المادة الحارقة تقتل التربة وتلوث البيئة (Getty)
يوميًا، يرتفع حجم الخسائر البيئية والزراعية في جنوب لبنان مع توسع رقعة القصف الإسرائيلي الذي طال أكثر من 55 منطقة جنوبية منذ حوالى التسعة أشهر، والحقيقة الثابتة اليوم أن الدولة اللبنانية عاجزة عن تحديد الأرقام الدقيقة والرسمية لنسبة الخسائر في المناطق الجنوبية، نتيجة عدم قدرتها على المسح الميداني للأراضي المتضررة، فهي بانتظار إنتهاء الحرب بشكل كامل لتتمكن الفرق التقنية من الكشف على الأراضي الزراعية المدمرة والكشف عن حجم الخسائر (راجع "المدن").
"دمار هائل"
ويتعمد الجيش الإسرائيلي منذ بدء الحرب إحراق الأراضي الزراعية اللبنانية باستخدام الفوسفور الأبيض المحرم دوليًا. ووفقًا للمجلس الوطني اللبناني للبحوث العلمية، فقد سجل وقوع أكثر من 175 هجومًا إسرائيليًا بالفوسفور الأبيض. وحسب التقديرات الأولية للدولة اللبنانية، فقد أعلن وزير البيئة، الدكتور ناصر ياسين خلال مشاركته في حلقة حوارية لمناقشة "أساليب تعامل الحكومة اللبنانية مع التحديات البيئية من الفوسفور الإسرائيلي" في مقر حزب "الكتلة الوطنية" في منطقة الجميزة، يوم الخميس 4 تموز، أن القطاع البيئي تعرض لأضرار جسيمة، والدولة اللبنانية تمر بظروف صعبة جدًا، حيث أن الأراضي الزراعية المحروقة تخطت مساحتها الـ1250 هكتارًا، لافتًا إلى أن الحكومة اللبنانية تمكنت من توثيق استخدام الجيش الإسرائيلي للفوسفور الأبيض الممنوع دوليًا من خلال عدة مصادر، واستعانت بالأدلة التي قدمتها المنظمات الدولية خلال تقاريرها عن استخدام القذائف المدفعية التي تحتوي على الفسفور الأبيض وهو مادة حارقة تصل إلى درجات عالية من الحرارة عند تعرضها للهواء، وتؤدي إلى إحراق الأراضي الزراعية إضافة إلى أنها تلتصق بأجسام المواطنين وتسبب لهم حروقًا شديدة في الجلد ومن ثمّ الموت.
وخطورة هذا الأمر، أن المادة الحارقة تقتل التربة، علمًا أن العينات التي أخذت من الأراضي الزراعية اللبنانية خلال أيام الهدنة أظهرت أن نسبة الفوسفور كانت مرتفعة جدًا، ما يعني أن هناك صعوبة كبيرة في زرع هذه الأراضي مرة أخرى، فالتربة لم تعد صالحة.
"أرقام غير دقيقة"
وشرح ياسين أن هذه النتائج لم تُحسم بعد بشكل كامل، ووزارة الزراعة شكلت لجنة تقنية متخصصة في إجراء الفحوص اللازمة للتربة للتأكد من نسبة الفوسفور فيها، إلا أنها لن تتمكن من تنفيذ مهمتها قبل وقف إطلاق النار بشكل نهائي في جنوب لبنان، لافتًا إلى أن هناك بعض البحوث العلمية التي أثبتت أن التربة قد تصلح للزراعة مرة أخرى في حال تبين أن نسبة الفوسفور كانت ضئيلة.
ضعف الدولة اللبنانية
وكانت الحكومة اللبنانية قد أعدت "خطة طوارئ الحرب"، وهي خطة استباقية لرفع الجهوزية لمواجهة أي حرب مقبلة، وقد أكد ياسين بصفته منسق خطة الطوارئ الحكومية في مجموعة العمل حول تمويل وإيصال المساعدات الإنسانية، أن الحكومة جهزت القطاع الصحي ومراكز الإيواء. ولكنها اكتشفت خلال إعداد هذه الخطة أنها ضعيفة لمواجهة الحروب أو الأزمات، وذلك نتيجة الخلل والضعف والتفكك في مؤسسات الدولة، والأزمة المالية والانهيار الاقتصادي وغيرها..، إلا أنها تحاول تأمين الحد الأدنى من احتياجات النازحين، لافتًا إلى أن الحكومة في صدد تطوير خطة الطوارئ في حال توسع الحرب الإسرائيلية خلال المرحلة الكبرى.
عمليًا، والذي لا يحتاج إلى كثير من النقاش، الدولة اللبنانية عاجزة عن تأمين كافة احتياجات النازحين في جميع المناطق الجنوبية والاستجابة لهم بشكل كامل، وياسين لم ينف هذا الأمر أبدًا، إذ أوضح أن مؤسسات الدولة ضعيفة لتأمين جميع الاحتياجات، لكن الحكومة تعمل جاهدًا خلال هذه الفترة الصعبة بالتعاون مع المنظمات الدولية، ووضعت نظامًا للتعامل مع الإدارات المحلية لمساعدة المواطنين، كما أنها نجحت في تأمين المساعدات المالية الشهرية للنازحين من خلال وزارة الشؤون الاجتماعية، والمساعدات الصحية من خلال متابعة جميع النازحين في مراكز الايواء، كما أنها نجحت بتأمين مراكز صحية في مختلف المناطق الجنوبية لتلبية احتياجات السكان.
إذن، مأساة جديدة ستعرض أمام اللبنانيين بعد انتهاء الحرب في جنوب لبنان، حين ستكشف الحكومة اللبنانية عن حصيلة الدمار والخسائر في قطاعي الزراعة والبيئة، وكل الخوف من تحول الأراضي الزراعية إلى أراض غير قابلة للزرع مرة أخرى.
تعليقات: