حروب أهلية في البناية


مئات الدعاوى أمام دوائر التنفيذ مرفوعة من جار بحق جاره، ومن لجنة البناية بحق من لم يسدّد كلفة مازوت المولّد أو تصليح المصعد أو راتب الناطور. فمع تفاقم الأزمة الاقتصادية وانهيار القيمة الشرائية للعملة الوطنية، يعجز كثير من السكّان، خصوصاً في العاصمة بيروت وضواحيها، عن تسديد كلفة الخدمات المشتركة التي بات جزء منها يحسب بالدولار الأميركي. عمّت الفوضى وعلا الصراخ في بعض المباني وارتفع منسوب التوتر بين الجيران، وبدا وكأن حروباً أهلية صغيرة تشتعل في أحياء العاصمة وأزقتها

بلغت كلفة الخدمات المشتركة في بعض مباني العاصمة ضعفي أو ثلاثة أضعاف الحد الأدنى للأجور. فمع انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من عشرين ساعة يومياً، زاد الاتكال على مولدات الكهرباء الخاصّة (ومعظمها مصمم لحالات انقطاع الكهرباء الطارئة فقط، لا ليعمل ساعات طويلة) علماً أن كلفة المازوت والصيانة وقطع الغيار تُسعّر بالدولار الاميركي. وتشهد معظم تلك المباني خلافات بين الجيران بشأن الكلفة وتسديد المتوجبات وتحديد ساعات تشغيل المولّد. تتحول الخلافات أحياناً إلى مشادات كلامية وتوتر يؤدي إلى شجارات وضرب، ويخلق جوّاً مسموماً بين الأهالي. أما في المباني التي لا يوجد فيها مولد كهرباء، حيث يتكل السكان على الاشتراك، تظهر مشاكل أخرى منها العجز في تسديد راتب الناطور وكلفة صيانة الأقسام المشتركة، وفاتورة المياه وتنظيف الدرج والمدخل. كما تزيد الخلافات بشأن أماكن ركن السيارات وتتحول إلى مشادات في ظل جوّ مشحون ونفوس متشنجة.

«ما معي»، «زبطوا بقا هيدا الأسانسير»، «لتدفع بالأول»، «نزال شيل السيارة من محلي يا حيوان».

لا يكاد يمر يوم من دون وقوع إشكالٍ أو مشادات في الأبنية السكنية.

يعيش سكان أحد المباني في منطقة جسر الباشا مثلاً من دون مصعد بعد أن تعطل منذ سنتين. فارتفاع كلفة تصليحه وعدم اجتماع جمعية المالكين خلال سنتين للبحث ودفع كامل المستحقات للصيانة من بعد مناشدات المستأجرين، أجبر عديدين منهم على ترك عقاراتهم والبحث عن شقق سكنية أخرى. أما بناية صبرا في المصيطبة، فأصبحت المشاكل نفسها تتكرر يومياً حول دفع مستحقات المازوت لمولد الكهرباء. لم يعد بإمكان العديد من سكان المبنى دفع المبالغ الطائلة للمحروقات، فتقوم جمعية المالكين بتسجيل ديونهم والمطالبة يومياً بإيفائها من دون جدوى. وفي أحد مباني الصفير لم تنجح جمعية المالكين في حل المشكلات بين مختلف مالكي العقارات من دون اللجوء للقضاء. فالتعدي على مواقف سيارات الآخرين وتراكم الديون لمستحقات المياه وصيانة المبنى السكني دفع العديد من سكانها إلى القضاء لحل مشكلاتهم. بينما ادعى عدد من مالكي بناية واقعة في بشامون أمام القضاء في وجه رئيس جمعية المالكين بعد اتهامه بسرقة مبالغ طائلة من صندوق الجمعية، حيث لم يعد باستطاعة الجمعية دفع مستحقات الناطور وصيانة المبنى، ما أدى إلى توجيه أصابع الاتهام نحو رئيسها بعد اختفاء الاموال من الحساب المصرفي الخاص باسم الجمعية.


لجان البنايات لا تحل المشكلة

الهدف الأساسي من إنشاء لجان البنايات تأمين مصلحة الجميع وتنظيمها، وحل النزاعات قدر الإمكان. لكن تلك اللجان تتحول إلى جزء من المشكلة بسبب عدم توصل سكان البناية إلى حلول تتطلب تسويات وربما تنازلات في ظل الوضع المعيشي الصعب والإفقار المزمن.

على مالك العقار، بحسب القانون، دفع مستحقاته من النفقات المشتركة، خلال عشرة أيام من تبلغه الإنذار بدفعها من قبل جمعية المالكين (التي تعرف باسم لجنة البناية) (مادة 26 و47 من المرسوم الاشتراعي رقم 88).

ويعتبر الإنذار بمثابة سند خطي، ويحق لرئيس الجمعية، أن يراجع دائرة التنفيذ، لتحصيلها وفقاً لأحكام قانون تحصيل الديون الثابتة بسند خطي، والمنفذ بالمرسوم رقم 9793 تاريخ 4/5/1968.

تتحول الخلافات أحياناً إلى مشادات كلامية وتوتر يؤدي إلى شجارات وضرب

رئيس جمعية المالكين أو ما يعرف بلجنة البناية، يدير اجتماعاتها ويضبط الوقائع والإجراءات، ويدون القرارات في محاضر بعد توقيعها من المالكين الحاضرين أو المستأجرين الذين ينوبون عنهم. وتعد قرارات اللجنة إلزامية قانونياً. لكن ماذا لو قررت اللجنة إلزام المالكين والمستأجرين بالدفع بالعملة الأجنبية أو ما يعادلها لتسديد كلفة صيانة المصعد مثلاً؟ في هذه الحالات يتعذر على العديد من السكان الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية تسديد مستحقاتهم.

قد تتخذ بعض اللجان قرار الملاحقة القضائية أو قد تمهل السكان مهلة، أو قد تقطع الخدمات المشتركة عنهم. وفي كل هذه الحالات يرتفع منسوب الغضب ويعلو الصراخ خلال اجتماعات الأهالي، وتؤدي الخلافات إلى كراهية وحروب صغيرة بينهم في بعض الحالات.

للجنة البناية الحق بمطالبة دائرة التنفيذ بتحصيل ديونها جبراً، لكن هل يمكن للمالكين أو المستأجرين الاعتراض قانونياً على قرارات جمعية المالكين؟

تفصل محكمة البداية الواقع ضمن نطاقها العقار بالمنازعات بين الجمعية والمالكين.


ناقوس الخطر

تحاول بعض لجان البنايات توفير كلفة صيانة المصعد والمولد والكهرباء في الأقسام المشتركة. ولم تقم بعض البنايات بتعبئة طفايات الحريق ولم تُجر بعض أعمال الصيانة الضرورية للمجاري الصحية، وذلك بسبب عدم توفر الاموال في صندوق البناية. لكن التوفير في صيانة المصعد وتعذر التجهيز ضد الحريق مثلاً يشكلان خطراً على السلامة خصوصاً مع انقطاع التيار الكهربائي والاتكال على الشمعة وعلى وسائل تدفئة تقليدية.

تعبئة الطفايات وصيانة المصعد لوازم أساسية لا يفترض التغاضي عنها أو تأجيلها في أي حال من الأحوال.

نظام إدارة العقارات

تحدد ضمن إدارة البناء وصيانته والمحافظة عليه:

◄ حقوق المالكين في أقسامهم الخاصة والأقسام المشتركة، ومدى كيفية استعمال هذه الحقوق.

◄ التعديلات الداخلية التي يجوز لكل مالك أن يجريها في القسم العائد له، وبيان شروط إجراء هذه التعديلات.

◄ شروط ضمان العقار ضد المخاطر، لا سيما خطر الحريق.

◄ الأعمال والإضافات التي يحق للجمعية إجراؤها على الأقسام المشتركة، والتي تزيد في قيمة العقار كله أو بعضه، على نفقة جميع الشركاء، على أساس ما تضعه الجمعية من الشروط عليهم أو على بعضهم، أو لمصلحة بعضهم على البعض الآخر.

◄ أصول استيفاء السلفات وتحصيل الديون، والصرف والقبض.

◄ أصول استخدام الموظفين والأجراء والعمال وصرفهم من العمل.

◄ كيفية فصل الخلافات التي قد تنشأ بين المالكين.

◄ تمثيل الجمعية أمام المحاكم والدوائر وتجاه الغير.

◄ وكل ما من شأنه أن يؤدي إلى حسن إدارة العقار والانتفاع به على الوجه الأفضل، ضمن الأحكام المرعية. (مادة 12 من مرسوم رقم 88).


«جمهورية» جمعية المالكين

نصّ المرسوم الاشتراعي رقم 88 على تأليف جمعية للمالكين التي تتولى إدارة العقار. فيؤلف مالكو العقار، بحكم القانون إذا زاد عدد الأقسام الخاصة عن ثلاثة، جمعية مالكين لإدارة الأجزاء المشتركة.

تضم جمعية المالكين مالك كل عقار فقط، ولا يحق للمستأجر أن يكون ضمن الجمعية إلا في حال عدم قدرة المالكين على حضور الاجتماعات، فيوكلون عنهم من يمثلهم، وذلك بموجب وكالات رسمية أو لدى المختار، تجيز لهم التصرف باسم المالك الموكل (مادة 38 من المرسوم الاشتراعي رقم 88).

تتمتع هذه الجمعية بالشخصية المعنوية، أي لها ذمة مالية مستقلة وأهلية للتعاقد واكتساب الأموال والمثول أمام المحاكم (مادة 20 من المرسوم الاشتراعي رقم 88).

فور نشوء جمعية المالكين، يُنتخب رئيس لها بطريقة الاقتراع السري، وإذا كانت كثافة أعمال الجمعية تقضي ذلك، يمكن إنشاء مكتب لها، برئاسة الرئيس، يحدد عدد أفراده وتوزيع العمل بينهم وأجورهم عند الاقتضاء، وكل ما هو متعلق بهم، في قرار تتخذه الجمعية (مادة 22 من المرسوم الاشتراعي رقم 88).

يتولى رئيس الجمعية تنفيذ قراراتها ويتخذ جميع التدابير والإجراءات التي تمنحه الجمعية صلاحية اتخاذها وتنفيذها. ويكون له في جميع الأحوال، تصريف الأمور العادية اليومية والقيام بجميع الإجراءات والأعمال المستعجلة، التي تقتضيها سلامة العقار، وسلامة الغير، ومن الأضرار التي قد تصيبهم بسببه (مادة 23 من المرسوم الاشتراعي رقم 88).

تعقد الجمعية اجتماعاً عاماً مرة واحدة على الأقل كل سنة، ويعد رئيس الجمعية في بدايته تقريراً عن أوضاع الجمعية للمداولة بشأنه. وتعقد الاجتماعات بناء على دعوة خطية يوجهها رئيس الجمعية إلى كل مالك (مادة 24 من المرسوم الاشتراعي رقم 88). وتُقسم أعمالها الى ثلاثة أنواع:

◄ الأعمال الإدارية، كاتخاذ الإجراءات الضرورية المتعلقة بالبناء والملكية المشتركة، وعقد اجتماع عام على الأقل مرة واحدة في السنة.

◄ الأعمال الإدارية المادية، كصيانة وتصليح واستبدال جميع التجهيزات والتمديدات والمنشآت، في إطار المصلحة المشتركة للمالكين او للمستأجر (بعد الاتفاق مع المالك على دفع النفقات من قبل المستأجر).

◄ الأعمال التصرّفية، كشراء وتركيب تجهيزات وآلات تقتضيها مصلحة المالكين، أو بيع العقار إذا تهدّم البناء وتعذّر إعادة بنائه.

تتخذ الجمعية قراراتها بالإجماع أو بالأكثرية تبعاً لنوع القرار الجاري التصويت عليه. ويكون لكلّ مالك من مالكي الأقسام الخاصة عدد من الأصوات مواز لنسبة قيمة ملكيته في العقار.


تعليقات: