لعل الفرصة أمام كبار المودعين لدى المصارف اللبنانية قد فرضت نفسها عليهم للتحرك تبعاً لإمكانات وازنة لديهم ليست متاحة لصغار المودعين؛ فرصة قد تكون كفيلة بوضع أوراق "الحل والربط" في قضية المودعين بين أيديهم، إن حَسُن التصرف واختيار أهل الثقة وفق خطة هادفة فعّالة تعبّد طريقها لاستعادة الودائع مستفيدة من دروس خمس سنوات حافلة مضت.
لسنا في وارد تصنيف الودائع هنا، فالوديعة حق مقدّس لصاحبها في ماله ورزقه وأمانة لا يجوز التفريط بها أبداً، أصغرت أم كبرت. أما بالنسبة للمصارف وأصحابها، فالجمع أو القسمة بين مودعين كبار أو صغار لا يحكمه سوى هدف واحد دوماً محطّ أنظارهم: مراكمة الثروات وإعادة مراكمتها بأي طريقة كانت ولو "الجميع ياكلوها"!
تحت حجة ما "بتقلي عجة"، ها هم يعودون للعبة التصنيف والتفرقة، لكن النتيجة ذاتها للجميع: تكريس السرقة، رغم فداحتها. وبكل وقاحة وبعد خمس سنوات يقولون: "انتظروا ٤٠ سنة أخرى"!
إن لم يمت المودعون من الشيخوخة أو من الفقر، فمجرد التضخم المتصاعد وحده كفيل بهضم قيمة أموالهم؛ هذا إن صدقوا، وسط مؤشر ثقة بهم ما زال "صفراً":
الغدر أولاً: وفوق ذلك، "انطروا ٤٥ أو ١٠٠ سنة بعد، وين المشكلة؟"
ثانياً: أموال المودعين لم تُفقَد، بل سُرِقت. هي موجودة، ومهرّبة، ومبيّضة، ويتنعمون بها، و"يربّحونهم جميلة" أيضاً!
ثالثاً: سرقة ثابتة موصوفة. لا يوجد أي منطق في العالم لملاحقة أحد قبل السارق الأساسي، قبل السؤال أين أصبحت بعض الأموال المنهوبة في الخاتمة. المشاريع الراهنة وأدواتها ومن ضمنها، بكل أسف، حفنة من المودعين أنفسهم يتقدّمهم "مودعو الشارع" تحاول فرض أمر واقع وفي اتجاه واحد: إعفاء السارق من السرقة!
من منا لا يتذكّر كيف اجتمع رؤساء الميليشيات في نهاية الحرب ليتفقوا على قانون عفو عام عن جميع الجرائم التي "ارتكبوها"؟ ومذّاك وهم يستمرون في فرض الخوات على المواطن عبر منظومة فسادهم، ويتقاسمون الغنائم، والآن، المجرمون أنفسهم يقودهم جشعهم إلى الإطباق على أموال المودعين عبر المصارف التي يمتلكونها بطريقة أو بأخرى، ويعيدون الكرّة بابتكار قوانين عفو عام لأنفسهم كي ينجوا بـ "سرقة العصر" وكل العالم يتفرّج!
رابعاً: المسّ بأصول الدولة هو نصب موصوف وجريمة بحق شعب وأجيال بأكملها. يدفعون للمودع مما هو ملك لأبنائه، في إهانة لكل ذرّة من كرامة باقية كي ينجوا بفعلتهم، بينما أمواله اختفت في جيوبهم. إصرار مذهل وخيالي على إخراج القضية عن سكّتها الصحيحة: الأخلاقية والشرعية والدستورية والقانونية وقبل كل شيء الضميرية.
خامساً: بدعة "صندوق سيادي". عن أي سيادة يتكلمون لصناديق ليست إلا بين أيدي فاسدين لا يعرفون إلا الظلم وسلب الحقوق. كفانا "حاميها حراميها"!
الحق لا يعطى بل يُنتزع، وما أُخِذ بقوة الشر لا يُسترد إلّا بقوة الحق. هم صوّنوا وصفّحوا مصارفهم وقصورهم ووظّفوا مجموعات من "البلطجية والزعران والمرتزقة" لحمايتها بعد سلب حقوق المودعين، وهو بحد ذاته تصرّف المذنب في السرقة.
ألم يئن الأوان أن نصحو من "خنوع موصوف" هو أيضاً، قبل أن ينتهوا من سلبنا وقتلنا ونحر لبنان؟ ما من قوة في العالم أعظم من "قوة الحق" لدى شعب إن ثار وتوحّد ورفض خدع التقسيم الطائفي أو المذهبي أو السياسي أو سواه.
ألم يئن الأوان أن نرفض "البرمجة الاجتماعية على الخضوع منذ الصغر"؟ وهل من سبب أقوى من "جنى العمر" كي يوحّد المودعين حول حقّهم بمالهم، الذي يرقى فوق كل تطيّف أو تمذهب أو تسييس أو سواه؟ المال هو ذاته للجميع، لا سياسة، لا دين، بل وجع واحد. البلد يموت من الجريمة نفسها، والجلاد واحد.
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجب القدر.
الإرادة قبل الصلاة وقبل أي شيء آخر. عندها، وعندها فحسب، سوف يستجيب القدر.
إن تحالف متحدون على ثقة عندها بتحقيق الخرق المطلوب، متى توفّرت عناصر ومتطلبات حراك صادق هادف مختلف يرفع حتماً أيديهم المتسخة بالسرقات والدماء عن ميزان العدل وعن حقوق الناس، فتعود هذه الحقوق.
تعليقات: