بدأت الامتحانات في صيدا الساعة 9 فيما وصلت المسابقات إلى مناطق أخرى الساعة 10 (المدن)
تنام وزارة التربية على فضيحة وتستفيق على أخرى. لكن ما حصل في الامتحانات الرسمية لشهادة الثانوية العامة في يومها الأول، اليوم السبت في 29 حزيران، لا يستدعي الغاء الامتحانات فحسب، بل كف يد المسؤولين عن الفضيحة التي تضرب نزاهة الامتحان في الصميم. فقد وزِّعت المسابقات على الهواتف ووسائل التواصل قبل وصولها إلى غالبية مراكز الامتحانات، بنحو ساعة، بسبب التأخير الذي حصل في طباعة المسابقات وتباعاً تسليمها إلى المناطق التربوية وتالياً إلى مراكز الامتحانات.
المسابقات وصلت إلى الهواتف قبل المراكز
موعد الامتحانات كان عند الساعة الثامنة والنصف صباحاً لمواد الكيمياء في فرعي علوم حياة والعلوم العامة ومادة الاقتصاد في فرع الاجتماع ومادة الفلسفة في فرع الانسانيات. وقد انطلقت الامتحانات في صيدا عند الساعة التاسعة، فيما كان الطلاب في صور وحاصبيا والنبطية وطرابلس وعكار والبقاع ينتظرون وصول المسابقات إلى مراكزهم. وكانت المسابقات قد وصلت على الواتساب مع حل لكل سؤال، وتوزعت على وسائل التواصل الاجتماعي، قبل ساعة من بدء الامتحان في تلك المناطق. وقد تواصلت "المدن" مع رؤساء مراكز وأساتذة وأولياء أمور وتبين أن الامتحان لم يبدأ في البقاع مثلاً قبل الساعة العاشرة، فيما في صيدا كان قد بدأ الساعة التاسعة، فيما وصلت المسابقات إلى مركز الفاكهة، على سبيل المثال، كما أكد شهود عيان، عند الساعة 9:40 دقيقة، وبعد الساعة العاشرة في مناطق أخرى. والحديث هنا ليس عن تأخر يحصل لمركز من هنا أو هناك، كما يحصل عادة، بل عن تأخر عن جميع المراكز في غالبية المناطق، الأمر الذي يضرب صدقية الامتحانات.
الأشقر ترك اللبّان وحيداً!
الفضيحة الكبرى في هذه الامتحانات تبدأ من عودة رئيس اللجان الفاحصة مدير عام التربية بالإنابة عماد الأشقر من سفره مساء أمس إلى لبنان. فالأشقر هو المسؤول الأول عن الامتحانات لكنه غادر منذ نحو أسبوع إلى اميركا لمتابعة دورة في جامعة هارفرد!! أي أنه ترك هذا الاستحقاق الاستثنائي في أدق أيامه، وكلف مكانه صونيا الخوري لمتابعة العمل. وعند وصوله مساء أمس إلى الوزارة عوضاً عن مواصلة العمل راح يتشاجر مع الخوري، لأنها رفضت تسليمه قبل الساعة 12 ليلاً، على اعتبار أن تكليفها ينتهي بهذا الوقت.
الأشقر ترك الامتحانات في توقيت مفصلي كما لو أنه يترك السفينة تغرق خلفه. فالمكلف بدائرة الامتحانات ربيع اللبّان، خلفاً لأمل شعبان، لا خبرة لديه سابقة في إدارة الامتحانات وفريق عمله في الدائرة كله جديد ولا خبرة للموظفين بالامتحانات أيضاً. وكان الاختبار الأول له مع تغيير وزارة التربية توصيف الامتحانات قبل أسبوع من موعد الامتحانات. ولم يستدرك معنى هذا التغيير وكيفية مواجهة العقبات إلا بعد التجربة التي حصلت مساء أمس. فقد تبين أن التوصيف الجديد وإدخال الأسئلة الاختيارية بحاجة إلى إجراءات تقنية مختلفة عن السابق.
تغيير توصيف الامتحانات
وفق مصادر "المدن" خلال وضع لجان المواد أسئلة المسابقات مساء أمس تبين لهم أن حجم المسابقة بات كبيراً بالمعنى الفيزيائي للكلمة (باتت بحجم مسابقتين). فإدخال الأسئلة الاختيارية أدى إلى تكبير حجم المسابقات ورقياً. كانت المسابقات تطبع على ورقة واحدة أو ورقتين. لكن مع كبر حجم المسابقة باتت بعض المواد بحاجة إلى أربعة أوراق. وهذا ينعكس على آلية طباعة المسابقة لتوضيبها قبل إرسالها إلى المناطق التربوية. وهنا أيَضاً وقع الموظفون الجدد في معضلة وتم اتلاف مئات المسابقات لأن الطباعة لم تنجح كما يجب. وقد تم تغيير حجم الأوراق لكن كل مسابقة كانت بحاجة إلى "تكبيس" لإرفاق أوراقها ببعضها البعض، ما أدى إلى تأخير في التوضيب وفوضى في تنسيق الأولويات.
كل ما أشيع عن حصول أخطاء في إعداد مادة الكيمياء أو حصول تسريب مسابقات، أدت إلى اتخاذ قرار بتعديل الأسئلة من جديد، لم يكن دقيقاً. التأخير في صدور مادة الكيمياء سببه تغيير التوصيف ووسع حجم المسابقة الذي انعكس أخطاءً في إعدادات أو نموذج المسابقة. إضافة إلى خطأ بسيط لم يتم تعديله أصلاً في بعض الإشارات. إضافة إلى تأخير بدء عمل اللجان حتى الساعة 11 ليلاً. لكن التأخير في وضع المسابقات أمر معتاد في الامتحانات، ويستوجب اتخاذ قرارات فورية لتدارك أي خطأ يضرب نزاهة الامتحانات.
التأخير الفعلي كان في الطباعة والتوضيب بحسب المناطق التربوية وعدم حسن إدارة توزيع المسابقات على المراكز. فتأخير وضع مسابقة يؤدي إلى تأخير تسليم المسابقات في كل لبنان. لكن ما حصل هو وصول المسابقات إلى مراكز وعدم وصولها إلى أخرى إلا بعد أكثر من ساعة. وهذا مرده إلى أن الطباعة والتوضيب بحسب المناطق التربوية كانت غير سليمة.
هل يعاقب المسؤولان عن الفضيحة؟
ما حصل غير مسبوق في تاريخ الامتحانات ولا يمكن الأخذ بأي ذريعة تخفيفية لأي أحد بأن ما حصل خطأ غير متوقع. فعلى رئيس دائرة الامتحانات، بالتنسيق مع رئيس اللجان الفاحصة، فحص كل مكامن الخطأ وتوقعه قبل حصوله. وعليهما اعطاء التعليمات الواضحة لا سيما بعد تغيير توصيف الامتحانات. فالأخيرة تستدعي استعدادات مع رؤساء لجان المواد ومع فريق طباعة الأسئلة. وهذا ما لم يحصل لأنه لم يجر عليه أي اختبار. وعملياً، الاختبار حصل اليوم لكن بعد فضيحة مدوّية.
المسألة ليست خطأ يمر مرور الكرام. فالخطأ كانت كلفته مرتفعة جداً، ذاك أن الامتحانات لم تكن نزيهة ولا شفافة ولا عادلة. والتفتيش التربوي كان حاضراً في العديد من المراكز ولا بد أن يكون قد شاهد هذه الفضيحة التربوية الكبيرة التي تستوجب معاقبة المسؤولين عنها وكف يدهم. وهناك مسؤولان عن الامتحانات بشكل أساسي ومباشر، وهما معروفان بالاسم والعائلة والصفة الوظيفية.
تعليقات: