صورة تعبيرية للـGPS
يستخدم ملايين الأشخاص #نظام تحديد المواقع #GPS الذي حوّل العالم الذي تحوّل إلى قرية صغيرة، ويحمل هذا النظام بيانات المدن والقرى والبلدات لتسهيل ملاحة الطائرات والسفن وتنقّل الأفراد.
وبما أنّ تحديد المواقع عبر نظام تحديد المواقع العالميّ (GPS) أصبح عنصرًا رئيسيًا للجيوش، فقد كان من المتوقّع أن تقوم دول أخرى، أو مجموعات من الدول، بتطوير حلول مماثلة أيضًا. مع محاولة قيام الجميع بحرمان الخصم من هذه الإشارة ودقّتها.
كان هذا هو الحال بالنسبة إلى نظام GLONASS الروسيّ الذي دخل الخدمة في منتصف التسعينيات، ونظام BeiDou الصينيّ في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكذلك نظام Galileo الأوروبيّ منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
في الواقع، فإنّ التحكّم في جميع التقنيات، وخاصّة الأقمار الاصطناعيّة نفسها، يسمح لمالكها، وبالتالي جيوشها، بتقييد استخدامها أو دقّتها على مشغّلين آخرين، أو حتّى استخدام أشكال أكثر دقّة وأكثر مقاومة للتشويش، كما هو الحال مع حالة إشارة GPS التي تستخدمها القوات المسلحة الأميركية وحلفاؤها من العيون الخمس.
وفي المقام الأول من الأهمية، تعهّد العديد من هذه البلدان بتطوير القدرات التي تهدف إلى حرمان الخصم من استخدام أنظمتها الخاصّة. وهكذا، طوّرت الصين، وكذلك روسيا، العديد من التقنيات لإخفاء مساحة معينة لإشارة نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) من خلال استخدام التشويش الكهرومغناطيسيّ المكثّف، ولكن أيضًا لتقليل دقّتها، باستخدام إشارات طفيلية تسبّب انحراف جهاز الاستقبال. ويمكن حساب ذلك بالكيلومترات. وهذا ما يسمّى الانتحال.
ومع تدهور العلاقات بين روسيا وحلف شمال الأطلسي خلال العقد الماضي، اكتسبت أنظمة الملاحة الروسية GLONASS أهمية استراتيجية دفاعية- هجومية جديدة لروسيا. حظّر الكرملين نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) على الأراضي الروسية في عام 2014، مشيراً إلى "مخاوف تتعلّق بالأمن القومي"، نابعة من الخوف من أنّ أميركا قد تخرّب البنية التحتية الروسية المعتمدة على نظام تحديد المواقع العالميّ (GPS).
في الوقت نفسه، أنشأت روسيا بقوّة شبكات GLONASS لتعزيز نفوذها في مناطق الصراع. في سوريا، يزعم الكرملين أنّه تمّ استخدامه بنجاح لتنسيق التفجيرات الدقيقة ضدّ القوات المعارضة للرئيس السوريّ بشّار الأسد، مع تقليل الحاجة إلى وجود جنود روسيين على الأرض.
ويُعدّ نظام GLONASS أكثر من مجرّد بديل تقنيّ، هو بالنسبة إلى موسكو بديل استراتيجيّ وثقل موازن لنظام تحديد المواقع العالميّ (GPS). في هذا السياق يتّضح أنّ إنشاء محطّات GLONASS هو جزء أساسيّ من مشروع بناء النفوذ الروسيّ في القطب الشماليّ.
الّا أنّ عمليات التشويش الذي اعتمدته القوى العسكرية المتصارعة أثّر على حياة المدنيين بشكل كبير ، فعمليات التشويش المنتظم من قبل القوات المسلحة، وخاصّة في أعقاب الغزو الروسيّ لأوكرانيا والحرب ال#إسرائيليّة على قطاع غزة، أحدث مشكلات واسعة النطاق للسكان المدنيين أيضاً، وأصبح تأثير الإشارات المضلّلة واسع النطاق.
وقالت "فاينانشيال تايمز" الأميركية إنّ تحليلها للبيانات الواردة من موقع "فلايت رادار 24" Flightradar24، المختصّ بتتبّع حركة الطائرات، أظهر أن ما يقرب من 40 مليون شخص عاشوا في مناطق فيها إشارات تحديد مواقع غير موثوقة.
وأوضحت أنّ هذه المناطق شملت العاصمة التركية أنقرة، حيث تتمركز قواتها المسلحة، ومساحات من ساحل البحر الأسود، وشبه جزيرة سيناء المصرية، وعدداً من أكبر المدن العراقيّة، وحدود ميانمار التي مزّقتها الحرب.
كما أثّر هذا التشويش القوي على مناطق يبلغ عدد سكانها مجتمعة 110 ملايين نسمة، بما في ذلك مدن تتواجد فيها منشآت عسكرية؛ مثل سان بطرسبرغ في روسيا، ولاهور في باكستان، وبيروت في لبنان، بحسب الصحيفة.
حلول بديلة
وبحسب تقرير لمنتدى التحالف لعلوم الدفاع فإنّه، على الرغم من أنّ أنظمة تحديد المواقع عبر الأقمار الاصطناعيّة موجودة الآن في الغالبية العظمى من أنظمة الأسلحة الحديثة، فقد تعهّدت الجيوش الكبرى في العالم أيضًا بتطوير حلول بديلة لتحديد المواقع لنظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، بما يتجاوز الملاحة بالقصور الذاتي، ما يسمح لهم بالعمل بدقّة أعلى أو في مساحة يتعذّر الوصول إلى الإشارة فيها، أو غير متّسقة، دون العودة إلى الثلاثية الشهيرة 3C: الخريطة والبوصلة وساعة التوقيت، الفعّالة، ولكن المعقّدة وصعبة التنفيذ.
يوجد حاليًّا 4 من هذه التقنيات: الملاحة السماويّة، والملاحة المرئيّة المساعدة، والملاحة عن طريق إشارات الفرصة، والملاحة المغناطيسيّة.
1- الملاحة السماويّة مقابل نظام تحديد المواقع العالميّ (GPS).
استخدمت النجوم، التي يكون مسارها معروفًا ويمكن التنبّؤ به، للملاحة منذ فجر البشرية، عندما فهم الإنسان الأوّل أنّ الشمس تشرق في المكان نفسه، وتغرب في المكان نفسه كلّ يوم، على الأقلّ في تصوّر الإنسان.
خلال العصور القديمة، كانت النجوم تُستخدم في كثير من الأحيان للعثور على الطريق والإبحار، خاصّة في البحار، وذلك باستخدام الأدوات الأساسيّة التي أدّت إلى ظهور الإسطرلاب ثمّ، بعد قرون عدّة، إلى آلة السدس.
هذه التكنولوجيا، التي قد تبدو قديمة وغير دقيقة للوهلة الأولى، مع ذلك معتاد عليها اليوم بشكل مكثّف ودقيق للغاية في الملاحة الفضائية، سواء أكانت أقماراً اصطناعيّةً أم مركباتٍ فضائيةً. قبل كلّ شيء، يتمّ تنفيذه بواسطة معظم الصواريخ الباليستية الإستراتيجية لضمان مرور الضربات ودقّتها.
بشكل أساسيّ، باستخدام خريطة السماء وساعة التوقيت وأداة لحساب ارتفاع النجوم، من الممكن الحصول على موقع دقيق للغاية على الكوكب بأكمله، وحتّى خارجه. إلّا أنّها لا تخلو من بعض القيود، أوّلها وأبرزها اعتمادها على السديميّة لتتمكّن من التصويب نحو النجوم المستخدمة لتحديد المواقع.
وإذا أثبت، بمجرّد دمجه مع التقنيات الحديثة، فعاليته للأجهزة التي تعمل على ارتفاعات عالية، والتي نادرًا ما يكون الطقس عاملاً فيها، فإنّه يتدهور بسرعة بمجرّد انخفاض الارتفاع، ما يجعله أداة ثانوية.
2-مساعدة الملاحة البصريّة أو قياس المسافات
حتى وقت قريب، كان الطيارون المقاتلون الذين يقومون بمهام اختراق على ارتفاعات منخفضة يستخدمون، طريقة تعتمد على خريطة دقيقة وبوصلة وساعة توقيت، بالإضافة إلى قدر كبير من الحساب الذهنيّ.
اليوم، تعتمد الملاحة البصرية المساعدة، والتي تسمّى أيضًا عدّاد المسافات، على المنهجية نفسها، ولكنّها تستبدل الخريطة الورقية، بالإضافة إلى عيون الطيار وقدرته الإدراكية، بنظام رقميّ يجمع بين الخرائط الرقمية وأجهزة الاستشعار البصرية، بالإضافة إلى معالجة وحدة الملاحة التي تسيطر عليها وحدة الملاحة بالقصور الذاتيّ.
في الأساس، تضيف هذه التكنولوجيا قيمة مضافة قليلة إلى الملاحة مقارنة بالطريقة التقليدية، بل إنّها تعاني من القيود نفسها. وبالتالي، في غياب المعالم المرئية، سرعان ما يصبح التنقّل البصريّ المساعد غير دقيق، وغير قادر على التكيف مع المواضع الفعلية. ومع ذلك، فهو يحقّق مكاسب تشغيلية رئيسية.
بالنسبة إلى الطائرات المقاتلة، فهو يعفي الطيار من مهمّة ثقيلة ومعقّدة للغاية، حتّى يتمكّن من التركيز على التحكّم في المهمّة، وبالتالي توقّع التغييرات في السياق التشغيليّ بشكل أفضل بكثير.
وقبل كلّ شيء، فإنّه يجعل من الممكن إعطاء المعدّات غير المأهولة، مثل الصواريخ، قدرات ملاحية مماثلة. وهذا هو الحال على وجه الخصوص بالنسبة إلى صاروخ SCALP/Storm Shadow الذي يتصدّر عناوين الأخبار في أوكرانيا اليوم.
وتبقى الحقيقة أنّ هذه التكنولوجيا، إذا كان في إمكانها أن تمثّل حلّاً بديلاً للملاحة عبر نظام تحديد المواقع العالميّ (GPS) في حالة التشويش، أو حتّى أن تجعل من الممكن اكتشاف محاولة انتحال من خلال ربط المعلومات المرئية المرصودة ومعلومات تحديد الموقع لنظام تحديد المواقع (GPS)، فإنّها مع ذلك خالية ممّن لديه أيضاً قيود معينة.
3-التنقّل عن طريق إشارات الفرصة
نظرًا لأنّ الظروف الجوّية كانت دائمًا عائقًا أمام الملاحة الجوّية أو البحرية، فقد طوّر المهندسون، منذ بداية القرن الماضي، أنظمة الملاحة الراديوية التي تتيح تحديد السمت بدقّة أكبر أو أقلّ تجاه جهاز الإرسال، أو حتّى مسافة أو مسار.
وأصبحت هذه الأنظمة الآن في قلب الملاحة الجوية والفضائية، فيما تمّ توزيع العديد من المنارات حول الكوكب لزيادة كفاءتها.
ومع ذلك، في حالة حدوث اشتباك عسكريّ، تكون هذه الأنظمة ضعيفة جدًّا بحيث لا تمثل حلّاً ملاحيًا فعّالاً. من ناحية أخرى، في العقود الأخيرة، تمّ نشر العديد من أجهزة الإرسال الكهرومغناطيسية الأخرى على هذا الكوكب، ولا سيّما لنقل إشارات التلفزيون والهاتف المحمول.
في منتصف عام 2010، طوّرت شركة BAe البريطانية نظام ملاحة عن طريق إشارات الفرصة أو NAVSOP.
وتعتمد الملاحة بإشارات الفرصة، مثل أنظمة الرادار السلبية، على استخدام هذه الإشارات لتحديد موقعه، وهذا بطريقة سلبية.
ومن ناحية أخرى، مثل الملاحة البصرية المساعدة، فإنّها تفترض الطيران بالقرب من أجهزة الإرسال النشطة، وهو أمر نادر إلى حدّ ما فوق المحيطات أو المناطق غير المأهولة، خاصّة وأنّ الدقّة تعتمد على عدد أجهزة الإرسال المحدّدة.
الملاحة المغناطيسيّة
أحدث بديل لنظام الملاحة GPS هو أيضًا الأحدث اليوم. مثل الملاحة المرئية المدعومة، تعتمد الملاحة المغناطيسية على الخريطة.
لكن ليست خريطة طبوغرافية، بل خريطة للمجالات المغناطيسية للأرض. يرتبط بغلفانومتر عالي الدقّة، وبشرط عدم وجود سوى خريطة دقيقة وحديثة للمساحة التي يتحرّك فيها الجهاز، فمن الممكن نظريًا تحديد موقعه واتّجاه سرعته بمقياس شديد الدقّة كافٍ ليمثّل بديلاً حقيقياً للاعتماد على إشارة GPS.
في 26 أيّار 2023، قامت القوات الجوية الأميركية ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بأوّل رحلة لطائرة من طراز C17 يتمّ التحكّم فيها عن طريق الملاحة المغناطيسية.
ومع ذلك، فمن النظرية إلى التطبيق الطريق طويل ومتعب في هذا المجال.
تعليقات: