تقدم بها محامو التحالف آنذاك أمام القاضي أبو سمرا، تضمنت معطيات ومراسلات أوروبية رسمية وقضائية تثبت تحويل مبالغ على دفعات، منها 47 مليون يورو إلى حساب رجا سلامة بين أربع شركات منها شركة "اوبتيموم إنفست" (Optimum).
يُذكر بأن هذه الشركة هي مملوكة مما يُعدّ "عصابة أشرار" امتهنت تهريب وتبييض الأموال، باشتراك المصارف وشركات نقل الأموال وإدارة ندي سلامة وأنطونيوس حنا غريب انطلاقاً من مكتبها الموجود ضمن مكاتب "لي بنك" (LIBANK) في محلة الأشرفية في بيروت، حيث كانت إدارة "المصرف الاستثماري" هذا أصدرت بياناً في 16 آذار 2023 نفت فيه” ما نشره "تحالف متحدون" تحت عنوان "أربع شركات جديدة تربط الأخوين سلامة وأعوانهما بتبييض الأموال، وزج اسمه من ضمن هذه الشركات في محاولة لربطها بالملاحقات القضائية الجارية في حق الأخوين سلامة"، مؤكداً أن ما ذكر "عار من الصحة ومجرد افتراءات وتجن".“
إن القضاء اللبناني لم يكن على قدر التطلّعات في هذا الملف، كما في ملفات أخرى تتعلق بحقوق المودعين، فهو يتمادى بتكريس الظلم الواقع على المودعين سيّما تمادي القضاة المشكو منهم أمام هيئة التفتيش القضائي وأولهم أبو سمرا وعون وغيرهما في تحوير وتزوير ملفات دعاوى المودعين لديهم، فيما لم تقم الهيئة أو مجلس القضاء أو النيابة العامة التمييزية حتى الساعة بتصويب أي من الإجراءات الباطلة المشكو منها، بما يضرب مبدأ "حياد القاضي" ويكرّس التلاعب "الخطير" بالملفات عن طريق "التزوير القضائي".
فيما تنكب جهود محامي التحالف وبكل إصرار على تجنيب دخول ملفات دعاوى المودعين لديهم مرحلة الجمود خشية حصول سيناريو شبيه بذلك المتعلق بملف انفجار مرفأ بيروت، يبقى المطلوب من المودعين أصحاب الحقوق، مقيمين ومغتربين، ضم جهودهم ودون أي إبطاء إضافي عن طريق اتحاد وتواصل فعليين يتخطيان كل الاختلافات والمعوقات القائمة، عسى أن تصل هذه الجهود إلى خواتيمها المطلوبة، في مقابل نفوذ المصرفيين والسياسيين التابعين لهم، الذي سيكون هو الفيصل إن حصل خلاف ذلك!
–أمال جمول، تحالف متحدون
تعليقات: