يطارد شبح الترحيل آلاف السوريين في لبنان (مديرية أمن الدولة)
يكاد لا يمر يوم من دون تنفيذ عمليات تصدي وترحيل بحق اللاجئين السوريين في لبنان. يحدث ذلك بموازاة قرار صريح اتخذه الأمن العام اللبناني ببدء تنفيذ الخطة "باء"، في جمع داتا اللاجئين السوريين، كرد على عدم تسليم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، حتى الآن، للبيانات التفصيلية التي طلبتها الحكومة منها عن نحو مليون ونصف مليون لاجئ، ولا سيما حول تواريخ دخولهم إلى لبنان. وهذه الخطة، شرحت "المدن" كامل تفاصيلها في تقرير سابق (راجع "المدن").
ترحيل وتصدي
في الشمال، قامت دوريات من أمن الدولة، بإجلاء نحو 50 لاجئًا سوريًا، الاثنين، بعد إنذارات كانت قد وجهتها إليهم قبل فترة.
كذلك، يواصل الجيش اللبناني عمليات التعقب والتصدي، للمتسللين من المعابر غير الشرعية، وكان آخرها، ترحيل من قبض عليهم في منطقة العبدة في عكار، قبل أيام، بعد توقيف دورية من مديرية المخابرات نحو 87 سوريًّا كانوا يتحضّرون للهجرة عبر البحر، بطريقة غير شرعية إلى إيطاليا. كما تمّ ضبط المركب. وقع هؤلاء في مصيدة خديعة عدد من المهربين، الذين أوهموهم بأنهم قادرين على إيصالهم إلى إيطاليا، مقابل نحو 6 آلاف دولار عن كل شخص مهاجر، فدفعوا نصف المبلغ، إلى أن تبين أن المركب المهترئ لم يتمكن من إكمال طريقه من شاطئ طرابلس حتى شاطئ "شيخ زناد" في عكار، ومعظمهم جاء بواسطة سمسار من الداخل السوري مباشرة.
في المقابل، تفيد مصادر أمنية متابعة لـ"المدن" أن وتيرة هجرة السوريين من شواطئ الشمال نحو قبرص وأوروبا، تراجعت إلى حدودها الدنيا، مقارنة مع صيف العام الماضي. وهو تراجع يعود إلى عوامل عدة منها:
- الإجراءات الأمنية المشددة التي فرضتها قبرص قبالة الساحل اللبناني، وما أعقبها من عمليات منع وتصدي لعبور قوارب المهاجرين السوريين نحو شاطئها.
- الإجراءات الأمنية الاستثنائية التي فرضها خفر السواحل التابع للجيش اللبناني بعد إجراءات قبرص، وتاليًا التشدد بتتبع قوارب المهاجرين وحركة القوارب.
- عمليات الاحتيال التي ينفذها المهربون والسماسرة بحق المهاجرين السوريين، ولا سيما بحق من يأتون مباشرة من الداخل السوري، حيث يتقاضون منهم الأموال ثم ينصبون لهم الكمائن في المراكب غير المجهزة للإبحار، وتاليًا يلقي الجيش القبض عليهم.
- خشية اللاجئين السوريين من عمليات الاحتيال والنصب مع المهربين والسماسرة، وخوفهم تاليًا من الترحيل بعد أن يلقي الجيش القبض عليهم.
الحدود السائبة
ومع ذلك، ما زالت الحدود اللبنانية السورية البرية مشرعة أمام حركة عبور السوريين ذهابًا وإيابًا عبر المعابر غير الشرعية. ففي عكار، تفيدنا مصادر ميدانية بأن المناطق الحدودية تشهد يوميًا على دخول مجموعات جديدة من السوريين، بواسطة شبكة واسعة من المهربين والسماسرة تنشط بين لبنان وسوريا، ويجنون الأموال، حيث يسدد كل سوري نحو 200 دولار مقابل دخول لبنان. ناهيك طبعًا عن الرحلات المعاكسة للسوريين، من لبنان نحو سوريا عبر المعابر غير الشرعية، لزيارة الداخل السوري.
أمنيًا، تعج مراكز التوقيف بصغار المهربين والسماسرة العاملين على خطوط التهريب اللبنانية السورية، الذين غالبًا ما يُطلق سراحهم بعد فترة وجيزة. أما قضائيًا، فيفيد مصدر متابع لـ"المدن" أن ملفات المهربين بين لبنان وسوريا، تستحوذ على النسبة الأكبر من عمل القضاء في الشمال، ومعظمهم يندرج في خانة "الاتجار بالبشر". لكن المعضلة الأساسية، تبقى في عدم إلقاء الأجهزة الأمنية القبض على كبار المهربين والرؤوس المدبرة لنشاط شبكات التهريب، الذي يسرحون بين البلدين.
في هذه الأثناء، يطارد شبح الترحيل آلاف السوريين في لبنان، الذين صاروا يخشون من التنقل بحرية، خوفًا من توقيفهم. في حين، تتصاعد التحذيرات الحقوقية من عواقب الترحيل على مصير السوريين بعد تسليمهم إلى الأجهزة الأمنية السورية عند الحدود.
وفيما تواصل البلديات في شتى المحافظات اللبنانية تنفيذ إجراءاتها في تعقب السوريين، تسهيلًا لعمليات ضبط من لا يملكون إقامات شرعية، وترحيلهم بالتالي، تبدو المهمات المناطة بالأجهزة الأمنية والقضائية صعبة ومعقدة، طالما أن الحدود سائبة، وطالما أن القدرة على ضبطها بالكامل، ما زالت شبه مستحيلة.
تعليقات: