قصف إسرائيلي بالفوسفور على جنوب لبنان (أ ف ب)
يجهد #لبنان للحفاظ على رئته الطبيعية الخضراء بمواجهة موجة من ال#حرائق المستعِرة التي تُهدّد غطاءه الحرجيّ في الآونة الأخيرة. فالعوامل المناخية المتطرّفة التي بدأت تُثقل على فصول البلد الأربعة، تترافق مع "مجزرة بيئية" ب#الفوسفور الإسرائيلي حرقت #غابات #الجنوب وأحراجه وأراضيه الزراعية، منذ تسعة أشهر، وسط خطر حقيقيّ يُهدّد بتغيير معالمه الطبيعية.
منذ منتصف حزيران، سيطرت على البلد موجة حرّ استثنائيّة أدّت إلى ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق، مقارنة بالفترة ذاتها خلال العشريّة الأخيرة، لا سيّما أنها ترافقت مع نسبة رطوبة عالية زادت الشعور بالحرّ، ممّا يُمهّد لصيف حارّ لم يعتَد عليه اللبنانيّون سابقاً.
مقارنة بالمواسم السابقة، يكشف الرصد الموسميّ لبرنامج الأراضي والموارد الطبيعية في معهد الدراسات البيئية في جامعة البلمند عن أنّ أشهر تموز وآب وأيلول ستشهد ارتفاعاً في الحرارة أعلى من معدّلاتها السنوية، وإن بنسبة أقلّ حدّة من شهر حزيران. موجات الحرّ هذه تُشكّل الفتيل الرئيسيّ لاندلاع الحرائق في المناطق الحرجيّة، حيث تتضاعف نسب تمدّدها وخطورتها إذا ما ترافقت مع عوامل أخرى، منها بشريّة، وأخرى مرتبطة بسرعة الرياح وجفافها.
ماذا نعرف عن موسم الحرائق في لبنان؟ وكم بلغت نسبتها هذا العام؟ وكيف يبدو الواقع الحرجيّ اليوم في ظلّ خطر الحرائق المدمّرة؟
"لبنان يحترق"
شهد لبنان في تشرين الأول 2019 إحدى أضخم موجات الحرائق التي التهمت مساحات شاسعة من أحراج الشوف وإقليم الخروب وعكّار. وقد تصدّرت عبارة "لبنان يحترق" المشهد حينذاك، بسبب فظاعة الدمار الكبير، الذي حلّ بالثروة الحرجيّة.
هذا العام، يُمكن للبنان تجنُّب الحرائق المستعرة برفع مستوى الوعي لدى المواطن، في الوقت الذي لا يزال البلد معرّضاً لموجة حرائق كارثيّة، لا سيّما إن لم يكُن هناك استجابة سريعة من الهيئات المختصّة.
الحرائق بالأرقام
تكشف أرقام جامعة البلمند، التي حصلت عليها "النهار"، تراجعاً في معدّل الحرائق بين عامَي 2021 و2023 بنسبة 90 في المئة عن المعدّلات السنوية للأراضي المحروقة، وهو ما تسعى وزارة البيئة اليوم إلى المحافظة عليه، بالرغم من أنّ الوضع الكارثي في الجنوب يفرض نفسه على مستويات الحرائق الوطنية عموماً.
الطقس المتطرّف هذا العام عزّز من عدد الحرائق مقارنة بالسنوات السابقة. باستثناء الجنوب، يُشير التقدير الأوّلي إلى أن مساحة الحرائق في الأراضي اللبنانية وصلت إلى حدود الـ500 هكتار منذ كانون الثاني، وأغلبيتها سُجّلت في حزيران، إلّا أنّنا "لا نزال تحت المعدلات الموسمية التي سُجّلت ما بين عامَي 2019 و2021، إذ إنّ حريق الغابات في القبيات عام 2021 كان الأكبر والأشدّ، وأتى على مساحات حرجية واسعة حينها"، وفق ما يؤكّد الدكتور جورج متري، مدير برنامج الأراضي والموارد الطبيعية في معهد الدراسات البيئية، في جامعة البلمند.
في حديث لـ"النهار"، يرى متري أنّنا "نشهد اليوم وتيرة تصاعدية أعلى من الحرائق التي تشتعل تباعاً"، فيما يعتبر أنّ المعدّل "لا يزال مقبولاً نسبيّاً وبشكل إجمالي، فيما المشهد في الجنوب كارثي".
بحسب الإحصاء، وصل إجمالي المساحات المحروقة في لبنان عام 2022 إلى 350 هكتاراً، ثمّ ارتفع عام 2023 إلى 700 هكتار، وذلك من دون احتساب الحرائق في الجنوب منذ بداية الحرب في العام الماضي.
أمّا المناطق الأكثر عرضة للحرائق في لبنان فهي المناطق الحرجية والعشبية في محافظة عكار، حيث تتسبّب بها نشاطات مفتعلة في مكبّات النُفايات وفي ميدان المخلّفات الزراعية، فيما سُجّلت بعض الحرائق الأخرى في محافظة جبل لبنان في بؤر تحتوي على موادّ قابلة للاشتعال.
حرائق الفوسفور في الجنوب: دمار هائل في المناطق الحرجيّة
يرزح الجنوب تحت خطر اندثار الأراضي الحرجيّة والمحميّات الطبيعيّة يوماً تلو الآخر، وهو الذي يعاني تاريخياً من ضعف غطائه النباتي. بتنا أمام "مجزرة بيئية" لم يشهد البلد لها مثيلاً منذ عقود، نتيجة اتّباع الجيش الإسرائيلي سياسة "الأرض المحروقة" للقضاء على الغطاء النباتيّ، متوسّلاً القصف بالقنابل الفوسفورية، وإحراق مناطق حرجيّة حسّاسة جدّاً، خاصة في علما الشعب، الناقورة، يارون ومنطقة اللبونة.
تحوّلت مساحات شاسعة في جنوب لبنان إلى رماد منذ بدء الحرب. وتُظهر صور الأقمار الاصطناعية أنّ الحرائق تخطّت الـ4300 هكتار. الخطر الأكبر يكمن في الوضع المتغيّر حتى الآن، بحسب متري، الذي يؤكّد أنّ "الرقم قد يرتفع إذا ما استمرّت إسرائيل على هذه الوتيرة من القصف، وقد نتخطّى الـ5 آلاف هكتار، في حصيلة لم يشهدها لبنان ككلّ سابقاً".
بحسب جهاز "#الدفاع المدني في الهيئة الصحية الإسلامية" الحاضر ميدانيّاً في الجنوب، استهدفت القوات الإسرائيليّة بالفوسفور المناطق الحرجيّة الممتدة من الناقورة حتّى كفرشوبا، على طول الحدود بين فلسطين المحتلة ولبنان بطول أكثر من 100 كليومتر، وبعرض يبلغ حوالَي 5 كيلومترات. ويؤكّد مسؤول قسم الإطفاء، صادق حميّة، أنّه "تمّ القضاء على أحراج هذه البلدات بأكملها، بما فيها الثروة النباتيّة من شجر الزيتون والصنوبر والسنديان واللزّاب والبلوط".
كانت نسبة الحرائق هذا العام استثنائية، فموجة الحرّ التي ضربت لبنان تزامنت مع القصف الإسرائيليّ بالمواد الحرارية والبالونات الحارقة، "إذ لا نكاد ننتهي من إخماد حريق في بلدة ما، وننتقل إلى أخرى، حتّى تعمد إسرائيل إلى إعادة إشعال الحريق ثانية"، وفق حميّة.
في ظلّ احتدام الحرب جنوباً، يواجه عناصر الإطفاء ظروفاً خطرة جدّاً، لا سيّما في مواجهة حرائق الفوسفور. ويشرح حمية لـ"النهار" بأنّ "المادّة الكيميائيّة التي تحتوي عليها القذائف الفوسفورية مؤذية وحارقة، وقد تصل حرارتها إلى أكثر من 800 درجة مئوية"، لافتاً إلى أنّ "التعرّض لها قد يُسبّب حروقاً من الدرجة الرابعة وصولاً حتى العظم"، ناهيك بـ"الآثار السامة للغازات المنبعثة من حريق الفوسفور، والتي تؤذي جهاز التنفّس، وتؤدّي إلى تهيّج حادّ لدى الإنسان، فضلاً عن غيرها من الآثار الصحيّة بعيدة الأمد".
إذن، تستدعي الحرائق المستعرة في الجنوب، وسط ظروف أمنية دقيقة، تنسيقاً على أعلى المستويات بين الدفاع المدنيّ اللبنانيّ والدفاع المدنيّ في "الهيئة الصحّية الإسلامية"، إذ يؤكّد حمية أنّ "العميد ريمون خطار وإدارة العمليات حريصون على الوقوف إلى جانبنا يومياً، لكنّ الظروف الميدانيّة تحكم أحياناً بتدخّل الهيئات الإسلاميّة، بالتنسيق مع الجهات الحزبيّة، في البلدات الأكثر عرضة للقصف".
الدفاع المدني اللبناني: جاهزية تامّة
يرفض الدفاع المدنيّ اللبنانيّ ربط الحرائق بالطقس فقط، بل يشير إلى الحرائق المفتعَلة، التي قد يكون سببها تجّار الحطب، أو مواطنون انتشروا في نزهات شِواء، إضافة إلى حملات التشحيل والتنظيف الموسميّة للأراضي الزراعيّة المتاخمة للمنازل عبر إحراق الأعشاب اليابسة.
يوميّاً، يتلقّى الدفاع المدنيّ عشرات الاتصالات التي تُفيد باندلاع حرائق على أنواعها، فبعضها محدود، فيما تستعر أخرى سريعاً وصولاً إلى تهديد المنازل والسكّان. وفق أرقام الدفاع المدنيّ التي حصلت عليها "النهار"، نفّذ العناصر آلاف المهمّات منذ بداية العام: 3500 مهمّة للتدخّل وإطفاء حرائق الأعشاب، 250 مهمّة في الأحراج، مهمّات مرتبطة بحرائق النفايات القريبة من الأشجار والغابات، 82 مهمّة لحرائق في الأشجار المثمرة، إضافة إلى حرائق المزروعات الموسميّة.
بحسب متابعة رئيس قسم التدريب في الدفاع المدنيّ، نبيل صالحاني، فإنّ "حدّة الحرائق قد تختلف بين منطقة وأخرى بفعل عوامل عديدة"، متسائلاً عن "اندلاع بعضها ليلاً مع غياب أشعة الشمس، مما يُعزّز فرضيّة التدخّل البشريّ". ويؤكّد صالحاني لـ"النهار" أنّ "العميد ريمون خطّار أصدر مذكّرة برفع الجاهزيّة في جميع المراكز، فيما وُضِع الموظّفون والمتطوّعون في حالة استنفار للتدخّل عند أيّ طارئ بأسرع وقت".
التحدّي الأكبر يكمن في الحرائق المندلعة في المناطق الجرديّة والمرتفعات، حيث يصعب الوصول إليها برّاً، سواء على مستوى الأفراد أو الآليات، ممّا يستدعي اللجوء إلى طوّافات الجيش، ووضع الأجهزة الأمنيّة قدراتها بتصرّف المديريّة العامّة للدفاع المدنيّ.
خسائر لبنان البيئيّة والزراعيّة هائلة جرّاء الحرائق الطبيعية المرتبطة بالطقس والجفاف والتغيُّر المناخيّ، لكن العدوان الإسرائيليّ عمّق الأزمة البيئيّة، وزاد من خطر تحوُّل الأراضي الصالحة للزراعة إلى أراضٍ قاحلة، بل يُهدّد بخسارة المزيد من الغطاء النباتيّ على طول الحدود اللبنانية.
batoul.bazzi@annahar.com.lb
تعليقات: