كفركلا: قرية العروس وبوابة فاطمة.. والمعبر الرسمي إلى فلسطين

كفركلا: مئات من بيوتها تحولت إلى ركام وأطلال (Getty)
كفركلا: مئات من بيوتها تحولت إلى ركام وأطلال (Getty)


حسب معجم أسماء القرى اللبنانية، فإن إسم " كفركلا" مشتق من كلمة سريانية، تنقسم إلى كلمتين" كفر" وتعني القرية و"كلا" تعني العروس. ورغم عمرها القديم الذي مر بأفراح وأتراح، بقيت كفركلا أحد معابر الجنوب إلى سهول فلسطين. عروس يتنفس من حدودها الحل والربط، بينما هي غارقة اليوم تحت وابل غارات وقصف العدو الإسرائيلي المستمرين، محولين مئات من بيوتها إلى ركام وأطلال.

كثيرة هي الحكايا والمحطات في كفركلا، جارة المطلة وسهل الحولة شرقاّ، وعديسة جنوباّ، ودير ميماس شمالاّ، والطيبة غرباّ. فبين كفركلاّ المسيجة بالزيتون من جهاتها وفلسطين، تاريخ من الود والتبادل التجاري وزراعة الحقول المتداخلة، في الذوق الفوقاني والتحتاني والحولة والمطلة، ومعبري الجمارك والأمن العام، اللذين بقيا شاهدين على تلك الروابط مع فلسطين إلى أواخر ستينيات القرن الماضي، بعدما تعطل دورهما رسمياّ عند حدوث نكبة فلسطين العام 1948، وانتقال سلطة الأمر الواقع الاحتلالي إلى الكيان الإسرائيلي.

ففي بلدة كفركلا، التي يلامس عدد أبنائها 15 ألف نسمة، على مساحة واسعة من الأراضي والمرتفعات الكاشفة للأراضي الفلسطينية على مد العين والنظر، قصص وحكايات حديثة تخبر عن "بوابة فاطمة"، حيث تختلف روايات أصل التسمية، وبطولات يحفظها جيل بكامله ويتوارثها أجيال، تروي جسارة مقاوم تحول إلى إسطورة، فأطلق عليه فارس كفركلا، هو عبد الأمير حلاوي "أبو علي"، أحد مناضلي الحرس الشعبي، الذي كان ينضوي في حزب طليعة لبنان الاشتراكي، الذي سقط شهيداّ في مواجهة مع كوماندس للعدو الإسرائيلي على كفركلا، في السابع والعشرين من تشرين الثاني من العام 1975، بعدما كان اجتاز مواجهة مماثلة مع رفاقة قبل حوالى أربعة أشهر. فكتب عنه الروائي السوري عاصم الجندي رواية تحت عنوان" فارس كفركلا".

قبل أن تحتل كفركلا الشاشات والنقل المباشر، من خلف الأسلاك الشائكة ولاحقاّ الجدار المرتفع الذي أنشأه العدو بعد سنوات من اندحاره، غنٌى الفنان اليساري خالد الهبر لهذه البلدة، في أوج الاعتداءات الإسرائيلية عليها في العام 1975، "كفركلا تزرع في الأرض أقحوانة.. كفركلا تغرس في الأرض بندقية.. لتحمي القضية.

ما زالت كفركلا، التي انسحب عبر بوابتها آخر جندي إسرائيلي، في 25 أيار العام ألفين، مغلقاً وراءه بوابة حديدية تفصلها عن المطلة، من دون قيد أوشرط، وقدمت إلى الآن 17 شهيدة وشهيداّ، وهُدمت وتضررت المئات من بيوتها ومؤسساتها واحترق زيتونها وعنبها.. ما زالت تنتصب في وجه العدو الإسرائيلي، رغم كل ما أصابها من تدمير ونزوح أهلها عنها إلى بقاع الجنوب وبيروت.


خليل شامي والحنين إلى الأرض

أصعب ما حل بخليل شامي، تركُ كفركلا قسراّ، بعدما بلغت همجية العدو الإسرائيلي حدا كبيراّ وانتقاماً من بشرها وحجرها وأشجارها وزرعها. ارتبط شامي، ارتباطاّ وثيقاّ بكفركلا وزيتونها وتجارتها، وما زال يحفظ من والديه المرحومين وآخرين من بلدته روابط أهل كفركلا بفلسطين، خصوصاّ وأنها كانت ممراّ برياّ رسمياّ إلى داخل فلسطين، يقيم عنده عناصر من الجمارك اللبنانية، وفي الضفة الأخرى الجمارك الفلسطينية، قبل النكبة.

قبل أيام، وصل إلى شامي النازح جسداّ عن كفركلا، خبر تدمير منزله ومنزل أحد أبنائه في البلدة، لينضم إلى مئات المنازل التي محتها طائرات العدو. ولم يخطر بباله سوى قول واحد "حسبي الله ونعم الوكيل".

برأي الشامي، 80 عاماّ، والذي كان في سن الثانية عند احتلال فلسطين، ولم يتسن له التمتع بجمالها والسير على طرقاتها كمن سبقه من الأهل والأجداد، فإن كل شيء يهون أمام الدم. فالمنازل يمكن إعادة بنائها، كذلك الأرزاق والزرع، ولكن الأهم أن نعود منتصرين إلى قرانا.

لا تزال ذاكرة خليل شامي تحفظ يوم استشهاد صديقه وابن بلدته عبد الأمير حلاوي، قبل 49 عاماّ. فيقول إن أبو علي، الذي ترك عائلة مؤلفة من زوجة وثمانية أبناء، كان مقداماّ وشجاعاّ في الدفاع عن كفركلا، التي تقدم اليوم مرة جديدة نخبة من أبنائها من أجل فلسطين وأرض لبنان، التي يستمر العدو باحتلال أجزاء منها، ومن بينها أراض لأبناء بلدتنا وجارتنا دير ميماس.


أرض الزيتون والزيت

عاد خضر سرحان إلى بلدته كفركلا، بعد تحريرها في العام ألفين، فافتتح فيها معملاّ لتصنيع الصابون، كون المواد الأولية لهذه الصناعة متوفرة بكثرة في كفركلا.

نزح سرحان مع عائلته إلى منطقة النبطية. ورغم هذا النزوح، ظل سرحان مرتبطاّ بمهنته، التي تقيه من شر العوز، خصوصاً في ظروف الابتعاد عن تراب بلدته .

يؤكد سرحان لـ"المدن"، أن زيت كفركلا من أفضل زيت الزيتون في العالم، مثله مثل زيت جارتها دير ميماس، التي صُنف زيتها كأفضل زيت في العالم .

وقال، شهرة كفركلا بالزيتون والزيت لا تضاهيها أي بلدة لبنانية. فهي تتربع على عرش هذه الزراعة المنتشرة في عموم أراضيها، إلى جانب زراعة الحبوب، التي تتركز في منطقة السهل. مضيفاّ، إن كل ما نبتغيه هو العودة إلى كفركلا، التي صب العدو جام غضبه عليها، فلم تسلم غالبية منازلها وبيوتها ومؤسساتها، من الدمار والأضرار المختلفة، بعدما حرم معظم أهلها من موسم الزيتون.

تعليقات: